الهم الجسدي في الأدب النسائي الحداثي
الهم الجسدي في الأدب النسائي الحداثي
د.صالحة رحوتي - المغرب
[email protected]
مقدمة
الإسلام حرر الإنسان كله، و ما عمل على تكريس الفصل المقيت بين مكوناه، إذ اعتبره
مزيجا من حفنة من طين و من نفخة علوية، فإن اعتنى ذلك المخلوق بالجزء الطيني فقط
واحتفى به و بمتطلباته ارتكس و انغمس في الطين، وإن زاوج معه الاهتمام بالجزء
الروحي أيضا، اعتلى و سما و انجذب من وهدة التردي و الاندحار.
و إيثار الجسد بالاهتمام كله في أي مجال كان سواء الأدبي أو غيره مفسدة و تضييع
لحق الإنسان في التمتع بإنسانية تكرمه وترفعه، فالحيوانات إن استجابت لنداء الجسد
المجرد وانساقت مع دعواته فإنها المسيرة في ذلك، و هذا مكمن الفرق مع الإنسان، ذلك
المميز بالعقل المُقَيِِّد للغرائز المُسيِّر لها وفق ما يخدم حاجات روحه ونفسه و
مجتمعه و ووطنه، و كذا العالم كله الذي هو مكلف بحسن الاستخلاف فيه.
و نظرا لتغييب مثل هذه القناعات الداعية إلى عدم إفراد الجسد بالاهتمام ـ و كذا
اعتباره فقط رافدا يجب التعامل معه بما يجب مما ورد في مبادئ الدين ـ نرى أن
انحرافات شتى بدت واضحة المعالم في كل الميادين و المجالات...
و لم يُغمط المجال الإبداعي الأدبي حقه من هذه الظاهرة، إذ اجتاح الحديث عن الأجساد
جل مضامين الإبداعات الأدبية بصفة عامة، و خاصة منها تلك التي نسجت خيوطها المبدعات
من النساء.
فالجسد حاضر في كل منعطف، و مُحتفى به في كل ركن...و مُطالَب بتمتيعه بأقصى درجات
الحريات في جل الأنساق من الكلمات...
إنها المعادلات أضحت الثابتة و من قبيل المتفق عليه لديهن هن "المثقفات" الحداثيات
النسوانيات، وهي كذلك المفاهيم الراسخة و أصبحت غير القابلة للتجاوز عندهن إلا تحت
طائلة الوسم بالرجعية و بتكريس استحسان استعباد النساء...
* ـ البيت = السجن.
* ـ الزوج = تبلد الحس والبرود العاطفي.
* ـ الحياة الزوجية = القيود اللامرئية الموغلة بالمرأة في الإحباط و الضياع.
* ـ الجسد = الجوع الجنسي المتواتر غير المشبع بفعل الضغوط النفسية الناتجة عن
التقاليد والدين و الزواج...
* ـ الدين = الأغلال و الحيف...وأيضا شتى صنوف القهر المبيحة لكبح حرية الجسد، و
الداعية لعدم تمتيعه و الإمتاع به، و المانعة من حرية التعامل به و معه.
و هكذا...هلم جرا
ثم و هن دائما على نفس المنوال ينسجن...إذ:
* ـ إنه الحرمان الجسدي ذلك المتغنى به... المصور بعناية، و المشوب برثائيات للجسد
الوَلِهِ إلى الإشباع و إلى الارتواء...
* ـ وإنها المعاناة النفسية الناتجة عن ذلك لدى المرأة في كل الطبقات و كل
الفئات...
* ـ و إنها الدعوة إلى تخطي الحدود المرسومة، و إلى تحدي المتفق عليه...و إلى تجاهل
الأحكام المسبقة و المحاكمات المجتمعية في سبيل تحقيق حقوق ذلك الجسد الظمآن
المتشظي بفعل الحرمان...
* ـ و إنه التحفيز على الأخذ بالمباهج المتاحة لذلك الجسد الآيل إلى ترد، و من ثم
زوال...و ذلك قبل فوات الأوان...
* ـ و إنه الجهر بالدعوة إلى ممارسة ما يمارسه الرجل من "حريات" في هذا المجال و هو
"مضمون" الشرف "موفور" الكرامة...غير محاكم من طرف التقاليد
و الأعراف...
هذا هو المعبر عنه فقط ـ أو تقريبا ـ في كل النتاجات الإبداعية النسائية الحداثية...
و يُدبَّج و يُنمق الكل في لوحات تتكرر بشكل لا متناهي، و النتيجة صور نمطية تتكرر
للمرأة المقصاة من تحرير الجسد، و من الاستمتاع بكل قدراته و إمكانياته و
مكوناته...
و تَستخرِجُ تلك الصور المتناسلة أسئلة تفرض نفسها، بل و تلح في طلب الجواب، وذلك
انطلاقا من أن تكريس الأديبات النسوانيات لجزء غير بسيط من إنتاجهن الأدبي للحديث
حول كل ما يتعلق بالجسد، و برغباته... و بما يحيط به... و ما هو كائن حوله... لا بد
ونابع من وجود حيثيات و أسباب معينة لابد أن منها:
1 ـ تداعيات وتأثير نمط الحياة الخاصة بهن هن المبدعات.
2 ـ الرغبة في ممارسة حرية التصوير و التعبير في الإبداع الأدبي كما تريده المدرسة
الأدبية الحداثية.
3 ـ ركوب صهوة التحدي و الإقتداء بالأديب المبدع الرجل.
4 ـ الرغبة في إرضاء الغرب لنيل الحظوة لديه.
