هل ستصمد إيران أمام دول الغرب والشرق 1

هل ستصمد إيران أمام دول الغرب والشرق

في بناء قنبلتها النووية

كما فعلت إسرائيل

حسين علي محمد حسنين

كاتب وباحث/ عضو إتحاد كتاب مصر

[email protected]

الجزء الأول

المقدمة

محمد رضا بهلوى

الخميني

يرجع اهتمام إيران بتكنولوجيا التصنيع النووي إلى عهد شاه إيران محمد رضا بهلوى الذى كان تربطه علاقات جيدة مع الغرب خاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي دعمته في بناء برنامجه النووي ، بالإضافة الى بعض الدول الأوربية على رأسها ألمانيا الغربية فى ذلك الوقت . لكن لم يستمر الأمر طويلا بوجود الشاه حيث حلت الثورة الإسلامية فى فبراير 1979 بقيادة آية الله خميني الذى أعلن حربه المباشرة ضد كل ما هو غربي وتحديدا الولايات المتحدة الامريكية ، وفوق ذلك أخذ الخميني على عاتقه تبنى مشروع نشر الثورة الإسلامية فى شتى أرجاء العالم الإسلامي بدءا من بمنطقة الخليج ، مع المضي قدما فى بناء سلاحه النووي ساعيا بذلك فى القضاء على النفوذ الأمريكي بمنطقة الخليج الفارسي وليس العربى كما يرددون فى معتقداتهم الاستراتيجية.

 مما تقدم يتبين لنا أن الإدارة الأمريكية تسعى الى تجميد الثورة الإسلامية وكبح زمام تمددها الى دول الخليج الضعيفة ، حيث ترى واشنطن أن هذه الثورة  الشيعية هي المسئول الرئيس عن زعزعة الاستقرار الأمني  بمنطقة الشرق الأوسط ، خاصة وأن واشنطن لازالت  تتذكر أزمة رهائن السفارة الأمريكية فى إيران التي استمرت 444 يوما، ثم تدمير مقر المارينز ومقتل 280 جندي أمريكي فى بيروت عام 1982 ، إضافة الى دعم إيران المتواصل لحزب الله اللبناني، ثم حركتا حماس والجهاد فى فلسطين ، والتدخل فى الشأن العراقي ،إضافة الى تبنى إيران مسئولية الدفاع عن النظام السوري العلوي الشيعي فى سوريا . فى الوقت ذاته تسعى إيران الى أن تكون قوة نووية كبرى بالمنطقة لتتملك زمام الأمور بها ، وتعلل ذلك بأنها محاطة بدول نووية عديدة منها باكستان وكازخستان وروسيا ،إضافة الى القواعد الأمريكية فى تركيا التي تضم أسلحة نووية علاوة على الأسطول الخامس الأمريكي فى الخليج وما به من أسلحة نووية متعددة الأنواع والأغراض ، وفوق كل ذلك وجود إسرائيل التي تمتلك وسائط تمكنها بسهولة من الوصول الى عمق الأراضي الإيرانية مثل صواريخ أريحا وطائرات اف-16 وغيرها. وتشدد طهران على أن إسرائيل هي القوة النووية الوحيدة  بمنطقة الشرق الأوسط حيث تمتلك ما بين 150 الى 200 رأس نووي ولم توقع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية حتى الآن . وتشير التقارير الى أن واشنطن لن يتوقف قلقها إلا بعد إزالة البرنامج النووي الإيراني وشبكة الصواريخ الباليستية الإيرانية  وهو ما قد يؤدى الى الكثير من العقبات والصدام المباشر وغير المباشر.

===================

مـرحـلـة الـــشاه حـتـى الـثـورة الإسـلامـيـة

في فبراير عـام  1979

(1)

لمحة حول مخاطر السلاح النووي

حتى تكون الصورة أكثر وضوحا علينا أن نتذكر القنبلة التي ألقتها الولايات المتحدة الأمريكية فوق مدينة هيروشيما اليابانية فى الساعة الثامنة والربع صباح السادس من أغسطس عام 1945 بواسطة طائرة الدفاع الجوى الأمريكي(B29) . وبمجرد ارتطام القنبلة بأرض هيروشيما ارتفعت درجة حرارة سطح الأرض الى أربعة آلاف درجة مئوية فى دائرة نصف قطرها ثلاثة ونصف كيلو متر ووصلت سرعة الرياح الى 440 مترا فى الثانية الواحدة ، وقد قتل نحو مائة (100) ألف نسمة فى نفس لحظة الانفجار ، ووصل ذلك العدد الى 140 ألف قبل بنهاية عام 1945 ، ثم ارتفع ليصل الى 450 ألف قتيل بعد عدة سنوات نتيجة الإصابة بالإشعاعات وأمراض السرطان . لذلك يرجع رعب الدول الخليجية من البرنامج  النووي الإيراني الى احتمال السباق النووي بالمنطقة خاصة وان تركيا ومصر لن تقفا مكتوفة الأيدي فى حال وصول طهران الى بناء القنبلة النووية الشيعية. إضافة الى السلاح النووي الإسرائيلي من جهة ، ثم وجود باكستان وكازخستان وروسيا ، ثم القواعد الأمريكية بتركيا ، علاوة على وجود الأسطول الخامس الأمريكي بمياه الخليج القريبة من المياه الإقليمية الإيرانية.

