ليسوا ملائكة
لكنهم بالتأكيد ليسوا شياطين
عصام علي - مصر
تثير جماعة الإخوان المسلمون الكثير من الجدل حولها داخليا وخارجيا حيث يري البعض الجماعة علي أنها المنقذ الوحيد للشعب المصري من نير الاحتلال المحلي والفساد الداخلي الذي أزكم الأنوف ويرون فيها شمول الإسلام وعالميته والأمل الكبير برجوع الخلافة كمظلة تحوي كل الدول العربية والإسلامية.
ولكنها في المقابل لا تعني بالنسبة للبعض سوي جماعة تستغل الدين من أجل السلطة تدغدغ به مشاعر الجماهير التي لا تزال يمثل لها الإسلام - رغم كل محاولات التغريب – الملاذ الآمن والسبيل الوحيد للخير العميم في الدنيا والآخرة.
يري هؤلاء الجماعة علي أنها منافس قوي لابد من استخدام كل الأسلحة المباحة وغير المباحة في الهجوم عليه والدخول معه في معركة تحطيم عظام في ظل الموقف الرئاسي الرافض تماما لأي تقارب مع الجماعة وفكرها وطرحها والهلع الشديد من شعبيتها وحسن تنظيمها.
كما أن الولايات المتحدة والغرب يري أنها أي الجماعة ند قوي له شعبية بين الجماهير في معظم الدول العربية والإسلامية خصوصا وأن هذا الند لا يشاطر الولايات المتحدة والغرب نفس النظرة لحماس وحزب الله والمقاومة العراقية ولن يقف مكتوف الأيدي أمام محاولات الهيمنة الأمريكية والصهيونية علي المنطقة رغم علمهم هذه القوي الغربية بالنهج السلمي لهذا الجماعة واختلافها الكبير عن تنظيم القاعدة وبعض الجماعة السلفية الجهادية التي تتبني سياسة العنف ضد الولايات المتحدة وحلفاءها مما يحدو ببعض مؤسسات صنع القرار بمحاولة التواصل مع الجماعة كبديل سلمي وكخطوة هامة في مجال القضاء علي الجماعات التي تتبني العنف ضد الولايات والمتحدة وحلفاءها.
والواقع يؤكد أن جماعة الإخوان ليست مجموعة من الملائكة كما يري البعض فهم يخطئون ويسيئون الحسابات أحيانا رغم كل محاولات التقييم الذاتي التي تنتهجها الجماعة (فكل عمل مهما كان بسيط تقوم الجماعة بتقييمه بشكل مفصل وإعداد تقرير عنه).
وعلي مدار تاريخ الجماعة الممتد لحوالي ثمانين عاما عانت فيها الجماعة من موجات مد وجزر وصعود وهبوط لكنها حافظت علي قوامها الأساسي وعلي شعبيتها بل زادتها المحن والمكائد شعبية وقوة وتنظيم وقعت الجماعة في كثير من الأخطاء نذكر منها:
أولا: أخطأ الإخوان المسلمون عندما دعموا عبد الناصر في حكم مصر عند القيام بالثورة ووافقوا علي إلغاء الحياة النيابية وحل الأحزاب – رغم كل الفساد الذي كان يكتنفها – والوقوف مكتوفي الأيدي ضد ممارسات عبد الناصر ضدهم رغم أن عدد كبير من ضباط الجيش والشرطة كانوا من الإخوان المسلمين كما ثبت عندما أقصاهم عبد الناصر من مراكزهم في نهاية 1954. أخطأ الإخوان كثيرا عندما صرف عبد القادر عودة مظاهرة الإخوان الحاشدة في 28 فبراير 1954 المطالبة بحق هذا الشعب ورد الحكم له ورجوع العسكر للثكنات. فض هذا المظاهرة الضخمة دون الحصول علي مقابل من عبد الناصر كان نتيجته رقبة عبد القادر عودة نفسه وغيره من الإخوان .. وتسريح عدد ضخم جدا من ضباط الجيش والشرطة وانفراد عبد الناصر بالحكم وهو ما تعاني منه مصر منذ ذلك الحين حتي اليوم وربما غدا.
ربما كان الإخوان يخافون من الحرب الأهلية ووقوف الجيش ضد الشعب .. ربما كان هذا هو موقف الإخوان الدائم من رفض حمل السلاح إلا ضد المحتل ... ربما نحن نحكم علي الأمور بما آلت إليه وليس بما كان يمكن أن تؤدي إليه ..
لكن في النهاية هناك خطأ حدث لا يمكن إنكاره.
ثانيا: أخطأ الإخوان أيضا عندما لم يستغلوا فترة الرئيس السادات والمناخ السياسي المواتي لهم والمد الإسلامي الذي حدث وكان لزاما عليهم آنذاك الشروع في إقامة حزب سياسي لهم حيث كان سيتحول وجودهم إلي أمر واقع وكان سيكون لزاما علي كل الأطراف التعامل معهم من هذا المنطلق لا أن ينتظروا كل هذه المدة للوصول إلي قناعة بضرورة الحزب السياسي.
ثالثا: يخطئ الإخوان عندما يستمرون علي سياسة رد الفعل وعدم الإمساك بزمام المبادرة في التعامل مع النظام والتعامل بنفس الإيقاع الذي يفرضه نظام ضعيف ومتهالك. صحيح إن الإخوان حركة دعوية مجاهدة بالأساس تُعني بالحل السلمي المتدرج لكن هذا ليس معناه دائما تلقي الضربات دون مناورة أو مباغاة النظام بأفكار جديدة (وانظر معي إلي فكرة الإعلان عن حزب سياسي وكيف أفقدت النظام توازنه مع أنها مجرد فكرة وليس شروعا فعليا في إقامة حزب).