هذه على سبيل التمثيل لا الحصر بعض الأسباب، إذ لعل هنالك أخرى...و هذه أيضا محاولة
للحديث حول هذا البعض المذكور في ما يلي:
1 ـ تداعيات وتأثير نمط الحياة الخاصة:
إذ يبدو و كأن مؤثرات ما نابعة من الوضعية الأسرية و العائلية للأديبات تتداخل
و توجه مسار الإبداع المنتج من لدنهن...و ذلك من قبيل:
أ ـ الحرمان من حياة زوجية مستقرة مشبعة:
و الذي قد يكون تأتى من أسباب شتى منها:
* ـ استمرار العزوبة:
ـ للعزوف صدر منهن عمدا عن الزواج في زمن ما...و ذلك تبعا للقناعات الإيديولوجية
التقدمية و الاشتراكية كانت سائدة في الزمن الماضي، أو تلك الحداثية المنتشرة الآن
بعد انهيار محراب المعسكر الشرقي، و ذلك انطلاقا من الحمولة الثقافية المواكبة
للزواج كمكبل مقيد للمرأة في تلك الإيديولوجيات.
ـ أو للعنوسة الطارئة عليهن لأسباب اجتماعية أو ثقافية أو حتى شكلية مظهرية ما...
* ـ فقدان الزوج:
سواء:
ـ بالطلاق نظرا لعدم التوفق في الاستمرار في المؤسسة الزوجية.
ـ أو بوفاته ذلك الزوج.
ب ـ الرتابة و الملل في الحياة الزوجية:
هذه المظاهر التي تتسلل قد تدريجيا إلى الحياة الخاصة لأولئك المبدعات، التي تتحول
بفعل الزمن إلى تباعد و تنافر بين الشريكين، و بالتالي إلى منجم للكآبة و التشاؤم،
و تنحو بهن إلى تصوير الحلم بتحرير العلاقات الجسدية كحق مشروع للتخلص من أغلال
الحرمان حتى دونما اعتبار للأخلاق...
ج ـ انعدام القناعات الدينية:
خاصة تلك التي تدعو إلى اعتبار الحياة الزوجية مؤسسة عبادية تتمحور حول إثبات
القدرة على التعايش مع الشريك، و تنبني على الصبر و التحمل و تفهم ذلك الآخر و قبول
هناته و ضعفه، كما تعتمد على الاستمتاع بمحاسن ذلك الآخر و بخصاله الطيبة، إذ هي
تمظهرات الحياة كلها العبادة... و العبادة تمكن من الأجر، والأجر لا يكون إلا على
قدر تجاهل المشقة و تخطي الصعاب.
د ـ انعدام القيم و المبادئ الدينية الضابطة للاستقامة الأسرية:
أي تلك المانعة من الانحراف الخلقي للأزواج، تلك الصادة لهم عن الخروج من أجل
اصطياد المتعة الحرام التي تلهي و تمنع من الإحصان و الإعفاف المتبادل بين الزوجين.
فعدم الابتعاد عن المسكرات، و عدم تفادي الفضاءات المفتوحة المختلطة الماجنة، تساهم
في التفلت و الانحلال الأسري، ذلك الذي يمارس باسم التحرر و التمدن المعتقد ضرورة
تواجده ضمن مبادئ التقدمية و الفكر الحداثي "المتحضر"و الغير رجعي، و المتبع من طرف
أولائك المنخرطين في سلك "الثقافة" و "التمدن"و العصرنة".
هـ ـ اقتران نسبة من الأديبات النسوانيات بمن ينتمون لنفس الفئة من الأدباء أو ال"الفنانين"
و المبدعين:
الذين يرون في التحلل الأخلاقي و عدم اعتبار الأخلاق في التعبير الأدبي كما في
الحياة الشخصية أسس و أعمدة ضرورية مكونة الصورة النمطية للكاتب أو المبدع الموهوب،
ذلك الذي تُراد و تُتطلب منه ـ كما يعتقد هو و أمثاله في التوجه الفكري ـ بوهيمية و
خروج عن المألوف و عن العادي، و ثورة على كل الالتزامات الاجتماعية حتى يستكمل شروط
الانتماء إلى شريحة المتميزين.
هي صفات و سلوكيات معينة خاصة إذا تتبدى و تظهر من هذه الفئة من الأزواج... و تجد
فيها حتما كل زوجة بغض النظر عن كونها أديبة مثقفة ـ ما يكفي من العوامل من أجل
إعانتها على عدم استمراء العيش في بيت الزوجية، و ذلك لأنانية و فردانية تطبع هذا
النمط من الأزواج يصعب التواجد معهم في فضاء واحد، بله الحصول على التواصل الشعوري
و الإشباع العاطفي و من ثم الجسدي.
و ـ التشبع بمؤثرات عالم الخيال الجامح:
و كذلك قلة الجهد المبذول من طرف أولائك المبدعات من أجل المزاوجة المنطقية
العقلانية داخل دواليب الفكر لديهن بين اللاواقعية في عالم الأحلام الأدبي المفعم
بالحب والوله والغرام، وبين عالم الواقع المعاش الذي يتواتر فيه اليسر مع العثرات.
ز ـ التيه و التحليق في العوالم المتعالية الوهمية السردية والشعرية:
ذلك الذي يوحي بالازدراء لذلك الشريك المتشبث بالأرض، الغير المبحلق في فضاءات
الخيال، و ذلك بالنسبة للمقترنات بغير المنتمين لشريحة المثقفين من المبدعات.
2 ـ الرغبة في ممارسة حرية التصوير و التعبير في الإبداع الأدبي كما تريده المدرسة
الأدبية الحداثية.
و ذلك دون خلط بين الإبداع و الأخلاق، أي دونما قبول لأي نوع من الوصاية القيمية
على ما تريد المبدعة الأديبة تصويره و الحديث عنه و إيصاله إلى الناس...
فالحديث عن الجسد هو المحور الرئيس لذلك "المسكوت عنه"، ذلك الذي يشكل الهم الأساس
الذي ينبغي أن يدور حوله الإبداع الأدبي بالنسبة لهذه الفئة من "المبدعات"!!!