العلاقات الأمريكية الإيرانية

ترجع العلاقات الأمريكية الإيرانية الى بدايات القرن التاسع عشر وتحديدا عندما افتتحت واشنطن سفارتها فى طهران عام 1882 . لكن علينا أن نضع فى اعتبارنا أن إيران  قسمت فى عام 1907 الى منطقتي نفوذ هما القسم الشمالى الغربي وكان تحت النفوذ الروسي والقسم الجنوبي الشرقي تحت النفوذ البريطاني . وفى عام 1946 قامت الإدارة الامريكية بالضغط على الروس حتى تم الانسحاب من الجزء الشمالى الغربي ( كانت هذه أول وآخر مرة يعيد فيها الزعيم الروسي ستالين أرضا محتلة فى الحرب العالمية الثانية) ويذكر أن ذلك كان أثناء فترة حكم الشاه محمد رضا بهلوى الذى خلف والده فى عام 1944.    وفى عام 1951 قام البرلمان الإيراني بزعامة أحد نوابه البارزين محمد مصدق بالتصديق على تأميم البترول الإيراني من السيطرة البريطانية، إضافة الى التخلص من النفوذ الإنجليزى فى القسم الجنوبي الشرقي وهو ما دفع بريطانيا خوفا على امتيازاتها البترولية الى تجميد الأصول الإيرانية فى البنوك البريطانية ورفعت لندن قضية التأميم الى محكمة العدل الدولية التي حكمت لصالح إيران .

وفى عام 1953ومع تزايد نفوذ محمد مصدق وافق شاه إيران (رغما عنه) على تعيين مصدق  رئيسا للحكومة إلا أن الأخير استغل ظروف المد الثوري داخل إيران وخارجها عن طريق ثورة 1952 المصرية إضافة الى الضغوط البريطانية بفرض حظر تجارى على إيران والتي نفذته بريطانيا بقوتها البحرية مما أدى الى انهيار الاقتصاد الإيراني وحدوث غليان شعبي ضد الغرب ، كل ذلك ساعد مصدق على التخلص من الشاه حيث قرر الأخير ترك البلاد . وخوفا من الهيمنة الشيوعية تكتلت الاستخبارات البريطانية والأمريكية للقيام بانقلاب ضد حكومة مصدق التى سقطت على الفور وعاد الشاه محمد رضا بهلوى ليمسك بزمام الأمور بعد عدة أيام من الانقلاب .( وحكم على مصدق بالسجن ثلاث سنوات بتهمة الخيانة ، لكن ثمرة كفاح مصدق في تأميم شركات النفط وخضوعها لسيطرة الحكومة الإيرانية ظلت مستمرة ومن ثم تخلصت إيران من النفوذ البريطاني فى القسم الجنوبي الشرقي ).    وفى عام 1962 وافق محمد رضا بهلوى على المشروع الأمريكي الخاص بالإصلاح السياسي الديمقراطي والاقتصادي داخل ايران والذي وضعه الشاه موضع التنفيذ (بالتعاون مع خبراء أمريكيين) بعد أن أطلق عليه اسم ( الثورة الإيرانية البيضاء) . وقد تضمن ذلك المشروع إعادة توزيع الأراضي على المواطنين الإيرانيين الفقراء والمحتاجين (الفكرة مأخوذة عن مشروع الإصلاح الزراعي الذى فرضته ثورة 1952 المصرية الخاص بالقضاء على الإقطاع ) إضافة الى  بناء مؤسسات الإصلاح السياسي خاصة تعديل قانون الانتخاب إضافة الى تحرير المرأة وغيرها من الإصلاحات الثقافية والاجتماعية.

كانت واشنطن تسعى من وراء مشروعها الإصلاحي الى جعل إيران قبلة الشرق كأول نظام ديمقراطي إسلامي فى العصر الحديث ووثيق الصلة بالولايات المتحدة على أن ينضم إليها بعد ذلك دول الجنوب السوفييتي الإسلامية إضافة الى باكستان وأفغانستان وفوق كل ذلك دول الخليج .

(2)

بداية البرنامج النووي الإيراني

بدأت أنشطة إيران النووية فور قيام الشاه بتبني الثورة البيضاء فى عام 1962 وذلك بإيفاد بعض الطلاب الإيرانيين المتميزين بمنح علمية الى الولايات المتحدة الأمريكية للدراسة والتخصص فى تكنولوجيا التصنيع النووي والأبحاث العلمية المتعلقة بإنتاج النظائر المشعة وإجراء البحوث العلمية .  فى نفس الوقت طالب الشاه من العلماء الإيرانيين المتخصصين فى الفيزياء النووية وضع تصور شامل لبرنامج نووي إيراني طموح بحيث يضع إيران فى مصاف الدول المجاورة لها خاصة الصين والهند ودول الجنوب السوفيتي التى يوجد ببعضها مفاعلات نووية تابعة للاتحاد السوفييتي فى ذلك الوقت.

