الكسدرة على شاطئنا الوحيد لها قيود عند الاحتلال!!
أحلام وردية على شاطئ بحرنا المحاصر
" الكسدرة " على شاطئنا الوحيد لها قيود عند الاحتلال!!
هنادي نصر الله
خلعنا أحذيتنا وتركناها وحيدة بعيدة عنا؛ وذهبنا نتسابق في نشر المرح على شفاهنا؛ فهي اللحظة التي انتظرناها منذ فترة طويلة، شاء القدر أن تأتينا بكل تباشيرها وجمالها متزامنة مع رابع أيام عيد الأضحى المبارك...
شبكنا أصابع أيدينا ببعضها البعض، ومشينا باتجاه الشريط الساحلي ذهابًا وإيابًا، نعيد الكرة المرة تلو الأخرى، لا نشعر بتعبٍ أو إعياء أو ملل، قلوبنا صافية تارة توحد الله وتشكره على نعمته بأن جاد علينا بالبقاء على قيد الحياة ورؤيتنا لأحبابنا بعد طول فراق، وتارة ننشد الأناشيد التي تغازل العيد وطلته البهية سيما في بلادنا الأبية...
بقينا على هذا الحال لعدة ساعات، مضت وكأنها لحظات من شدة روعتها وجمالها؛ وفجأة استوقفنا أحد رجال الأمن وبكل أدب قدم لنا التهنئة بالعيد وطلبّ منا أن نتوقف عن المشي جهة ميناء غزة ، باستغرابٍ سألناه لماذا" فقال إنها منطقة أمنية، ولوحّ بيده إلى الزوارق الحربية ومنتدى الرئاسة الذي سُوي بالأرض؛ وأردف قائلاً " إن الإحتلال بأي لحظة قد يقصف المنطقة فتصبحنّ ضحية المشي على الساحل ، نحن لا نمنعكن من السير ولكن في المنطقة المسوح المشي ضمن حدوها !!.
تملّكتُ وقتها الشجاعة وسألته" وأنتَ آلا تخشى على نفسك وأنت تقضي العيد ولحظاته الجميلة جالسًا هنا، إنك الأقرب لعين الزوارق الباغتة؛ فقد تطالك في أي فرصة تجدها سانحة لها؟!
ضحك على خجلٍ وقال " الحامي هو الله" ثم ودعناه وانصرفنا وألستنا تلهج بالدعاء له ولكل أفراد الشرطة الفلسطينية الساهرة على راحة مواطنيها حتى في أيام العيد ...
واصلنا " الكسدرة " باتجاه الساحل ضمن المنطقة المسوح بها، شردت بذهني وحدثتُ نفسي " حتى المشي على الساحل له حدود وضوابط عند الإحتلال، ألهذا الحد وصل بنا التضييق والخناق؟؟ يا الله كم يتحمل الفلسطيني من المشقة حتى وهو يرغب في الترفيه عن نفسه المتعبة!!
ما أسوأ الواقع حينما نتأمل تفاصيله الدقيقة فنجد أنفسنا محاصرين من كل جانب من البر والبحر والجو، استبّد بي شعور الظلم فتذكرت مبادئ حقوق الإنسان التي تنص على حق الإنسان في التنقل بحرية ليس في بلده أيضًا بل في كل دول العالم؛ فعاتبت واضعيها والمروجين لها وخاطبتهم وأنا متأكدة أنهم لم يسمعوني " أين أنتم من تقييد حركة الفلسطيني في المشي على ساحل بحره الوحيد ؟؟!!
أتحدث هنا عن المشي ( الكسدرة) ولا أتحدث عن السباحة ولا عن صيد الأسماك أو ركوب اللانش ، أو الشياطة على البحر .. لا أتحدث سوى عن أبسط حق المشي على الساحل ؟ ألهذا الحد يشكل خطرًا على أمن الإحتلال الإسرائيلي ..
وبينما على حالي فإذ بإحدى صديقاتي تشد يدي بقوة، وتطلب أن ننشد سويًا " نظرة عنيك للدنيا خليها فرح وأمل وسرور" ضحكت وصفقت؛ فشعرت بالسعادة تعود إلى قلبي من جديد؛ وبإحساس التمرد ينتفض بداخلي؛ طلبتُ منه أن يكبر ويكبر وأن يتحدى ظلم الأعداء الذين يحُولون دون فرحتنا!!
وبقينا نمشي على الساحل نتحدث عن الأماني والحب والسعادة والمستقبل؛ وبينما كذلك إذ بإحدانا تتحدث عن هواجسها ومخاوفها من قدوم حرب جديدة على غزة، إنها تخشى أن يروح ضحيتها زوجها الذي اختار الجهاد في سبيل الله عملاً له..
لكننا نجحنا في طرد هذه الفكرة القاتلة من مخيلتها، بتحويل تفكيرها ونظرها إلى مشهد الغروب حيث الشمس تحتضن أمواج البحر؛ في جوٍ أقوى من كل المحاولات الهادفة إلى نزع روح الرومانسية والود من قلوبنا كبشر لنا حق في التمتع بالطبيعة وبحسن بلادنا الخلاب...
فعلى شاطئ بحر غزتنا، تكبر في قلوبنا جميعًا مشاعر العزة والشهامة، وتكبر فينا روح التحدي، تدفعنا لأن نكون أناسًا بسطاء لنا أحلام وردية، ننشد السعادة ونتلهف لمصافحتنا؛ ولهذا قررنا أن نلتقي بشكل دوري على شاطئ بحر غزة؛ فمعه يطيب التخطيط للحياة، ويعلو صوت الحب وتشتعل جذوته ...
فهنيئًا لنا بحرنا الوحيد ، متنفسنا الوحيد ، وإن كان محاصرًا تلفه الزوارق البحرية من كل جانب؛ هنيئًا لهذا البحر أنه أول من استقبل المتضامنين الأجانب والعرب على متن سفن كسر الحصار؛ هنيئًا لبحرنا تلك المشاعر الدافئة التي نكنها له صباح مساء صيف وشتاء...