الحركة الإسلامية بين الرؤية المغلقة والمرجعية المنفتحة
الحركة الإسلامية بين الرؤية المغلقة والمرجعية المنفتحة!
السيد يسين
هناك اجماع بين الباحثين علي أن الحركة الإسلامية الحديثة التي تدعو لتأسيس دول عربية تطبق الشريعة الإسلامية بحذافيرها نبعت من حركة الاخوان المسلمين التي انشأها الشيخ حسن البنا في الاسماعيلية بمصر عام1928، وسرعان ما تفرع عن هذه الحركة حركات مماثلة في كل من سوريا والأردن وبلاد أخري.
وقد دخلت هذه الحركات صراعات متعددة مع نظم الحكم في البلاد الثلاثة، غير انه ينبغي الالتفات إلي ان كل حركة كانت تأخذ طابعا خاصا يتفق مع خصوصية النظم السياسية التي عملت في إطارها، وهكذا يمكن القول إن مسار الحركة الإسلامية اختلف اختلافات شاسعة في مجال الممارسة في كل من مصر وسوريا والأردن، وهذا ما يؤكده احد الباحثين الأمريكيين الثقات وهو البروفيسور باري روبن في بحث حديث نشره في شهر يونيو2007 في مجلة جلوبال بوليتشين بعنوان مقارنة الاخوان المسلمين في سوريا والأردن ومصر.
والنتيجة النهائية التي خلص إليها الباحث من هذه الدراسة المقارنة الدقيقة ان الحركة الإسلامية في هذه البلاد تتبني ايديولوجية واحدة هي السعي لتأسيس دول دينية تطبق الشريعة الإسلامية ولكنها اتبعت في سبيل ذلك مذاهب سياسية شتي، اختلفت وفق وضعها في كل بلد من هذه البلاد.
وبالدراسة المقارنة للمنطلقات والممارسات يمكن القول ان جماعة الاخوان المسلمين في كل من الأردن ومصر تتبنيان رؤية مغلقة في مجال الدعوة لتطبيق الشريعة الإسلامية بحذافيرها في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة كما ظهر من ممارسة اعضاء الاخوان المسلمين الذين شاركوا في بعض الوزارات الاردنية، كما ان ذلك ظهر واضحا في البرنامج السياسي لحزب الاخوان المسلمين المقترح في مصر والذي يؤسس لحكومة دينية تقوم علي تشكيل مجلس اعلي للفقهاء يراقب قرارات المجالس النيابية وقرارات رئيس الجمهورية التي يصدرها بقانون في غيبة البرلمان.
غير ان الاخوان المسلمين في سوريا لهم مشروع مختلف اصدروه بعنوان المشروع السياسي لسوريا المستقبل: رؤية جماعة الاخوان المسلمين في سوريا. ويصف المشروع هذه الرؤية بالمرجعية المنفتحة، ماذا يعني ذلك علي وجه التحديد؟
يتضح ذلك من القراءة الدقيقة للمشروع مع التركيز علي خصائص الدولة التي يريدون اقامتها علي انقاض الحكم الراهن في سوريا والذين يرون انه نظام استبدادي صريح. ويمكن القول بشكل عام ان المشروع السوري يتميز عن المشروع المصري بأنه في الواقع وثيقة فكرية متكاملة وينطلق من مجموعة متكاملة من المنطلقات التي تبني علي اساسها سياسات مقترحة شتي، وهي وثيقة تتسم بشمول النظرة وبالاتساق، وقد تختلف مع بعض جوانبها أو مع مجمل افكارها ولكن أهم من ذلك ان امامك كباحث ومثقف وسياسي ومهتم بالشأن العام وثيقة فكرية تكشف بوضوح شديد وبلا غموض متعمد أو مراوغة عن القيم الاساسية التي تصدر عنها جماعة الاخوان المسلمين في سوريا والوثيقة تنقسم إلي جزءين
الجزء الأول المنطلقات النظرية والفكرية للمشروع السياسي وينقسم إلي سبعة ابواب هي علي التوالي: منطلقات المشروع، في التجديد، مرتكزات الدولة الحديثة، الوطن ويقصد سوريا الانسان، السلطة في النظم والمناهج، اما الجزء الثاني فعنوانه: سياسات المشروع أو البرنامج العملي للمشروع السياسي وينقسم ايضا إلي عدة ابواب هي علي التتالي: المشروع المنشود معالم وافاق المحاور الداخلية في سياسات المشروع، المحاور الخارجية في سياسات المشروع.