فى نهاية عام 1963 وضع الخبراء الإيرانيون مشروعا مفصلا لبرنامج نووي أمام  الشاه محمد رضا بهلوى تمثل فى بناء عدد من المعجلات النووية من النوع الحراري ، إضافة الى المفاعلات الحرارية التى تستخدم الماء العادي فى التبريد واستخدام الجرافيت كعاكس مع استمرار التوسع أفقيا فى مجال البحث والتدريب والتعليم على تكنولوجيا الإنشطار النووي. وقد عرض الشاه خطته تلك على كبار المسئولين بالولايات المتحدة الأمريكية من اجل دراستها وتنفيذها ، وإستمر ذلك العرض نحو عام كان الشاه خلاله يطالب بسرعة الموافقة علي ذلك المشروع .     وفى عام 1964 وافق الرئيس الأمريكي ليندون جونسون على المشروع الإيراني بعد دراسة مستفيضة من قبل الخبراء الأمريكيين المتخصصين . وبالفعل وضعت واشنطن مشروع برنامج نووي واعد خاص بالطاقة البديلة فى ايران .

لماذا الاهتمام الأمريكي بإيران ؟ .     ويرجع سبب اهتمام الإدارة الأمريكية  بإيران فى ذلك الوقت الى مراحل الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو ، فقد كانت ايران بمثابة الشريك الرئيس للولايات المتحدة الأمريكية على الحدود الجنوبية للاتحاد السوفيتي السابق حيث توجد تلك الجمهوريات الإسلامية مثل : كازاخستان ، أذربيجان ، وأوزبكسان وغيرها من الدول التى كانت تابعة للاتحاد السوفيتي إضافة الى حدود ايران مع أفغانستان ودول الخليج المصدرة للنفط ، وفوق ذلك منطقة بحر قزوين ذات الثروة النفطية الهائلة .

(3)

رد الفعل الإسرائيلي

على الإهتمام الأمريكى بإيران

اعترضت إسرائيل بشدة على موافقة واشنطن لتنفيذ البرنامج النووي الإيراني على الرغم من صغره وتواضعه الشديد . وعلى الفور طار ليفي أشكول رئيس وزراء إسرائيل فى ذلك الوقت الى واشنطن لمقابلة الرئيس الأمريكي ليندون جونسون وحثه على عدم المضي قدما فى تنفيذ البرنامج النووي الإيراني وقدم له تقريرا مفصلا حول أسباب الرفض ، ومن الفقرات التى تضمنها التقرير : أن ذلك البرنامج فى حال المضي قدما فيه سوف يدفع الرئيس المصرى عبد الناصر الى خوض تلك التجربة مهما كلفته من عقبات ، إضافة الى أن ذلك البرنامج الإيراني سيكون بمثابة تهديد إسلامي للمصالح الغربية للمنطقة فى المستقبل القريب خاصة وان النظام الإيراني مضطرب ولم يبدأ بعد خطواته الإصلاحية التى وعد بها واشنطن والتي ستواجه العديد من العقبات وقد يؤدى ذلك الى حدوث انقلابات داخله كما يحدث بكل من سوريا والعراق وهى مناطق متشابهة دينيا (يقصد بذلك المد الشيعي ).  وبناء على ما تقدم جاء الرفض الأمريكي لمطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بمثابة صدمة  للإسرائيليين ، خاصة وأن عبد الناصر على الجانب الآخر لازال قويا وان مصر فى ذلك الوقت كانت مصممة على بناء برنامجها النووي  . وهنا تسائل اليهود سواء داخل الولايات المتحدة أو فى إسرائيل :  كيف يكون عليه الوضع فى حال ظهور ايران الإسلامية النووية على الجناح الشرقي للمنطقة فى الوقت الذى يزداد فيه نفوذ عبد الناصر داخل العالم العربى؟.

دعم أمريكي لإيران:

على الرغم من أن الإدارة الأمريكية كانت مقتنعة بتقرير ليفي أشكول إلا أن الرئيس الأمريكي رفض ذلك وأكد له أن النظام الإيراني وافق على إجراء إصلاحات واسعة النطاق فى المجالين السياسي والاقتصادي. وشدد الرئيس الأمريكي على أن ايران بلد هام للغاية بالنسبة لواشنطن ، وقال: نحن نسعى كى يكون الشاه صديقا قويا للغرب خاصة وان واشنطن عملت على توسيع دائرة الخلاف بين شاه ايران والرئيس المصرى جمال عبد الناصر حيث كان ينظر الأخير الى الشاه على انه شرطي الخليج الذى يعمل لصالح واشنطن والذي استبدل اسم الخليج العربي بالخليج الفارسي وأصبح معاديا للتوجهات العربية ذات البعد القومي وفى نفس الوقت على علاقة جيدة بإسرائيل (على الرغم من رفض إسرائيل لبرنامجه النووي الطموح ) . وقبل نهاية عام 1965 بدأ الخبراء الأمريكيون فى  بناء مفاعل أنير أباد المخصص للأبحاث العلمية وهو من نوع المفاعلات الحرارية الصغيرة.

