لماذا انحسر دور المجلات الأدبية ؟!
شاكر فريد حسن
المواكب للحياة الأدبية والثقافية العربية يلحظ بوضوح انطفاء واحتجاب وغياب الكثير من المجلات الأدبية الجادة والأصيلة، وانحسار دورها ومكانتها الحقيقية، وتراجع تأثيرها بين الناس والجماهير الشعبية العريضة. بعد أن كان لها في مرحلة المد الجارف والنهضة الأدبية العربية في الخمسينات والستينات من القرن الماضي ، أثر عميق وكبير وأسهام جدي وفاعل وريادي في تنمية الوعي الثقافي والنقدي والتنويري ، وتشكيل وتبلور التيارات والاتجاهات الأدبية والنقدية والثقافية والفكرية المختلفة.وكذلك تعميق القيم الثقافية والجمالية ونشر الابداعات الأدبية لكوكبة مضيئة وريادية من طلائع الفكر والأدب العربي ،
في مجالات الشعر والقصة والمسرحية والبحث والنقد الأدبي.
ولا جدال في أن هذا الانحسار مرتبط جدلياً بالواقع العربي الراهن ، السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي العام الذي تتهاوى فيه القيم والمبادىء والمثل ، ويسوده العجز والتمزق والاحباط وعبادة المال والنرجسة البغيضة والأنانية والفردية . كما ويحكمه افتراس الانسان للانسان ويتدنى الاهتمام الجماهيري بالثقافة والكتاب.. هذا الواقع الذي يعيش أزمة فكرية حضارية عميقة نتيجة الغزو الثقافي والفكري والاستهلاكي العالمي .علاوة على هجوم العنف ألظلامي وقمع الأنظمة العربية وممارساتها المعادية للتقدم العلمي والثقافي والمادي والعصري ، وللتفكير الحر والعقلاني، وللثقافة التقدمية والديمقراطية التي تلبي حاجات الأنسان الحقة وتستجيب لقيمه العميقة .
اننا أمام حالة ثقافية تتطلب من كل القوى الثقافية الحيّة أن تعمل بالتعاون بين كل الأطراف الواعية والمستنيرة على اعادة الاعتبار للثقافة وأن تبحث لها عن أدوات جديدة لتحريك الحياة الثقافية والأدبية والعلمية على طريق النهضة مرة أخرى، وتوليد حضارة جديدة جديرة بالانسان، وتعميق التواصل والتفاعل بين المشتغلين في الثقافة وبين المبدعين العرب في كل حقول الابداع الثقافي المجتمعي لزيادة الدعم المادي والشعبي للمجلات الأدبية والثقافية .هذا بالاضافة الى تشجيع الحوارات والنقاشات والسجالات ورفع وعي القطاعات الشعبية التي لا مفر من توعيتها وترشيدها ، وتصفية كل أشكال ومفهومات الانحطاط الفكري ، التي تروجها قوى الظلام والتعصب والتحجر، وتوسيع الهامش الديمقراطي الضيق المتاح الان والسعي الدائب لأجل التنوير الاجتماعي المأمول وخلق مناخ يحترم العقلانية ويقدّس الثقافة ويضعهما في المقام الأول ، ويحترم الاختلاف والتعددية. فهل يقوم المبدعون والمثقفون التنويريون والنهضويون بهذه الرسالة والمهمة الحضارية؟!