واذا اردنا ان نقدم وصفا عاما لملامح هذا المشروع الاخواني السوري المتكامل الذي يستحق نقاشا تفصيليا لقلنا انه مشروع ـ كما يقول اصحابه ـ يقوم علي الشريعة الإسلامية في مصدريها الخالدين: الكتاب والسنة هي مصدر رؤيتنا لصياغة مشروع حضاري يتصدي لتحديات الواقع، وما فيه من اسن وركود او قهر وبغي وظلم ص1 من المشروع ولعل الباب الثالث من الجزء الأول وعنوانه مرتكزات الدولة الحديثة من أهم الابواب في المشروع لانه يعكس رؤية الاخوان المسلمين في سوريا لسمات الدولة التي يسعون إلي اقامتها.
ويلفت النظر استخدام المشروع لعبارة الدولة الحديثة التي يسعون لاقامتها، لان الدولة الحديثة بعيدا عن أوصاف الدولة المدنية أو العلمانية هو الوصف العلمي الدقيق للدول الديمقراطية التي ترتكز علي الدستور، وسيادة القانون، والفصل بين السلطات، وتداول السلطة، وحرية التفكرية والتعبير والتنظيم.
وقد حرص المشروع علي ان يؤكد ان الدولة التي يسعي إلي اقامتها ليست دولة ديمقراطية دينية ولاهي دولة علمانية لان الدولة الاسلامية المبتغاة هي بعبارات المشروع ص24 دولة مدنية تتميز بمرجعيتها الإسلامية المنفتحة.
والسؤال الرئيسي هنا هو: ماهي سمات وملامح هذه الدولة المقترحة؟ يقرر المشروع في الفصل الثاني وعنوانه الشئون السياسية ان هذه الدولة لها ثماني سمات هي انها دولة ذات مرجعية، ودولة تعاقدية، ودولة مواطنة، ودولة تمثيلية، ودولة تعددية، ودولة تداولية، ودولة مؤسساتية، ودولة قانونية. ولعل السمة الأولي للدولة الإسلامية التي يسعي إليها المشروع هي انها دولة ذات مرجعية. ومسألة المرجعية اشكالية لان الاخوان المسلمين في بلاد متعددة، وما تفرع عنها من حركات أو احزاب تستخدم مفهوم المرجعية استخدامات شتي وبدرجات متفاوتة من الوضوح والغموض.
الاخوان المسلمون في مصر يفهمون المرجعية علي انها اقامة الحكومة الدينية، اي حكومة الفقهاء الذين من خلال مجلس يتشكل اعضاؤه من رجال الدين وينتخب انتخابا مباشرا يراقبون قرارات البرلمان وقرارات رئيس الجمهورية التي يصدرها في غيبة البرلمان.غير انه بالنسبة للمشروع السوري هناك ـ عرض واضح لما يقصده بالمرجعية وهي كما يقرر في حديثنا عن المكون العقائدي والثقافي لمرجعيتنا، تبرز خصوصيتنا الإسلامية، التي تشكل المصدر الاساسي والمتميز والمهيمن للمرجعية العليا التي ندعو إليها، ونعتبرها اساس مشروعنا الحضاري: ولكن تقديرنا للخصوصية الإسلامية لايجوز من الناحية المنهجية ان يحشرنا في إطار الدول الثيوقراطية ولان ان يقابل بالرفض المسبق.
خصوصية اسلامية تقوم علي اساسها دولة مدنية بمرجعية إسلامية منفتحة، ماذا يعني ذلك علي وجه التحديد؟ فلنحاول استكشاف معالم هذا المشروع السوري في مرة مقبلة وتجدر الاشارة إلي انه لايكفي تحليل الخطاب بالنسبة لاي جماعة ايديولوجية، فمن المهم ايضا تحليل الممارسة!