(4)

حصول إسرائيل على 200 كيلو جرام من

اليورانيوم عالي التخصيب

وحدوث تسرب إشعاعي من مفاعل ديمونة

فى نوفمبر 1965 اكتشفت السلطات الامريكية اختفاء 200 كيلو جرام من اليورانيوم عالي التخصيب من شركة المواد والمعدات النووية نيوميك( NUMEC ) وهى شركة خاصة ومقرها بنسلفانيا ويرأسها رجل يهودى يدعى زلمان شابيرو ( وقد حامت الشبهات حول إسرائيل). ورغم أن المخابرات الامريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي وعملاء لجنة الطاقة تولوا التحقيق مع شابيرو إلا أن مصير الـ(200 كيلو جرام) من اليورانيوم عالي التخصيب مازال مجهولا حتى الآن .( تم تسريب بعض التقارير أشارت الى انه من المعتقد أن إسرائيل حصلت على تلك الشحنة المفقودة من خلال عميل الموساد رافى إيتان ) .  بالإضافة الى ما سبق وتعليقا على دعم الإدارة الامريكية للبرنامج النووي الإيراني قررت إسرائيل سرعة تنفيذ مشروعها الخاص بالفصل الكيميائي بمفاعل ديمونة ، وكانت تل أبيب تهدف إلى أنه مع نهاية عام 1966 وبدايات عام 1967 سيقوم الجيش الإسرائيلي بتجميع مكونات القنبلة النووية، ثم إجراء أول تفجير نووي لها بحلول عام 1968  طبقا للمخطط الإسرائيلي . لكن نتيجة للتسرع الإسرائيلي فى بناء القنبلة وقع حادث التسرب الإشعاعي فى نوفمبر عام 1966 والذي أدى  الى موت عدد من الفنيين العاملين بالمفاعل ، وأحدث ذلك ارتباكا شديدا داخل إسرائيل وكذلك واشنطن ، لكن ظل هذا الحادث طي الكتمان عن العالم الخارجي عامة والاتحاد السوفيتي خاصة ( أشارت بعض التقارير فى ذلك الوقت إلى أن الفنيين الإسرائيليين كانوا يقومون بتغيير وقود مفاعل ديمونة مرة كل 6 شهور ، وفى نفس الوقت يقومون بمعالجة البلوتونيوم الناتج عن المفاعل وتحويله الى مستوى تصنيع القنبلة بعيدا عن أعين المفتشين الأمريكيين).

التشدد الأمريكي:

عندما علم البيت الأبيض من واقع تقرير المخابرات الأمريكية بنبأ ذلك الحادث الخطير تم إستدعاء رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي أشكول الى واشنطن على الفور، وخلال جلسة مباحثات استغرقت عدة ساعات حضرها خبراء المفاعلات النووية من الجانبين  طالب الرئيس الأمريكي ليندون جونسون من أشكول بوضع مفاعل ديمونة تحت الإشراف الأمريكي الكامل ، ونتيجة للضغط الأمريكي استجاب ليفي أشكول للمطالب الأمريكية . لكن بعد عودة أشكول الى تل أبيب تم عقد اجتماع وزاري مصغر لبحث الموقف برمته مع حضور بعض ممثلي جماعات الضغط اليهودية بالولايات المتحدة التى كانت فى موقف حرج للغاية أمام الإدارة الأمريكية نتيجة ذلك التسرب الإشعاعي لمفاعل ديمونة وذلك أملا فى رفع ذلك الضغط الأمريكى . ومع تزايد الضغوط الأمريكية الشديدة وافقت حكومة إسرائيل فى نهاية المطاف ، إلا أنها  بدأت فى المماطلة والتسويف فى مواعيد زيارات المراقبين الأمريكيين لمفاعل ديمونة . كانت تلك الفترة تشهد مفاوضات عديدة بين الطرفين أثمرت فى النهاية على موافقة واشنطن فى ديسمبر عام 1966 على بيع 24 طائرة من طراز (سكاى هوك إيه 4 آي) اى طائرات الفانتوم  ولكن واشنطن وضعت شروطا محددة تمثلت فى الآتي : 1- عدم استخدام إسرائيل لتلك الطائرات فى حمل رؤوس نووية .   2- ألا تكون إسرائيل البادئة بإدخال السلاح النووي للشرق الأوسط . 3- إضافة الى ضرورة عودة  العمل لبرنامج الزيارات الأمريكية الدورية لمفاعل ديمونة .

