لغتنا الجميلة

لغتنا الجميلة

أيمن بن أحمد ذو الغنى

عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية

(19)

شاع في وسائل الإعلام المختلفة (مقروءة، ومسموعة، ومرئية) استعمال كلمة "مُدَراء" جمعاً لمدير، فيقال مثلاً: "كثيرٌ من المُدراء غير جديرين بالإدارة" و"المدراء الناجحون هم الذين يقبلون النقد" فهل هذا الاستعمال سائغ في العربية، مبني على قياس صحيح، أو سماع ثابت؟

كلمة "مدير" اسم فاعل من الفعل الرباعي "أدار" بوزن: أفعل (من الجذر: دور) يقال: أدار يدير فهو: مدير، فوزن كلمة "مدير" مُفْعِل، أصلها: مُدْوِر، ثم صارت بعد الإعلال: "مدير" وهذا يعني أن الميم في أول الكلمة زائدة.

وقد قرر الصرفيون: أن الوصف المبدوء بميم زائدة –أي: على وزن "مُفْعِل" أو "مُفْعَل" أو "مفعول" ونحوها –إذا كان للعاقل- فإنه لا يُجمع جمع تكسير، بل يُجمع جمع سلامة: بالواو والنون، والياء والنون، إلا ما شذّ، وهي ألفاظ قليلة محفوظة أوردها علماء العربية في كتبهم.

فالقياس في جمع "مدير" مديرون في حالة الرفع، ومديرين في حالتي النصب والخفض.

ولم يُسمع "مدراء" جمعاً لمدير في كلام فصيح، ليُلحق بما شذّ من الجموع المسموعة.

أما سبب الوهم والخطأ في جمع "مدير" على "مدراء" فهو الظن بأن "مدير" على وزن: "فعيل" –مع أن ميمه مضمومة- (من الجذر: مدر) وجمعه على وزن "فُعَلاء" مثل: حكيم وحُكماء، وكَريم وكُرماء، ووزير ووُزراء، ونحوها، وهو ظن فاسد ساقط، لما تقدّم.

ويصح أن يكون لفظ "مُدراء" جمع تكسير لاسم الفاعل "مادر" من الفعل الثلاثي "مَدَرَ" يقال: مَدَرَ الرجل الجدارَ يَمدُرُه مَدراً: إذا سدَّ خلال حجارته بالمَدَر، وهو الطين اللزج المتماسك، وعليه فالمُدراء: هم المطيّنون للجُدُر وغيرها، وشتان ما بين المُطينين المدراء والمسؤولين المُديرين!

الرياض 3 من رجب 1424هـ

(20)

كان نشر العلاّمة د. محمود الطناجي رحمه الله تعالى مقالة بمجلة الهلال، عدد (تموز/يوليو) 1998م، تكلّم فيها على كلمة (تترى)، تأصيلاً واشتقاقاً، وتحريراً لمعناها، مع ذكر شواهدها من الشِّعر والنثر، وإعرابها في سياقها.

وقد حمله على بسط القول فيها ما رآه من كثرة الخطأ في استعمالها، وجنوح خاصة الكتّاب عن الصواب فيها، بله عامتهم، فقد درج الكثيرون على جعل (تترى) فعلاً مضارعاً، يقولون: تترى المصائب على الإنسان، ظانين أنها بمعنى: تتواتر وتتتابع!.

وهذا عينُه ما دفعني إلى تلخيص مقالته، نصحاً لحملة الأقلام، وتعميماً للفائدة.

فما وجه الصواب في هذه الكلمة، أفعل هي أم اسم؟

(تترى): اسم، مصدر، وأصلها: (وترى) ثم أُبدلت الواو تاء، وهي من المواترة.

وإبدال التاء من الواو كثير شائع في العربية، مثل: تراث، أصلها: وُراث، من الفعل وَرِثَ. وتُقاة أصلها: وُقاة، من الفعل وقى. وتُجاه أصلها: وُجاه من الوجه.. إلخ.

نقول: المصائب على الإنسان تترى، أي: متتابعة متواترة، وجاء القومُ تترى، أي: متتابعين متواترين.

ومن الأدلة القاطعة على اسمية (تترى) أن فيها لغة بالتنوين: (تتراً)، ولا يخفى أن التنوين من خصائص الأسماء، وأن الأفعال لا تُنوّن.

فمن نوّن هذا الاسم اعتدّ الألف التي في آخره للإلحاق، ووزنه: (فَعلاً)، مثل: ضرباً ونصراً. ومن لم ينوّنه يعتدّ الألف في آخره للتأنيث، ووزنه: (فَعْلى) مثل: دعوى من دعا، وذِكرى من ذَكر.

ويستشهد علماء العربية على ذلك بقوله تعالى: (ثمّ أرسلنا رُسلنا تترى) (المؤمنون 44) فقد قرأ ابن كثير وأبو عمرو: (تتراً) بالتنوين، وقرأ بقية السبعة: (تترى) بغير تنوين.

وإعراب (تترى) في الآية يحتمل وجهين، الأول: أنه حال من (رسلنا) أي: أرسلنا رسلنا متواترين، واحداً بعد واحد. والآخر: أنه صفة لمصدر محذوف، أي: أرسلنا رسلنا إرسالاً متتابعاً، أو إرسالاً بعد إرسال.

وتقدّم أن (تترى): من المواترة والتواتر، وقد ذهب جمهرة من أهل العربية إلى التفريق بين التواتر والتتابع، بأن جعلوا التتابع: في الأشياء يأتي بعضها في إثر بعض بلا فاصل، والتواتر: في الأشياء يكون بينها فاصل.

قال ابن الأثير في "النهاية" في شرحه حديث أبي هريرة، لا بأس بقضاء رمضان تترى، أي: متفرقاً غير متتابع.

وفي ختام هذه المقالة أكتفي بإيراد بيتين من الشعر ورد فيهما هذا الاسم، وذلك اجتزاء بالقطرة عن الينبوع.

قال ابن قلاقس يمدح الحافظ أبا طاهر السلفي:

يا من أياديه تترى ليسَ يَجحدُها    إلا أُناسٌ لفضلِ اللهِ قد جَحَدوا

أي: يا من أياديه متواترة بالعطاء والجود.

وقال أمير الشعراء أحمد شوقي في مدحه النبيَّ صلى الله عليه وسلم:

والآيُ تترى والخوارقُ جَمَّةٌ   جبريلُ روّاحٌ بها غَدّاءُ.

والمراد: والآيُ كثيرةٌ متواترة.

الرياض 8 من رمضان 1427هـ