فالتعبير الحر عن كل ما يدور في الخلد هو المطلوب، و نقل كل ما يوجد في الواقع
دونما حدود و لا موانع و لا ضوابط هو المنهج و المنحى...ذلك الذي لا يقبل تصويبا
نابعا من دين، و لا تسديدا ممتوحا من قيم...
إذ يُرفع شعار الفن للفن و تُرفض وصاية الأخلاق، و يُشجب تحكيم الفضائل و المكارم،
و يُتحجج بالرغبة في نقل الواقع كما هو دونما رتوش و لا تطفيف و لا تبديل للعناصر
المكونة له...
إذ إنما هو التصوير الحرفي ذلك الإبداع فقط...دونما نقد و لا إبداء رأي و لا تدخل و
لا طرح حلول...
إذ تجد نفسها هي الأديبة الحداثية ـ انطلاقا من المفاهيم الموجهة لها و المتجدرة في
حناياها ـ لا ترغب في أن تقوم بدور الواعظة، و لا الداعية إلى نبذ الانحراف، و لا
المنادية بالأوبة إلى تفعيل ما يجب أن يكون!!!
فلا محاكمة للبطل المنحرف، و لا تجريم للسالك منحى الابتذال...و خاصة لا نقد
للمتاجرة بالجسد... و لا انتقاص ممن حرره من كل ممنوع ذلك الجسد، بل هو ذلك
المُنْتصَر له و لرغباته دون هوادة و دون توقف و في كل الظروف و الأحوال، و أيضا في
جميع الأماكن و الأزمنة...
إذ ترى المبدعة أن القيم تخنق الإبداع، و تحسر الجمالية، و تجعل من النص الإبداعي
شذرات مواعظ، و نتف خطب توجيهية ليست إلا!!!
إذ عليها أن تتحرر من كل ربق من أجل إحسان التصوير و إتقان التعبير...ثم هو الواقع
الذي يملي ما يجب أن يقال و أن يكتب...فما للأديبة إلا أن تنقل بأمانة من أجل تسليط
الضوء، و فضح المتواطأ على السكوت عنه و على تجاهل آثاره و تداعياته..و من ثم من
أجل رفع الحرج عن الحديث عنه و عن مكوناته و مظاهره، ومن بعد ذلك جعله يكتسي طابع
العادي و الطبيعي...و تخليصه من أحكام القيم و الأخلاق و الدين المناهضة له و
المدينة لتواجده...
و طبعا هو الجسد عماد الإبداع و محور مضامينه...الذي ترى هي المبدعة "المتنورة" أن
تحرير الإبداع حوله حتما يؤدي إلى تحريره... و بالتالي إلى تحريرها هي الموسومة
بالنقص من طرف الدين و التقاليد.
لكن هذا الطرح لا يمكن أن يصمد أمام "المنطق" التَّخَيُري الذي تتبناه الحداثة، و
الذي يُحَكَّم بعد ذلك فيما يتعلق بمواضيع أخرى خارجة عن نطاق الجسد، وعن حرية
التعبير عنه، و عن احتياجاته و رغباته، و في نفس الميدان...أي ذلك الأدبي...
إذ ما القول في نص متفاقم الجمالية لغة وأسلوبا، ويصور ثم و يبرر ضمنيا القيام
بتفجير للجسد ـ عملية إرهابية دنيئة ـ أ فتحتسب آنذاك عذوبة اللغة و شاعريتها و
جمالها وحدهن، أم أن النص سيحمل عبئ تمرير رسالة عنف مقيت مخرب ما...
فكما يجب شجب النص المحمل بالعنف، يجب فعل المماثل بالنسبة للنص المحمل بالانحراف
الخلقي، ذلك "العنف القيمي" المبيح للتفلت و لركوب موجات الانحلال و المجون بحجة
حرية استعمال المرأة لجسدها كيفما تريد و تشاء... فكلها أدواء و تعصف بصحة و
باستقرار المجتمعات.
و حتى إذا كان هنالك من حيف تقاليدي منع المرأة من حق جسدي شرعي لها، فليكن التصوير
هادفا و نظيفا، و غير موسوم بالسوقية و الانحطاط، و غير مسوق لصور جنسية مشينة لا
يبتغى من ورائها سوى إثارة الغرائز و إشعال نار الشهوات...
فالنص الأدبي يمكن أن يكون المتميز، و ذلك حتى و لو لم يتحرر من سلطة القيم و من
الأخلاق، إذ هو قادر على تصوير الواقع بحذافيره...لكن دون ابتذال، وكذلك دون عرض
لوقائع مغرضة يمكن استيعاب مرمى مجملها و ملخصها دونما تفاصيل مثقلة و مغرقة في وحل
السلوك، لا يمكن إلا أن تعمل على تطبيع السقوط و التردي و الانحراف.
إذ ـ كمثال ـ ما هو الأفضل بالنسبة نص أدبي يتحدث عن الاغتصاب، أهو تصوير اللقطة
كلها وبكل التفاصيل "المثيرة"؟
أم الاكتفاء بالتلميح لبقية ما هو معلوم كينونته في فعل الاغتصاب صيانة للمشاعر من
التقزز و الصدمة، و للغرائز من الاستثارة والاشتعال؟
و كمحاولة للتفكير حول قضية التحرر الكامل من كل قيد أثناء الفعل الإبداعي، و الذي
تتبناه هي الأديبة الحداثية و تراه الحق و الصواب، و من ثم تتوسله من أجل الإغراق
في الحديث حوله هو الجسد، أدعوها، هي و كل من يؤمن بضرورة عدم احتساب المضمون عند
تقييم جمالية النصوص الأدبية إلى التأمل حول الإبداع في موضوع يعتبر محرما و غير
أخلاقي عند من يؤمن نظريا ب"الحداثة":موضوع "المحرقة اليهودية"...