اثر التسرب الإشعاعي لمفاعل ديمونة على بناء البرنامج النووي الإيراني:

فى يناير عام 1967 توقف العمل فى بناء البرنامج النووي الإيراني لسببين رئيسيين الأول معلن والثاني غير معلن . وبخصوص السبب الأول فقد أعلنت واشنطن ان سبب توقف البرنامج النووي الإيراني  يرجع الى عدم قيام شاه ايران بتنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية التى تم الاتفاق عليها داخل ايران ، أما السبب الثاني وهو الأكثر أهمية والغير معلن فهو راجع الى  حادث التسرب الإشعاعي الذى وقع فى مفاعل ديمونة الإسرائيلي وفرض حالة من التكتم والتعتيم الأمريكي حول الحادث وحشد العديد من العلماء الأمريكيين والفرنسيين لمعرفة الأسباب الحقيقية التى أدت الى ذلك التسرب وذلك أملا فى معرفة الآثار الحقيقية التى قد تنجم عنه (فى ذلك الوقت) . وعليه إستمر توقف البرنامج النووي الإيراني حتى وقعت حرب يونيو عام 1967 التى لقي العرب فيها هزيمة خاطفة أعطت لواشنطن المبرر الكافي لتجميد البرنامج النووي الإيراني.  وعلى الرغم من ذلك ظل الإيرانيون يطالبون واشنطن بإعادة النظر فى البرنامج النووي الإيراني إلا أن الإدارة الأمريكية  كانت تماطل خاصة وان حادث التسرب الإشعاعي لمفاعل ديمونة ظل عالقا بأذهان الأمريكيين. لكن على الرغم من تجميد البرنامج النووي ظل الباحثون والعلماء الإيرانيون يواصلون عملهم فى الجامعات الأوربية الغربية  ، أما داخل الجامعات الإيرانية فكانت الأبحاث والدراسات تتقدم من الناحية النظرية .

خلافات أمريكية إسرائيلية جديدة:

مع بدايات عام 1968 طرحت إتفاقية الحد من الإنتشار النووي على الصعيد الدولي ، وقد تبنت الأمم المتحدة تلك القضية حيث طالبت بعض الدول الأعضاء بالأمم المتحدة بضرورة انضمام جميع الدول الأعضاء بالمنظمة الدولية وتحديدا الدول النووية الكبرى الى الاتفاقية ، وقد لعبت دول عدم الانحياز دورا بارزا فى ذلك .  أما واشنطن فقد طالبت وبشدة من إسرائيل ضرورة التوقيع على الإتفاقية مستندة فى ذلك الى حادث التسرب الإشعاعي الذى وقع مؤخرا والذي كان طي الكتمان فى ذلك الوقت، لكن إسرائيل رفضت التوقيع كلية على الإتفاقية وأخذت تماطل . وفى نهاية المطاف وافقت حكومة إسرائيل على التوقيع لكن مقابل حصولها على صفقة من طائرات الفانتوم الأمريكية .   وفى 12 يونيو 1968 صوتت إسرائيل لصالح الاتفاقية عند طرحها فى الأمم المتحدة (ملحوظة : التصويت غير ملزم إلا بعد التوقيع على الاتفاقية ) . وفى أول يوليو من نفس عام 1968 عرضت الاتفاقية للتوقيع فى واشنطن ولندن وموسكو ، وقد وقعت عليها 65 دولة منها ايران ومصر وعدد من الدول العربية الأخرى ، أما إسرائيل فلم توقع على الاتفاقية وعللت ذلك بان لديها بعض التحفظات وأنها ستوقع على الاتفاقية فى نهاية المطاف.

ايران تجدد موافقتها على مشروع الإصلاح الأمريكي:

فى أوائل عام 1968 أصدر الشاه محمد رضا بهلوى عدة قرارات تركزت حول تطوير مشروع الإصلاح الذى بدأه فى عام 1962 ليشمل الإصلاحات السياسية وتطبيق الديمقراطية والتوسع فى الإصلاح الاقتصادي والإداري والقضائي بالإضافة الى الإصلاح التعليمي والثقافي ليشمل أبعادا دولية ، إضافة الى وضع برنامج طموح للقضاء على الأمية وتحرير المرأة وذلك بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية التى أخذت على عاتقها مراقبة عمليات الإصلاح خاصة فى القطاع الاقتصادي وتوزيع الثروة وعوائد النفط بشكل عادل بين أفراد الشعب عامة .   لكن واشنطن أصرت على أن يبدأ الإصلاح أولا وقبل التوسع فى البرنامج النووي الإيراني الطموح ، فى حين طالب الشاه بالتوازي بين البرنامج النووي وتنفيذ برامج الإصلاح الشاملة ، وفى النهاية تم التوصل الى صيغة توافقية مفادها ضرورة البدء فى تنفيذ الإصلاحات السياسية حتى تقطع شوطا لا بأس به ثم يبدأ العمل فى البرنامج النووي جنبا الى جنب، وأخيرا وافق الشاه الى المطالب الأمريكية.

