تحديات أمام فقه الاجتماع الإسلامي
في اليوم العالمي للمرأة
زهير سالم*
[email protected]
تبقى حقيقة (التجديد) في بنيان الفقه الإسلامي حقيقة شرعية نظرية. وفكرة جميلة
مغرية يمكننا أن نتغزل بها عندما نحتاجها، نتدارى بها تارة، ونجمِّل بها موقفاً
أخرى، ونفسر بها ما يحتاج إلى تفسير، أو نقمع بها من يمعن معنا في الجدال.
صلاحية القواعد الشرعية الإسلامية للزمان والمكان تعتمد أساساً على حقيقة أن أمة
الإسلام تحتاج على رأس كل قرن إلى عالم مجدد (أو ربما مجمع علمي) يجدد أمر الدين في
تجلياته الروحية المعنوية، وتنزيل نصوصه على واقع حياة المسلمين.
وحين يتخلف الفقيه المسلم عن القيام بدور المتابعة الزمنية للمواءمة بين الشريعة
(النص الثابت) وبين واقع المسلمين ومصالحهم، على أساس أن النص هو المرجع وأنه أينما
تكون المصلحة الشرعية المعتبرة فثم شرع الله؛ حين يتخلف الفقيه المسلم عن القيام
بهذا الدور فهذا يعني أن تُهجر شريعة الإسلام، وأن تمضي حياة المسلمين، التي هي نهر
دفاق لا يتوقف، بعيداً عنها، أو أن يشعر المسلم الملتزم بدينه بالإصر، فيدفع ثمن
إلتزامه الشرعي بمعاناة الكثير من الحرج والعنت والله سبحانه وتعالى يقول: (وَمَا
جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ
وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ).
إن الأساسية الأولى التي ينبغي أن تكون حاضرة في سياق حديثنا عن تجديد فقه
(الاجتماع الإسلامي) هي أن المرجعية الثابتة وحدها هي النص الشرعي الثابت (الكتاب
والسنة) بآفاقه المفتوحة على الفهم المستنير. وأن اجتهادات الفقهاء الذين سبقوا هي
بنت بيئتها، ومع احترامها وإجلال أصحابها، فهي ليست سوى مساعدات على الفهم، ومنيرات
للنص، وليس يمكن لأهل عصر مضى أن يُلزموا بفقههم ورؤيتهم أهل العصور على تداول
الأيام بين الناس..
في اليوم العالمي للمرأة نجدد الدعوة إلى إعادة بناء فقه الاجتماع الإسلامي، وندعو
أكثر إلى الانتباه للمرأة المسلمة ونُصرة قضاياها والدفاع عنها: أماً وزوجاً وبنتاً
وأختاً، وهي التي تعاني تحت ثقل التغيرات مشكلات أكثر تعقيداً من أن يحيط بها مقام
أو مقال.
علينا أن نعترف أن قواعد (الاجتماع الإسلامي) تهتز بعنف تحت تأثير تطورات الواقع
أو تغيرات الزمان والمكان والإنسان. كما تحت تأثير ريح الغزو العقيم الذي لا تخفى
في جنباته إرادة السوء. إن الثمرات المرة للمدخلات الاجتماعية الهجينة بدأت تضرب
بعنف الفرد المسلم، والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم.
ودائماً تبقى (المرأة) هي الحلقة الأضعف في المعادلة الاجتماعية. مهما راوغ
المراوغون. يناشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله في الضعيفين المرأة
واليتيم). والمرأة هي الحلقة الأضعف في كل المجتمعات الإنسانية ضعف تتعدد أشكاله
ومظاهره في عالم الشرق وعالم الغرب على السواء. و ضعف المرأة لا يجبره إلا خلق
رفيع، وسلوك قويم، وتربية شفافة تعلم الزوج والأخ والولد قواعد السلوك العام
وآدابه، أولاً..
وهو ضعف لا يجبره ثانيا إلا (تشريع) يعيد صياغة العلاقات المجتمعية الإسلامية.
ويرسم آفاقاً للحياة الإسلامية الرشيدة..
يقول لك بعض المتنعمين بثمرات ما هو قائم: أين المشكلة؟! وتقول لك بعض
النساء اللواتي أنعم الله عليهن: أين المشكلة؟! والمشكلة في تصورنا هي في عجز فريق
من المتصدرين للفتوى والفقه في هذه الأمة عن إدراك المشكلة. المشكلة في
فريق من هؤلاء يريد أن ينساق مع التيار التغريبي فتلفظه الأمة قبل أن يلفظ فتواه.
وفريق آخر يريد أن يجمد على الماضي، يرى أن قطعة القماش التي خيطت حسب أزياء القرن
الثالث والرابع يمكن أن تلبس في القرن الخامس عشر.. صاحب الشريعة يحملهم مسئولية:
إعادة البناء على القواعد من جديد. ويفرض عليهم أن يلبسوا لكل عصر بما يليق به..
وعندما تتوقف أمام مشكلات الاجتماع الإسلامي، لا نريد أن ننشغل بالبطالة والعنوسة
والفقر وعقود الزواج والطلاق والميراث والنفقة والقوامة وعمر الزوجين وزواج الصغير
والصغيرة فقط مع أن كل هذه القضايا تشكل مادة أكثر أهمية لعمل الفقيه المجدد الذي
يضع نصب عينيه أنه حيثما تكون مصالح المسلمين العامة في ضوابطها الشرعية فثم شرع
الله.
ما نريد للفقه الإسلامي أن يواجهه بروح أبي حنيفة بمجمعه العلمي يوم كانت تلتقي في
مجلسه ثمانون عمامة يتداولون الرأي في فتوى، أو بروح الشافعي وهو يستشعر التغير
المكاني بين العراق ومصر، نريد فقهاء يستحضرون هذه الروح ثم يقبلون على وضع الأسس
للمجتمع المسلم المفتوح على العالم في عصر نشرت فيه العولمة جناحها على كل غرفة
نوم. نريد فقها من فقيه يضع الأسس للمجتمع المسلم المتعدد حيث ذابت مفاهيم دار
الحرب ودار الإسلام وأصبح العالم دارا واحدة يحكمها قانون واحد. على الفقيه المسلم
أن يوظف التطور العلمي الذي طرأ على طرائق النفي والإثبات في قضايا كثيرة كانت تقوم
على الظن والتربص والتخمين . أحكام الأجندة الفقهية المجتمعية تفرض نفسها بمعطيات
عالم جديد إما أن نقول فيه أو نذهب مع الريح.
(التجديد الإسلامي) واجب في كل مناحي حياتنا السياسية والاقتصادية ولكنها اليوم
في علاقاتنا الاجتماعية أوجب..
في اليوم العالمي للمرأة.. نهمس في أذن الفقهاء المسلمين ما نواجهه لا يحتمل الريث
والبطء، احذروا أن ينطلق القطار، ونبقى جميعاً على الرصيف..
(*) مدير مركز
الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية