أوراق الزمن المجهول 1
أوراق الزمن المجهول
صفحات مجهولة من شعر وحياة نزار قباني
1 من 8
شمس الدين العجلاني
هذه الأوراق حافظت عليها لعشرات وعشرات السنين، منها ما هو عمره أكبر مني ومنها ما هو مجار لعمري، ومنها ما هو بعمر أولادي، كانت رفيقتي في السراء والضراء، وكل من اطلع عليها أو علم بها كان يطلب مني أن أنشرها، ولا تبقى حبيسة في مكتبي.. وخلال شهر أيلول من عام 2006 اجتمعت على العشاء مع الغالي الدكتور صباح قباني شقيق الراحل الكبير نزار قباني، ودردشنا وتناقشنا، وطبعاً كان محور كل ذلك شاعر الشام نزار قباني، والدكتور صباح يعلم تماماً مكانة نزار في بيتي وعائلتي، وصلة القرابة التي تربطه بزوجتي، وما تحتويه أوراقي من أرشيف قديم عن ابن دمشق البار، وهنا ولدت لدي فكره كشف جزء من الأوراق التي تختزنها مكتبتي، وولدت لدي الشجاعة لأدفع للنشر ما لدي عن نزار قباني فكانت هذه الأوراق:
محاولة لقراءة ما لم نقرأ عن الشاعر العربي السوري نزار قباني، شاعر الناس( لأنني كنت شاعر الناس.. لم يتركني الناس لحظة واحدة، بل حموني بصدورهم وأهدابهم) الذي جعل الشعر خبزهم اليومي( خمسون عاماً مع الناس، كل الناس، كبيرهم وصغيرهم، غنيهم وفقيرهم، قويهم وضعيفهم،حتى صار شعري جزءاً من حياة الناس، وكلامهم، وطعامهم، وشرابهم وتنفسهم).
محاولة لقراءة محطات مجهولة من حياة رجل أرّخ لدمشق، وجعل مآذنها وحمائمها، وحاراتها، وزواريبها، تطوف في كل أنحاء العالم، لتنثر عطر الياسمين الدمشقي على مساحة المعقول وغير المعقول:( أربعون عاماً أحمل مآذن دمشق على كتفي وأطوف بها حول العالم، ولسوف أبقى حاملاً مآذن دمشق وأنهارها، وأشجار خوخها وتفاحها ورمانها وعنبها حتى آخر لحظة من حياتي).
محاولة لقراءة الولد المشاغب الذي كان دائم اللعب بالنار، وطفلاً مشاكساً لم يترك عشاً للدبابير إلا وأضرام النار فيه، فأشعل الحرائق التي لم ينطفئ لهيبها حتى الآن، وأعلن العصيان على كل التقاليد والأعراف ووقف بوجه كل الرياح العاتية فكان مطلوباً لكل مخافر الدرك العربية.؟
هذه الأوراق هي توثيق دقيق لجزء مهم من حياة شاعرنا.
لا أستطيع القول إنه لم يسبق أن نُشرت... ولكنني أجزم أن هذه المرة الثانية التي تنشر فيها هذه الأوراق التي يعود جزء منها لأكثر من ستين سنة مضت أضع أوراق نزار قباني من الزمن المجهول بين يدي القارئ والباحث ليقرؤوا جوانب مهمة من حياة هذا الشاعر.
محطات مجهولة من حياة رجل أرَّخ لدمشق، وجعل مآذنها وحمائمها، وحاراتها، وزواريبها، تطوف في كل أنحاء العالم، لتنثر عطر الياسمين الدمشقي
بداية الحكاية
حكاية نزار قباني حكاية طويلة قد نبدأ بها ولا ننتهي، حكاية نزار قباني هي حكاية شهرزاد لشهريار.. إنها حكايته مع المرأة بمختلف نكهاتها ونسمات روحها التي تغنى بها ولها، بل أقام لها مملكة بلا حدود وبلا شعب سوى شوارع من الحب مملوءة بالثورة والميلاد والحرية، حكايته مع حب الوطن الذي ابتدأ ولم ينته.. ولنبدأ الحكاية من نهايتها..
..وتنادى أهل الشام الصغير ينبئ الكبير، والرجل يخبر المرأة، والصبي ينادي الصبية..إنه الدمشقي الذي ولد من رحم الياسمين وترعرع في حارات وزواريب دمشق، وتسلق مئذنة العروس، وكان طالباً مجداً في كتاتيب محيي الدين العربي، إنه نزار قباني الذي توفاه الله في لندن ويريد أن يعود لحبيبته وتحقيق حلمه الأبدي: (وددت لو زرعوني فيك مئذنة، أو علقوني على الأبواب قنديلاً..).
لان اسمها مشتق من الناقة الدمشق.
لان اسمها مشتق من اسم بانيها دماشق بن قاني.
لان اسمها مشتق من المسك المضاعف.
لان اسمها مشتق من البطل الأسطوري (دمسكوس) ابن الإله (هرموس).
لان الآراميين أسموها درمسق.
لأنها مدينة العازر
لأنها مدينة النعمان السرياني.
لأنها بيت الإله رامون.
لأنها جلق وجيرون.
لأنها دمشق الشام، دمشق التاريخ، دمشق العرب، وإرم ذات العماد وحضارة الروم وحصن الشام وباب الكعبة وفسطاط المسلمين والعذراء وقاعدة وادي سورية والفيحاء والغناء.
لأنها ملتقى المسيحية والإسلام.
لأنها جنة الله في الأرض.
لأن الله كتب لدمشق أن يبدأ وينتهي بها التكوين..
أطلق نزار توفيق قباني صرخته المدوية من عاصمة الضباب لندن وهو على فراش الموت:
( أعيدوني لمن علمتني أبجدية الياسمين)
وتستجيب دمشق لنداء ابنها البار( وهكذا يعود الطائر إلى بيته والطفل إلى صدر أمه.. لأن دمشق هي الرحم الذي علمني الشعر وعلمني الإبداع وأهداني أبجدية الياسمين) وهكذا عاد طائر النورس إلى دمشق واحتضنت دمشق ابنها البار بعد رحلة العذاب في أصقاع العالم..؟
أعود إلى دمشق
ممتطياً صهوة سحابة
ممتطياً أجمل حصانين في الدنيا
حصان العشق
وحصان الشعر
أعود بعد ستين عاماً
لأبحث عن حبل مشيمتي
وعن الحلاق الدمشقي الذي ختنني
يتبع
نزار قباني وزهراء آق بيق