عقد اتفاقية التعتيم الإعلامي بين واشنطن وتل أبيب:

عقب وفاة ليفي أشكول مباشرة تولت جولدا مائير رئاسة وزراء إسرائيل فى فبراير عام 1969 وهو نفس العام الذى تولى فيه ريتشارد نيكسون رئاسة الولايات المتحدة الامريكية (يناير 1969) . وعلى الفور قامت جولدا مائير بزيارة عاجلة الى واشنطن إلتقت خلالها مع الرئيس الأمريكي الجديد الأكثر ولاء لليهود الأمريكيين ودولة اسرائيل عن سلفه (ليندون جونسون) ودارت بينهما مباحثات هامة للغاية تضمنت فى المقام الأول: (1) ميزان القوى فى منطقة الشرق الأوسط وضرورة أن تكون الغلبة فيه لإسرائيل. (2) وضع إستراتيجية سياسية وعسكرية جديدة لإسرائيل وبمقتضاها أن واشنطن سوف تتعامل مع إسرائيل باعتبارها الحليف الأوحد فى منطقة الشرق الأوسط وستعمل الأخيرة فى المقابل على رعاية المصالح الامريكية بالمنطقة وسيتطلب ذلك: أ- تطوير اسرائيل كى تصبح دولة نووية شريطة عدم الاعتراف الرسمي بها أمام العالم. ب- أن الولايات المتحدة سوف تشارك فى كافة المشاريع النووية التى ستقوم بها اسرائيل . ج- حفاظ أمريكا على أمن اسرائيل الذى تعتبره واشنطن هو أمن الولايات المتحدة طبقا لتلك المعاهدة  .  د- ألا تحيط اسرائيل نفسها بضجة إعلامية حول وضعها النووي  .  ويعد هذا أعظم إنجاز حققته اسرائيل منذ تاريخ إنشائها حتى ذلك الوقت لأنه  ضمن لها حق الوجود فى المنطقة طالما ان واشنطن هى الدولة الأعظم فى العالم .

( 5 )

نتائج حرب أكتوبر 1973  على

البرنامج النووي الإيراني

لم يكن يتوقع شاه ايران محمد رضا بهلوى بالنتائج الإيجابية التى حققتها حرب أكتوبر عام 1973 وخاصة عندما قرر العرب وإيران حظر تصدير النفط لدول الغربية ، فقد ارتفعت عائدات ايران من النفط بمقدار أربعة أضعاف عما كانت عليه قبل الحرب حتى بلغت جملة أرباحها أكثر من عشرين مليار دولار سنويا (فى عام 1974 فقط) ، وقد أدت تلك الزيادة الهائلة فى الدخل القومي الإيراني الى إعادة نظر دول  أوربا الغربية والولايات المتحدة الامريكية الى شاه ايران مرة أخرى أملا فى استعادة تلك الأموال الضخمة إليهم فى صورة استثمارات بالدول الأوربية والولايات المتحدة وهو ما حدث بالفعل ، لكن تلك المرة قرر شاه ايران اللجوء الى المساومة خاصة مع الولايات المتحدة التى كان يرى الشاه أن بيدها مفتاح العالم ( نفس وجهة النظر التى تبناها نظيره المصرى الرئيس أنور السادات فى ذلك الوقت)، وعليه اتفق الطرفان الإيراني والأمريكي على إعادة تحديث ايران بخطى واسعة حتى تلحق بقطار الغرب الأمريكي السريع وليس الأوربي البطيء الخطى . وهكذا تم تشكيل لجان إيرانية أمريكية متعددة الأغراض كما تم وضع جداول زمنية لتلك المهام والتى كان من بينها تحديث البرنامج النووي الإيراني.  وهكذا أعاد الأمريكان تحديث مفاعل أنير أباد وتجهيزه فى عام 1974 ، إضافة الى وضع برنامج نووي طموح تضمن بناء 23 مفاعلا نوويا . وقد اعتبر ذلك أعظم إنجاز حققه الشاه لدولة ايران التى كانت تتسابق مع الزمن من اجل اللحاق بالقطار الغربي .

الدول الأوربية والبرنامج الإيراني:

إنضم الى البرنامج النووي الإيراني الطموح كل من ألمانيا الغربية وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا.  وقد شهد عام 1974 توقيع أول اتفاق تعاون نووي بين ايران وألمانيا الغربية تضمن بناء مفاعل ( بوشهر) الذى اعتبر بعد ذلك  نواة للبرنامج النووي الإيراني ، وكانت شركة زيمينس الألمانية هي الشركة الأساسية التى قامت ببناء ذلك المفاعل .   فى نفس الوقت شهد البرنامج الإيراني تعاون أمريكي أوربي فى بناء مفاعلات نووية أخرى فى كل من ناتانز ، وأصفهان ، وبوشهر ، ودار خوين إضافة الى مراكز أبحاث الطاقة النووية فى تبريز وكاراج ومركز طهران للأبحاث النووية ، وهكذا دخلت ايران عصر الانفتاح النووي نتيجة إصرار شاه ايران على المضي قدما فى برنامجه النووي .