إذ أو يمكن لأي كاتب ـ حتى الغربي ـ أن يبدع نصا يفيض جمالية وشعرية، ثم وينفي
المحرقة، ثم ويصفق ذلك الغرب الحداثي لإبداعه دونما احتساب للمضمون؟؟؟؟
ثم أو يمكن له ذلك الأديب أن يشيد بالإسلام و يدافع عنه ثم و يُجَوِّد القالب حتى
النخاع، ثم و ينال الرضا و الإطناب و المديح منه ذلك الغرب؟؟؟
لا شك و أن الغرب الحداثي يُحَكِّم إيديولوجيته و الفكر السائد فيه من كل المضامين
الواردة في كل النصوص الأدبية، و ذلك قبل إبداء الرأي فيها هي الأنساق المستعملة في
الأجناس الأدبية الحاملة لتلك المضامين.
و ما أجاز من نصوص إبداعية للمسلمين، و كال لها المديح، بل و توجها بالجوائز، إلا
من بعد ما تضمنت قدحا في الإسلام و أهله، و تجريحا له و لهم، و إكبارا له ـ هو
القبلة الثقافية الفكرية ـ و لقيمه و مبادئه!!!و ذلك رغم تردي القالب و هزالة
الجمالية وانحسار الجودة.
هو المضمون إذا ذلك المعتبر حتى عندهم!!!
و هي الكذبة إذا عدم إقحام المضمون حين تقييم النص عند سدنة الحداثة الذين اقتبست
منهم تلك المبدعةََََ!!
و هو الهراء أيضا عدم السماح بتدخل القيم و الأخلاق عند مبتكري عجل الحداثة و
مؤلهيه!!
فالنص الأدبي المصور للقطات الجنس الرخيص و المعبر عن حاجيات الجسد الآبق المنحرف
لا يمكن أبدا أن يتسم بالجمالية مهما جملت عباراته و نُقِّح أسلوبه، و ذلك لقبح
المعاني الواردة فيه، تلك الداعية إلى نشر الفوضى و العبثية، و تلك المؤدية إلى
القضاء على الاستقرار الاجتماعي الرهين بتواجد القيم و المبادئ الربانية الممتوحة
من تعاليم الدين.
3 ـ ركوب صهوة التحدي و الاقتداء بالأديب المبدع الرجل:
هو الفكر الحداثي طبعا الذي دعاها هي الأديبة ـ كما سلف الذكر ـ إلى التحرر من كل
قيد أثناء الفعل الإبداعي...و هو الذي سوغ لها أن تطرق ما تريد و ترضى من مواضيع ـ
و بخاصة موضوعها المفضل المتمحور حول الجسد ـ وذلك دون الاهتمام بردود الفعل من
الجميع...
لكنها أيضا تلك الرغبة في اقتفاء أثر الرجل المبدع في هذا المجال الموجودة، بل
و الملحة المؤثرة...
فالقضية تكمن في أن المرأة ـ التي حرمت لعصور بفعل التقاليد المجحفة في حق الرجل و
المرأة على السواء ـ رامت الإقتداء بذلك الرجل الذي سبقها إلى ميدان الأدب و
الإبداع الأدبي، فسارت و تسير وراءه خطوة بخطوة، معتبرة أن التحدي و كسب الرهان
يكمن في أن تفعل هي أيضا كل ما كان و ما زال يفعله هو...
فإذا كان هو يعري المرأة في كتاباته ويعتبرها جسدا يتسلى بوصف تفاصيله ولا يجرأ أحد
على محاسبته...فلتفعل هي أيضا لأنها ليس أقل من قدرة منه على فعل ذلك!
بل لتفعل ثم ليس من حق أحد أيضا في أن يحاكمها، تماما كما كان عليه الأمر مع
الرجل...
و إذ كان هو ينزل فكريا و شخصيا إلى المواخير و الحانات من أجل تصوير أحوال أهل تلك
المواقع و الأماكن، و من أجل تبرير سلوكياتهم بحقهم في التمتع بالعيش، أو حتى من
أجل التدليل على حق النساء منهم في كسب لقمة العيش ببيع الجسد ـ الملكية الخاصة لهن
ـ لظروف اقتصادية معينة، فلتسِر هي أيضا نفس المسار...
و لِتُورِد الحجج على المساواة الكاملة غير المشروطة الضروري توفيرها للمرأة مع
الرجل في هذا المجال!!!
ثثم تنسى أنها بذلك تعترف بوجود سوق النخاسة...و تكرس بيع النساء لطالبي المتع
الرخيصة من الرجال المنحرفين الناشرين للمفاسد و لكل ضروب الاختلالات.
ثم هي تنسى أيضا ـ أو تتجاهل ـ أنها بذلك تكرس فكرة شييء المرأة واحتسابها من
المتاع ـ المسموح بحرية التعامل به و معه ـ بل و توافق عليه ذلك المنحى، و تعين حتى
على نشر الوعي به...
و المشكلة أنها لا تسلم بعد ذلك من محاكمة الرجل التقاليدي الفكر، الذي يستبيح
لنفسه ما لا يسمح به للمرأة، لأنه هو الذي سطر بنود القوانين التي تحاكمها، والتي
عبثا تحاول أن تتخلص منها...
إذ مما لا شك فيه أن ذلك الرجل الذي تصور هي عنفه تجاه المرأة، و كذا استخفافه
بحقها الجسدي، و حرمانه لها من حسن التمتع بحرية الكيان المادي الخاص بها، أي ذلك
الجسد، هو الذي سيحاكم إبداعها آخر الأمر... و سيُقيِّمه و يبدي رأيه فيه كمبدع ـ
إذ سبقها إلى الميدان و له فيه اليد الطولى و التأثير الغالب الكاسح ـ لكنه سيفعل
كرجل طبعا و ليس كمبدع و أديب...بل و كرجل ابن بيئته التي لا يمكن أن ينفك عنها، إذ
لا بد و أن الفكر التقاليدي قد بصم عقله و حناياه...
