هدر الثروات العقلية في العالم العربي
عماد كامل
العراق- البصرة
[email protected]
"إلى الذين لا يعملون ويؤذي نفوسهم أن يعمل الناس" طه حسين
يعتقد الفيلسوف الفرنسي ديكارت بأن العقل اعدل الأشياء بين البشر،وهو يرى بأن كل فرد قد أوتي ما يكفيه منه،وان اختلاف الآراء لا ينشئ لكون البعض أعقل من البعض الآخر بل لأننا نوجه الأفكار في طرق مختلفة، وتختلف نظرة كل منا عن الآخر حيال موضوع واحد،لان المرء لا يكفي أن يكون لديه عقل بل المهم استخدامه بشكل سليم،مما تقدم يتضح إن الفرد العربي يملك نفس مواصفات عقل غيره من بقية المجتمعات الأخرى،لان العقل الذي أودعه الله في رؤوسنا هو نفسه عند الأوربي والأفريقي والأمريكي،إلا إن المشكلة تكمن في إننا لا نوجهه الوجهة الصحيحة لأننا لا زلنا نتمسك باليقينيات التي ورثناها عن آباءنا،في حين تجاوزت أوربا العقل الكلاسيكي المبني على اليقينيات الثابتة إلى مرحلة العقل ألتشكيكي النسبي الذي يراجع نفسه باستمرار من اجل أن يصحح مساره وهو العقل الذي يطلق عليه البعض(عقل ما بعد الحداثة) الذي يقول عنه محمد أركون انه العقل الذي يتوصل دائما إلى حقائق نسبية قد تدوم طويلا لكنها لن تدوم أبدا.
إن ما يتحدث عنه أركون حتما ليس هو العقل العربي لأنه لا يزال أسير أغلاله الثقيلة التي يسعى ببطئ لان يلج(الحداثة) وما أظنه يستطيع أن يلجها وفق معطيات الواقع الراهن الذي يشهد هدرا كبيرا لثروته العقلية الذي يمكننا ملاحظته من خلال ضآلة إسهاماته عبر التاريخ في مختلف العلوم والفنون،واعتقد إن هذا يرجع لاعتقاد الفرد العربي بأنه استطاع أن يبني ثقافة تستمر مدى الدهر دون إخضاعها للنقد والتطوير،لذا فمن الضروري على الإنسان أيا كانت ثقافته او حضارته التي ينتمي إليها أن يقيم ثقافته وثقافة الآخرين بتواضع تام من دون الوقوع بالمغالاة او تحقير الذات،لذا فأن (ارنست) يرى بأن الثقافة او الحضارة تظل مجرد قشرة خارجية لا تمس الأغوار البعيدة،وعلينا ان نستعد دائما لمواجهة الاهتزازات التي قد تهز عالمنا الثقافي أو الحضاري التي قد تعرضه للانهيار.
وهناك مشكلة أخرى ترسخت في المنظومة الثقافية العربية ألا وهي معاداتها للمبدعين عبر العصور المختلفة لان البعض يعتقد إن المبدع خطرا يداهم وجوده والتاريخ المعاصر يزخر بمجموعة كبيرة من الأسماء التي نالها الإقصاء والتهميش بسبب خلفياتهم الفكرية فعلى سبيل المثال لا الحصر، لاقى ما لاقى الكاتبان المصريان نصر حامد أبو زيد والسيد القمني والقائمة تطول،ولا يفوتنا أن نذكر ما تعرض له الكاتب المصري الكبير نجيب سرور وقد وصف مأساته في رسالة إلى يوسف إدريس يقول فيها(لقد تلقفوني فور عودتي من دمشق وأرسلوني.. لكن مهلا،ليس في معتقل من المعتقلات الحكومية المعروفة والمزدحمة بالنزلاء، و إنما في مستشفيات المجانين، مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية!! وهناك قسم سرى ـ قسم أول ـ مارسوا معي أحدث أفانين ووسائل التعذيب! .. وكان معي طلاب في الجامعة، وأوائل الثانوية العامة، وعمال في مصانع النسيج، وأساتذة في الجامعة، ومهندسون، وفلاحون، وعلماء ذرة منهم الدكتور إمام أستاذ الذرة بجامعة الإسكندرية...المهم أنني خرجت من مستشفى الأمراض العقلية بمعجزة حطاما أو كالحطام! ..خرجت إلى الشارع..إلى الجوع والعري والتشرد والبطالة والضياع والى الضرب في جميع أقسام البوليس المخلص في تنفيذ أغراض الأعداء والمحسوب علينا من المصريين أو نحن العرب!..خرجت أدور وأدور كالكلب المطارد بلا مأوى، بلا طفلي وزوجتي..وظللت مجمدا محاصرا موقوفا) والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو كيف يتسنى لنا نحن العرب أن نسهم مساهمة حقيقية وفعالة في أن نكون فاعلين في صنع الحضارة الإنسانية؟ في رأيي المتواضع الحل هو تكوين تيار ثقافي انسني في عالمنا العربي يدرك المنتمين إليه طبيعة التشكيل الثقافي في العالم،والكف عن استهلاك ثقافة ليست من صنعه،والابتعاد عن شعوره بأن الماضي أفضل من الحاضر والمستقبل، كما يناط بهم مسؤولية السعي الحثيث لإدارة العلاقة مع الآخر، عربيا كان أم غير عربي وتجنب الصدام مع الآخر المختلف، وذلك باقتناص الفرص المتاحة لتنمية مجتمعاتهم.