موقف اسرائيل من التعاون الأوربي الإيراني:

على الرغم من التطمينات الأوربية لإسرائيل حول طبيعة ومدى التعاون النووي الأوربي مع ايران إلا أن اسرائيل لم تشعر بذلك الاطمئنان أو تقتنع به على الإطلاق ، ومن ثم كان البديل هو عقد عدة صفقات متفرقة خاصة بحصول اسرائيل على معدات خاصة بتكنولوجيا التصنيع النووي ومنها آلات الطرد المركزي ومواد أساسية أخرى لتخصيب اليورانيوم والماء الثقيل خاصة مع فرنسا ( روعي أن تكون تلك الصفقات محاطة بسرية تامة) . فى نفس الوقت (وفى محاولة للضغط النفسي على ايران) قامت الحكومة الإسرائيلية بتسريب معلومات تشير الى مدى التفوق الإسرائيلي فى هذا المجال حيث تم تسريب وثيقة إسرائيلية فى فبراير عام 1974 تتضمن الآتي: أن رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير أمرت أثناء حرب أكتوبر 1973 بنشر 13 قنبلة نووية قوة كل منها 20 طنا وتم تحميلها على طائرات (أف 4) وكانت تلك الطائرات فى انتظار إشارة بدء الهجوم على كل من مصر وسوريا ، وانه قد تم إبلاغ هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكى بذلك قبل نشرها بساعات ( وهو ما يعنى أن اسرائيل لديها القدرة واليد العليا فى تكنولوجيا التصنيع النووي والسيطرة على مقدرات المنطقة إذا لزم الأمر ) .

رد الفعل الإيراني المصرى:

أحدث تسريب تلك الوثيقة الإسرائيلية مزيج من القلق والدهشة فى كل من مصر وإيران وصاحب ذلك نوع من الإستياء مما دفع هاتين الدولتين الأساسيتين فى المنطقة الى تصعيد الأمر داخل أروقة الأمم المتحدة بإعتبار أن مثل تلك التسريبات تشعل المنطقة من جديد ولا تخدم إستقرارها . وعليه توصلت الدولتان قبل نهاية عام 1974 للترويج لمشروع إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل ولكسب التأييد داخل دول عدم الانحياز وخارجها قبل انعقاد الجمعية العامة للامم المتحدة .

وفى 9 ديسمبر عام 1974 وأثناء انعقاد الدورة 29 للجمعية العامة للامم المتحدة طالب كل من شاه ايران محمد رضا بهلوى والرئيس المصرى أنور السادات من الدول الأعضاء بضرورة إدراج بند ( أتشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط ) وذلك لأول مرة فى جدول أعمال الجمعية العامة . وقد استطاعت مصر وإيران التوصل الى كسب تأييد الدول الأعضاء والذي أدى فى النهاية الى صدور القرار رقم 3263 ( د.29 ) بتاريخ 9 ديسمبر 1974 الذي دعا كافة الأطراف المعنية فى منطقة الشرق الأوسط الى الإعلان عن عزمها على الامتناع عن إنتاج أسلحة نووية أو اقتنائها على أى نحو آخر والدعوة لانضمام دول المنطقة الى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

تصعيد إسرائيلي ضد دول المنطقة:

جاء قرار الجمعية العامة للامم المتحدة بمثابة صدمة لكل من الولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل . لكن فى الوقت الذى استنكرت ورفضت الولايات المتحدة ذلك القرار أخذت اسرائيل تصعد من حدة هجومها على دول المنطقة وتحديدا ايران حيث أعلنت اسرائيل فى يناير عام 1975 عن نجاحها فى تزويد قذائف المدفعية الامريكية الصنع عيار 175مم  برؤوس نووية ، وقد تمت الإشارة بطريقة غير مباشرة الى نجاح مفاعل ديمونة فى إنتاج أسلحة نووية تكتيكية ( وهو ما يعنى حدوث نقلة نوعية أكثر تطورا فى تكنولوجيا التصنيع النووي الإسرائيلى).

تصعيد إيراني فى المقابل:

ومع سخونة الموقف وإمعانا فى التحدي أعلنت ايران فى أكتوبر عام 1977 عن شراء 8 مفاعلات نووية من الولايات المتحدة الأمريكية ، وكان ذلك بمثابة نقلة نوعية هائلة للبرنامج النووي الإيراني . فى نفس الوقت كانت الولايات المتحدة تدرس مشروع إيراني خاص بتوقيع اتفاقية تعاون نووي بين البلدين.    وفى يوليو عام 1978 وقعت كل من ايران والولايات المتحدة الأمريكية اتفاقية تعاون فى مجالات الطاقة النووية بكافة أنواعها شريطة أن تخضع المفاعلات النووية الإيرانية للرقابة الأمريكية ، وقد كان هذا الاتفاق بمثابة صدمة حقيقية للإسرائيليين فى الداخل واليهود فى الولايات المتحدة الامريكية  .

فى نفس الوقت قامت ايران بالتعاون مع الدول العربية بالتحرك داخل أروقة الأمم المتحدة وتحديدا خلال انعقاد الدورة الاستثنائية العاشرة التى كرست لبحث نزع السلاح عام 1978. وفى هذه الدورة رأت الجمعية العامة للامم المتحدة أن إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط سوف يعزز السلم والأمن الدوليين ، وانه ريثما يتم ذلك ينبغي على دول المنطقة أن تعلن أنها ستمتنع عن إنتاج أو حيازة أو امتلاك الأسلحة النووية أو المتفجرة النووية أو وضع أسلحة نووية فى أراضيها من قبل طرف ثالث ، وان توافق دول المنطقة على وضع جميع منشآتها النووية تحت ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية . 