إإذ أنه مهما ابتعد عن الدين و التدين، و مهما اعتنق من إيديولوجيات "مُحرِّرَة"
كالاشتراكية و الحداثة و الأممية حتى...و هلم جرا... لا بد و يبقى الرجل العربي
الموسوم ب"المحافظة" التقاليدية، و التي تقتضي الحفاظ على الإناث من الأسرة و
العائلة من التفلت، وكذلك من سوء نوايا الغير ومن اعتداءاتهم و من تحرشاتهم...
و لذا فبالرغم من أنه قد يوجد من" المبدعين" الحداثيين التقدميين في واقعنا من يصفق
للإبداعات النسوية التي تتغنى بالجسد و بحرية استعماله، ويعلن تضامنه مع مُنتِجاتها
من الحداثيات، إلا أنه لا بد و يزدري في أغوار نفسه سلوك أولائك المبدعات اللواتي
حتما يعتبرهن منحرفات ماجنات، بل هو حتى في غالب الأحيان قد يحاول استغلال تلك
الأفكار التحررية"المؤمن بها من طرفهن حتى يأخذ حقه من أجسادهن "المحررة" المبذولة
المبتذلة المشاع.
إذ كثيرا ما يوجد من يكتب فسقا و يصور فجورا في أعماله الأدبية، ثم هو لا يمكن أن
يقبل أن تفعل زوجته المبدعة الفعل ذاته...و لا أن تكتب وفق المنحى إياه...
إذ أنه لا يضمن أنه لا يكون هنالك من سيتحدث بأنها قد عاشت تلك التجارب الجسدية، أو
أنها على الأقل أنها من تتحرق لكي تتمتع بها...أو أنه هو ـ و ذلك على الأقل ـ ذلك
الزوج غير المقنع و المشبع جسديا و لا المرضي عنه!!!
و هذا ما لا يرضاه المبدع العربي مهما تخلص من ربق الدين... و مهما «تعصرن"... و
إلى أي حد ما تضمخ ب"نور" الحداثة و تعطر ب"أريج" الحضارة و التقدم!!!
و الحل ـ لكي تُتَفادى هذه الانزلاقات ـ يكمن في أن تتبنى المرأة مسارا خاصا في
التعبير الأدبي يعبر عن خصوصياتها، و ذلك دون أن تمتح مما يفعله الرجل في هذا
الميدان، و دون أن تتوسل الوسائل التي اختارها...و لتترك المسار الإبداعي ينساب
بعفوية وبفطرية دونما تكلف و لا إقتداء، ولا حتى استعداء و لا شجار و لا تنافس، بل
بتكامل و تعاون و تفاهم و تلاقح أفكار...
فلتكن هي هي، ولتعبر عما يعنيها و يخصها ككيان له مقوماته و معاييره و مميزاته، و
عن ما تريد أن تعبر عنه بحرية مع اعتبار لحيثيات الواقع المعاش، دو نما تحد و لا
استفزاز، بل برغبة أكيدة في التواصل و إسماع الصوت، و مع استحضار هم تصحيح مسار
علاقات بينها و المجتمع ككل، ثم بينها و بين الشقيق في الأحكام، كانت وما زالت تلك
العلاقات يشوبها الغبش، و يلطخها سوء الفهم، و تحطم وشائجها التقاليد البعيدة عن
الدين...
4 ـ الرغبة في إرضاء الغرب لنيل الحظوة لديه
إنه مما لا شك فيه أن كينونة المبدعة المرأة في المجتمع العربي صمام أمان له،
و وسام فخار على صدره، إذ هي الأقدر على التعبير عن حاجيات نصف ذلك المجتمع، و
الأماكن من حسن تصوير واقع النساء اللواتي تشترك معهن في الهوية و الجنس و الآمال و
التطلعات، وحتى في كل حيثيات الماضي و الحاضر و المستقبل...
لكن المشكلة أن الإبداعات الأدبية منهن هن المبدعات الحداثيات، تلك التي كان من
الممكن أن تكون آليات تغيير وإمتاع في نفس الوقت، تنقي الشوائب و تغرس الأصيل، و
تلك الصادرة ممن يفترض أنهن يعشن الهم ويكتوين بلهبه، لا تعبر حقيقة عن واقع
المجتمع، و بالخصوص عن حاجة المرأة الرئيسية في أن تتمتع بإنسانيتها أولا و أخيرا
قبل كل شيء...إنسانية أصيلة تستحقها،و نابعة من كونها من جنس المكرم من طرف الباري
عز وجل الذي استخلفها كما الرجل، من أجل إعمار الأرض وفق منهج الحق و الصواب.
ثم و الإشكالية تتفاقم و تتناسل منها الأبعاد و التداعيات حين يشتهرن أو لائك
المبدعات، إذ يترقين و يرقين درجات السلم الاجتماعي بفضل "ثقافتهن"
و إصداراتهن، ثم و ينسين هموم القاعدة الأوسع من عموم النساء، ويصبح همهن الأكبر هو
إثارة انتباه السيد الغرب و تلامذته النجباء و استجداء جوائزهم، و ذلك عن طريق
الكتابة حول المرغوب في الحديث عنه من فضائح و شذوذ في الفكر والسلوك، كتابة تتوخى
التصوير و النشر في واضحة الضوء و كذا التطبيع، دونما محاولة لفهم الأسباب، و للبحث
عن الحلول.