رابعا: يخطئ بعض شباب الإخوان كثيرا عندما ينظرون بقدر من الدونية لبقية الأطراف السياسية العاملة علي الساحة والتصور بأنهم يملكون الحقيقة كاملة وأن مجرد انتماءهم إلي دعوة الإمام حسن البنا كفيل بأن يجعل كل خطواتهم سليمة وصحيحة ومبرئة من العيوب والنقائص بل يجب عليهم التعاطي بايجابية وانفتاح مع الواقع الحالي بغية تغييره وسمع وجهات النظر الأخرى حتي لو كانت مخالفة لعقيدتهم فناقل الكفر ليس بكافر.
خامسا: يؤخذ علي الجماعة – من وجهة نظري – أنها لا تفعل القيادات الموجودة في الخارج وهذه القيادات ربما يمكنها القيام بدور إيجابي ضخم يضمن للجماعة قدر كبير جدا من التأييد العالمي علي الشعبي والنخبوي إن لم يكن علي المستوي السياسي الرسمي. فهامش الحرية الكبير في لندن وباريس وربما في الولايات المتحدة وغيرها يمكن أن يفيد في تغيير الصورة النمطية عن الإسلاميين في الغرب فهناك 55% من الأمريكيين لا يفرقون بين فكر الإخوان وبين تنظيم القاعدة.
هذه بعض أخطاء الإخوان يُضاف إليها عدم الحيوية في كثير من القطاعات وعدم ظهور قيادات شبابية علي قدر الجماعة وقامتها واقتصار الظهور الإعلامي علي مجموعة ضيقة من أفراد الصف الأول للجماعة (ربما كان ذلك بسبب التضييق الأمني وعدم رغبة الجماعة في كشف كوادرها لكن الإنتماء الفكري للإخوان ليس خافيا علي أحد)
وعدم توليد وجوه إعلامية كبيرة من خلال نوابهم ال88 في مجلس الشعب.
لكن في المقابل نجد أن الإخوان لهم الفضل بعد الله عز وجل في حماية مصر من وحش الإرهاب المدمر فلو كان الإخوان فصيل يؤمن بالتغيير القسري والخروج علي الحاكم لما نجت مصر من مصير مجهول.
فلقد استقطبت الجماعة الأكبر في العالم القدر الأكبر من الشباب وحددت مسارهم في الجهاد السلمي وأعدتهم لتقبل كل صنوف التضييق والتجفيف والملاحقة من أجل هدف أسمي وأعلي.
لقد قدم الإخوان ويقدمون المساعدة المالية والاجتماعية لهذا الشعب الذي يئن تحت وطأة الفساد والاحتكار ولعل دورهم المشهود يوم الزلزال الشهير في 12 أكتوبر عام 1992 لا زال ماثلا في أذهان الكثيرين. كما أن كثير من الأسر تخلت عنهم الدولة ينتظرون مساعدة الإخوان دون منة أو فضل إلا لله العلي القدير.
كما أن الإخوان يمثلون ضمير الأمة ومرجعيتها بعيدا عن التعصب والتشنج وعبيدا عن الميوعة والانحلال الأخلاقي حيث يقف الإخوان في موقف وسطي معتدل فلا هم ينفرون الناس بتشدد في غير موضعه ولا يضيقون ما وسع الله به علي الناس ولا يترخصون فيحلون ما حرم الله ويحاربون الحلال من أجل نشر الحرام.
لقد ظل الإخوان دائما مع قضايا الناس العادلة من قضايا كبري كفلسطين والعراق وأفغانستان والبوسنة والصومال والسودان في الخارج إلي قضايا الفساد السياسي والاقتصادي وتغول السلطة التنفيذية علي التشريع والقضاء.
سُحل الإخوان مع القضاة وسُجنوا مع أيمن نور وطلعت السادات ومجدي أحمد حسين.. صودرت أموالهم .. طُرد أبناءهم من الجامعة وحُرموا من درجاتهم العلمية وترقياتهم في السلك الجامعي .
حُرموا من الانتساب إلي الجيش والشرطة والنيابة وكل المراكز الحساسة في هذا الوطن ..
صودرت حرياتهم .. مُنعوا من الكتابة ومن السفرومن ارتقاء المنابر ..
لُعنوا علي لسان سفلة المجتمع علي صفحات الجرائد وفي محطات الإذاعة والتلفزة ....
طُردوا من جنة النظام ... لكنهم ظلوا صامدين مؤمنين بعدالة قضيتهم ملتحمين مع الناس فهم لا يُنظًرون من أبراج عاجية ومكاتب مكيفة كغيرهم لكنهم نبت من هذه الأرض يعيشون قضايا الناس في بيوتهم وأعمالهم يعرفون معني الظلم لأنهم يتجرعونه صباح مساء يعرفون معني التشريد والملاحقة فهم دائما ملاحقون لا لشيء إلا لأنهم يقولون الحق ويريدون لهذا الوطن أن ينهض ولهذا الدين أن يسود من أجل كرامة الإنسان ورفعته ورفاهيته ففي هذا الدين خلاص الإنسان ورقيه وسعادته.
هؤلاء هم الإخوان نختلف معهم أو نتفق لكننا يجب أن نراهم بالشكل الصحيح فهم ليسوا ملائكة ولكنهم بالتأكيد ليسوا شياطين.