اسرائيل تطالب واشنطن بإعادة النظر مع النظام الإيراني الضعيف:

جاء اتفاق واشنطن-ايران فى أكتوبر 1977 ثم توقيع اتفاقية التعاون النووي فى عام 1978 التى أثارت جدلا واسعا داخل إسرائيل بمثابة صدمات متلاحقة ، وبعد العديد من المشاورات داخل اسرائيل ومع جماعات الضغط اليهودية الامريكية سافر مناحم بيجن الى واشنطن فى مارس 1978للتباحث مع الرئيس الأمريكي جيمي كارتر حاملا معه تقريرا سريا للمخابرات الإسرائيلية (تم تسريبه بعد ذلك) عرضه على كارتر يشير الى عدم قدرة شاه ايران على إدارة شئون البلاد نتيجة تنامي المد الإسلامي داخل ايران وان فرنسا تأوي الرجل البديل للشاه (آية الله خميني) الذى يحمل كل الكراهية للأمريكيين والولاء لفرنسا . وطالب بيجن من الإدارة الامريكية وقف أو تجميد الاتفاقات الأمريكية الى ايران وتحديد موقف فرنسا فى حال استبدال نظام الشاه بنظام إسلامي متشدد ترعاه فرنسا . 

ويبدو أن الإدارة الأمريكية استمعت جيدا لرئيس الوزراء الإسرائيلي ، وهنا وعد الرئيس الأمريكى جيمي كارتر اسرائيل بفرض رقابة صارمة على البرنامج النووي الإيراني وأكد لـ مناحم بيجن أن الإسلاميين لن يصلوا الى الحكم ( وذلك طبقا للتعاون الاستخباراتى بين فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية فى ذلك الوقت ).     وعلى الرغم من ذلك فان اتفاقية التعاون النووي بين واشنطن وطهران  ظلت قائمة دون مساس واستمر البرنامج النووي الإيراني ذو الطبيعة السلمية والعلمية قدما دون توقف ، لكن صيحات التشكك الإسرائيلي أخذت تتزايد فى ذلك الوقت سواء داخل اسرائيل أو فى فرنسا من قبل اليهود الفرنسيين والمقربين من صانعي القرار الفرنسي .

ايران تشتعل من الداخل:

شهبور بختيار

محمد مصدق

فى نهاية عام 1978 تدهورت الأوضاع الأمنية داخل ايران حيث تعالت صيحات المعارضة بكل صورها من يمين انتهازي الى يسار مغامر  وإسلام متشدد داخل ايران وخارجها . لذلك قرر الشاه نقل الصراع بين تيارين كبيرين داخل البلاد وهما التيار الإسلامي المتشدد الذى تدعمه فرنسا والتيار اليساري الذى يدعمه الاتحاد السوفيتي ( نفس الأحداث كانت مصر تمر بها فى نفس التوقيت) وحتى يضرب الشاه عصفورين بحجر واحد قرر تشكيل حكومة جديدة برئاسة شهبور بختيار رئيس الجبهة القومية التى أرسى قواعدها محمد مصدق وذات النفوذ القوى داخل ايران والتى تعارض الشاه بقوة ، لكنها فى نفس الوقت على غير وفاق مع المتشددين الإسلاميين ( شهبور بختيار حصل على الدكتوراه من جامعة السوربون الفرنسية وهو من أسرة ثرية تنتمي الى قبائل بختيار وكان عضوا قياديا في حزب إيران ورفض المشاركة في المظاهرات التي كان العلماء الشيعة ينظمونها ضد حكم الشاه ) .

وأثناء توليه منصبه الجديد حاول أن يقوم ببعض الإصلاحات الداخلية فقام بتفكيك  " السافاك " أى البوليس السري الإيراني وأطلق سراح المعتقلين السياسيين وأعطى ترخيصا للعديد من الصحف المعارضة . كل ذلك أدي الى تنامي التيارات التحت أرضية التى أشعلت الغضب ضد الشاه أكثر فأكثر مما دفعه الى الهرب للمرة الثانية الى خارج البلاد فى 16 يناير 1979.   وبعد خروج الشاه استمر شهبور بختيار رئيسا للوزراء والبلاد معتقدا فى قدرته على إعادة الأمور الى نصابها لكن كل تلك الجهود توقفت بعد عودة آية الله الخميني من منفاه في فرنسا في الأول من فبراير 1979.

وبالرغم من الشعبية الكبيرة التي كانت للإمام الخميني فإن بختيار ظل على موقفه المعارض لتلك الثورة الإسلامية التي كان يعتبرها مناهضة للمفاهيم الليبرالية والعلمانية الغربية التي كان يؤمن بها.  وهكذا انهارت حكومة بختيار بسرعة بسبب الخلافات التي دبت بينه  وبين قادة الثورة الإسلامية، فاختفى الرجل عن الأنظار إلى أن استطاع الفرار إلى فرنسا في أبريل1979 ، وهناك أسس حركة المقاومة الوطنية في المنفى. وهكذا خرج الشاه محمد رضا بهلوى آخر ملوك البلاد  ومات فى مصر عام 1980

/////////////////////

إلى اللقاء فى الجزء الثانى....