و حينذاك، أي حين النأي عن الفضاءات الطبيعية ـ التي تتفاعل و تحيى فيها المرأة
بعفوية ـ يصطنعن الحديث عن عدم الزج بالأخلاق، و ينادين بعدم احتساب ما ورد في
المضمون من مفاهيم عند تقييم الإبداع كما سلف الذكر، و يتخذن هذه الحجج متاريس
يتوقين بها تبعات كل مساءلة حول تأثير ما يكتبن، و حول آثار ما ينشرن من مفاهيم على
التوجه القيمي و الأخلاقي في المجتمع بشكل عام، تلك المفاهيم الدخيلة المستوردة و
التي يجدن أنفسهن مطالبات بتسويقها في إطار السياق الثقافي والفكري المتبع من
طرفهن.
الهم الجسدي لدى المرأة...مقاربة تصورية إبداعية...
و بعد محاولة جرد و تتبع الأسباب الداعية إلى احتكار الحديث عن الجسد لجل إبداعات
الحداثيات، أعتقد أنه من المطلوب العمل على صياغة مقاربة ممكنة معقولة ممتوحة من
القيم الربانية، و تؤدي إلى درء الغموض و إلى تسليط الضوء على هذه القضية المهمة
المحور، قضية علاقة المرأة بالجسد في واقعنا التقاليدي البعيد عن الدين...
إذ الحديث عن الجسد ليس من قبيل المحرم و لا الغير مرغوب فيه كلية...فالحق الجسدي
للمرأة كفله الشرع، و أيد ذلك العلم المدعو إلى اعتماد نتائجه من طرف الدين، و ليس
من المطلوب إلغاؤه و تجاوزه بالكلية من طرف المرأة في إبداعاتها الأدبية، إنما
المستهجن هو تكرار طرح هذا الموضوع في الكتابات النسوية، حتى أن القارئ أو المتلقي
ليظن أن ما لها ـ هي الأنثى ـ انشغال إلا بتضاريس الجسد تستفتيها حول كيفية سد
جوعتها...
ثم و حتى لو أن المبدعة لا تعاني فعلا من الحرمان الجسدي ذلك الموضوع المستهلك،
وتصوره فقط من أجل تسليط الضوء عليه ونقده، ولكي تساهم في فضح مكنوناته أمام
المجتمع من أجل علاجه، فإن في هذا الأمر هدر لطاقاتها الأدبية والفكرية، لأن للمرأة
هموما أخرى أهم و أفدح تأثيرا عليها وعلى محيطها من قضية الحرمان من حق الجسد.
فأنواع متناسلة متعددة من القهر تمارس على المرأة، جور وحيف و طغيان و ينزرع الكل
شوكا في دهاليز حياة النساء ليردوها أسفل سافلين... متاهة حالكة منتنة و تنتعش فيها
الحيرة و الضياع...و يساق النساء إلي فضاءاتها عنفا كل آن و حين.
ثم إن الهم الجسدي لدى المرأة ليس هما قائما بذاته منبثقا من نفسه، إنما هو عبارة
عن تداعيات كثيرة أشياء أخرى...
فعن طريق الغوص في حميميات النساء، و بواسطة تقصى أغوار أسرارهن الزوجية، يبدو
واضحا أن الحواجز بين المرأة و بين التواصل الحميمي المشبع مع الزوج منبعه الإحساس
بالظلم الممارس من طرفه تجاهها، سواء أكان ذلك الظلم متعمدا، أو حتى دون نية
الإساءة لسيطرة و انحشار التقاليد.
فعدم الإشباع الحاصل لديها ليس مرجعه إلى عدم حضور جسد يقاربها، وإنما لغلالة من
الأحاسيس و المشاعر تمنعها من استمراء ذلك القرب.
فبعض حقد دفين يتغلغل تدريجا مع تواتر السلوكيات المهينة لها، حتى تصبح المقاربة
عبئا ترزح تحت ثقله و تمقت حدوثه و كينونته، ثم و هي لا تستطيع البوح بالإحساس
بالظلم لتواطؤ الكل على تقبله و على التعايش معه، لكن و مع مرور الزمن لا بد و أن
يبدو منها ما ينبئ عن استثقالها لتلك العلاقات الحميمية، فتنشأ لدى الزوج أحاسيس
تجاهها يطبعها التجاهل و يداخلها الاستعلاء، ثم من بعد ذلك:
ـ فإما يستمر في استغلال الجسد لأنه "مِلكُه"، ولو أنه يعلم بعدم رضا صاحبته،
تأكيدا لقوامة يراها له، و يعتقد أنها تكفل له حق التصرف فيها كلها حتى و لو كانت
كارهة له.
ـ و إما يستعيض عن ذلك الجسد الغير مستمرئ للعلاقة، الغير متجاوب، بآخر منقاد يلبي
رغباته، سواء في "الحلال" عن طريق التعدد، أو في الحرام بارتياد المواخير و ذلك حسب
التوجه، و على قدر كَمِّ المبادئ و القيم.
و لذا فإن حل المشكلة ليس بتسليط الضوء على النتيجة وإنما على الأسباب.
إذ النتيجة ما هي إلا حصيلة تراكمات ما، هي الفاعلة الحقيقية في عملية إنتاج مشكل
ما.
لكن...أو تروم الحداثيات المكرسات أدبهن للحديث عن الأجساد البحث عن حلول أو حتى
التعريف بإشكاليات ما بخصوص هذا الموضوع و حوله؟؟؟
إذ لعله من العبثية بمكان أن يقال بأن الأدب ما هو إلا النقل و التصوير بهدف
الإمتاع بالقالب الجميل المنمق لا غير...
ثم...لا بد و أن هذا الطرح ـ على الأقل تطبيقيا ـ متجاوز و مرفوض من طرف المبدعات
النسوانيات الحداثيات، إذ هن بالرغم من أنهن يحاولن الإقناع نظريا باعتناقهن
للمقولة الحداثية "الفن للفن" دون استهداف الفعالية و التغيير، إلا أنهن يُصَرِّحْن
أيضا ـ و على الكثير من المنابر ـ أنهن يَرُمْنَ من وراء إنتاجاتهن الأدبية إلى
إسماع صوت النساء، و إلى إظهار واقعهن المطموس و المخنوق بالمسكوت عنه عن طريق
تعريته بالكتابة عنه، هو و كل ما يحيط به...
و انطلاقا إذا من إرادة التغيير هاته الكامنة و المضمنة في خطابات هؤلاء المبدعات،
فإن تكرار تصوير الهم الجسدي للمرأة بمعزل عن الحديث عن الأسباب المؤدية إلى حصول
ذلك الجوع، لا يغير من الأمر شيئا، بل يكرس و يُسوِّق فقط صورة المرأة "الكائن
المهووس بالجنس "، تلك التي تنضح شبقا، و تتضوع خيانة، و تنثر الفتنة و المجون،
صورة قدمتها ألف ليلة وليلة وكرستها التقاليد المجحفة البعيدة عن الدين.
لكن ربما تفضل "المرأة المثقفة" الأديبة الحداثية النسوانية عدم التغيير ـ عن طريق
استقراء الأسباب و البحث عن حلول لها ـ أصلا، و لربما تستمرئ القيام بدور الضحية
حتى تستبيح القيام بما تريد و تستحب...
مازوشية و تريد أن تظهر بها سادية الرجل...و ذلك من أجل استدامة البكاء على حاجيات
جسدها. ...و أجساد بنات جنسها تلك "المتردية الصريعة بفعل الإهمال"!
مع أنه بإمكانها المطالبة بحقها الجسدي مباشرة انطلاقا من أنها أصبحت الآن
"المثقفة"، و تدرك أن الدين كما العلم يسلمان لها بحق المطالبة... طبعا بوسائل أنظف
و أرقى و أسمى... وليس بالابتذال و بالعنف و بالشقاق...
إذ بالإمكان حتى ـ في نهاية المطاف ـ أن تطالب بطلاتها في كتاباته الأدبية
بالانسحاب من تلك المؤسسة الزوجية التي تعتبرها هي ذلك السجن...و التي لا تكفل لهن
الحصول على ما يساهم في إرساء التوازن النفسي و الشعوري لديهن من حقوق، حتى تلك
الجسدية منها...
فالمبدعة المثقفة تمثل النخبة الأنثوية المعول عليها في حسن تمثيل المرأة في جميع
المجالات، و من ثم عليها أن تستشعر ثقل العبء الملقى على عاتقها، وأن لا تتملص منه
ذلك العبء اختيارا منها لأن "تحقق" ذاتها، و ذلك عن طريق ركوب النشاز المثير للجدل
و للنقاش، رغبة في الثورة على قمع طالها مطولا ومنعها من التعبير عن الذات...
فالتحدي و"تحقيق الذات" عن طريق سلوك هذا المسلك يجب أن ينشغل حوله فكر المبدعة
طويلا قبل أن تمارسه، و عليها أن تستقرئ في ذهنها المثقف تداعيات ما ستقوم به
عليها، و على من يرين فيها الأنموذج القائد إلى التغيير و الانعتاق.
فحين تكرس الفكر الذكوري القائل بمحدودية فكر الأنثى وطغيان الجسد على انشغالاتها،
فهي و لابد ستجهض حلم المرأة ككل في أن تغير من صورة لها متوارثة، ونحتت أبعادها
أيدي ظالمة متسلطة استغلت قوة الجسد منها في إحقاق الغلبة.
فعلى المرأة المبدعة إذا أن تعلم أن تحقيق الذات والتحدي الحقيقي ليس هو تحدي من
يرى في كتابات الجسد شينا وعيبا بالإصرار على الكتابة في ذات الموضوع، ولكن التحدي
هو إخراج المرأة من سجن رد الفعل إلى القيام بالفعل المختار المطلوب فعله، أي
بالقيام برسم صورة المرأة المتوازنة التي تعنى بتحقيق الإشباع لنفسها في كل باب و
مجال، الفكري والثقافي و الاجتماعي وحتى السياسي، ولم لا طبعا الجسدي لكن بصورة
توحي بأنها فاعلة إيجابية مؤثرة، لا ضحية مستلبة مفعول بها مخاتلة مخادعة منتهزة
لفرص الخيانة و التدليس...
و سأورد هنا نصوصا حديثية شريفة قد تُمكِّن قراءتها والاستفادة منها من إعطاء فكرة
حول كيفية إعادة تشكيل عقل المرأة، و ذلك حتى تتخلص من الموروث المكرس لاستبقاء
صورتها في إطار معين، سطرت مقاييسه منذ زمن ولى ومضى، و ما زال هو الكائن
والمستدام:
1 ـ " حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا سفيان عن الزهري عن
عروة عن عائشة رضي الله عنها، جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فقالت:
كنت عند رفاعة فطلقني فأبت طلاقي، فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير،
إنما معه مثل هدبة الثوب، فقال: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا
حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك .
وأبو بكر جالس عنده ، وخالد بن سعيد بن العاص بالباب ينتظر أن يؤذن له،
فقال: يا أبا بكر ألا تسمع إلى هذه ما تجهر به عند النبي صلى الله عليه
وسلم؟".
الحديث رقم 2445 ـ باب الشهادات ـ صحيح البخاري.
أبت طلاقي : طلقني البتة أي ثلاثا.
2 ـ "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد واللفظ لعمرو قالا
حدثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت :جاءت امرأة
رفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت:كنت عند رفاعة فطلقني
فبت طلاقي، فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير، وإن ما معه مثل هدبة
الثوب، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتريدين أن ترجعي إلى
رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك.
قالت: وأبو بكر عنده وخالد بالباب ينتظر أن يؤذن له فنادى: يا أبا
بكر ألا تسمع هذه ما تجهر به عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟".
الحديث رقم 2587 ـ باب النكاح ـ صحيح مسلم.
هذا الحديث بروايتيه في الصحيحين يثبت كيف أن امرأة ما في ذاك الزمن علمت أن عند
الرجل الذي تزوجته ـ بعد مفارقة زوجها الأول ـ عجز جنسي، فذهبت إلى النبي صلى الله
عليه وسلم، و أخبرته بالذي عرفته، و كَنَّتْ عن حالة عجزه بتشبيه ما عنده بهدبة
الثوب، أي بالخيوط الجانبية المتعلقة بالثوب في انسدالها وارتخائها... فكان أن
اخبرها أن عليها أن تنتظر حتى يثبت ذلك عند اللقاء الحميمي، حتى لا تكون قد تسرعت و
جانبت الصواب في حكمها عليه، لأنها طلقت ثلاثا، والشرع يعاقب ذلك المُطلِّق ثلاثا
بأن يحرمه من استعادة الحياة المشتركة مع تلك التي طلقها إلا بعد أن تتزوج زوجا
آخر، ثم و تمارس معه العلاقة الجسدية الفعلية حتى ينال جزاءه المستهتر بقدسية
العلاقة الزوجية، و يمنع من التلاعب والاستخفاف عن طريق تكرار إحداث أبغض الحلال
إلى الله.
فلم يعب عليها الرسول صلى الله عليه وسلم أنها اهتمت بمسألة الإشباع الجسدي، فذلك
حق مكفول يضمنه كون المرء إنسانا، سواء أ كان ذكرا أم أنثى، إذ ابتسم ـ في نص صحيح
مسلم ـ واكتفى بالتوجيه لفعل ما يضمن حق الطرف الآخر أيضا.
لكن كان هنالك من تدخل الصحابي خالد بن سعيد بن العاص، وذلك انطلاقا من نظرة جاهلية
للمرأة، كانت ما تزال قائمة بالنفس لكونها ما تزال حديثة عهد بتلك الفترة، فعاب على
المرأة المجاهرة بالمطالبة، لكن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يكترث له، و لم
يجعل لرأيه صدى في توجيهه و تصويبه، إذ كان دوره عليه الصلاة و السلام وضع الناس
على الجادة الربانية لا الاستجابة للأهواء البشرية.
هكذا إذا يمكن أن تستفيد المبدعة المسلمة المتزنة من إعادة قراءة النص الديني، ذلك
الذي يحاول الذكوريون أن يسخروه لجانبهم من أجل غمط المرأة حقوقها عن طريق قراءاتهم
الذاتية الموسومة بالفكر التقاليدي، وذلك من أجل استحضار الإيجابية لدى المرأة، ومن
أجل خلق الفاعلية البناءة فيها، تلك المؤدية إلى إثبات الذات و تحقيقها في هذا
المجال، وذلك عوض:
* ـ دفعها إلى لعب دور الضحية.
* ـ و تشجيعها على القيام بالتحايل و باستحلال الوسائل المشبوهة المدينة والمركسة
لها من أجل تحقيق الإشباع.
* ـ و بالخصوص تحريضها على نبذ الدين، و دعوتها إلى التخلي عن القيم الدينية التي
تصورها لها على أنها المهينة للمرأة، و المعتبرة لها من قبيل الأعوج الناقص المسخر
لاستمتاع صاحب القوامة و السيادة، المالك لحق استبدال جسد بآخر في إطار التعدد من
أجل الحفاظ على غنى و جمالية الحريم.
فيمكن للمبدعة مثلا أن تصور امرأة تعاني من إهمال الزوج، فتطالبه بالقيام بالواجب
أو بإطلاق السراح، وذلك حتى تستطيع أن تحقق لنفسها استقرارا نفسيا وجسديا مع من
تختاره مرة أخرى...عوض تصوير حالة خيانة زوجية على أنها سبيل أمثل مشروع للاقتصاص
من زوج مستهتر أو عنيف أو حتى عاجز!!!
و قد تحاكم في هذه الحالة من طرف ذكوريين:
ـ لأنها جعلت المرأة تفضل الحاجة الجسدية على مصلحة أطفال و أسرة.
ـ ولأنها سمحت لها بأن تتساوى مع الرجل الذي يفعل الفعل ذاته مع امرأة لا تشبعه.
لكن و بالرغم من المحاكمة التي قد تتعرض لها ستتجاهل ردة فعلهم، لأنها لابد وأنها
ستخدم نفسها و النساء ككل، لأنها ستقنعهم أنها تفعل ذلك لأنها تفضل الصراحة على أن
يطعن الرجل من الخلف و أن يخان، لأن المرأة إنسان مكرم...
ثم هي ذات مبادئ، و لم تعد ترغب في أن توسم بالكيد وبالمخاتلة، ولم تعد تستحسن
الانصياع للفكر الموروث والتقاليد، وحتى للدين المحرف الذي طالتها أغلاله المكبلة
منذ زمن بعيد.
كل هذه الخطوات لا بد و ستكون السُلّم الذي سيرتقي به الإبداع النسائي، إذ سيتخلص
من كونه مجرد تعابير باهتة سوقية عن حالة القهر كانت...أو حتى ما زالت قائمة...
تعابير تُركِس في وحل الابتذال...و تَحُط من قدر المبدعات...
إذ هي تلك النتاجات الأدبية الحداثية المهووسة بالجسد لا تعين إلا على تكريس مفهوم
نقصان المرأة و قصور فكرها الذي لا يستطيع و لا يستسيغ إلا الحديث عن "الشهوات"...
و إلا الارتماء في أحضان الانفلاتات...و إلا انتحاء منحى التفاهات...