مصر تغرق في الظلم والظلام
د. خليل قطاطو
■ منذ الثالث من تموز/ يوليو 2013 (الانقلاب) ومصر الكنانة تعاني من ظلم العسكر. قتل بالجملة والمجان، اهانات، اعتقالات، تعذيب، واحكام جائرة من القضاء الذي اختار ان يدور في فلك العسكر، وفتاوى عسكرية من رجالات الدين تحلل القتل، بل تحض عليه، واعلام لا يليق ان يسمى اعلاما، لا يحترم الا رأي العسكر وما عداه ارهاب يستحق المطاردة، والفتك به. المضحك ان بعض الناصريين والمحسوبين على ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011 يحذّرون الحاكم العسكري المصري، السيسي من خطر الفلول على ما يسمونه ثورة الثلاثين من يونيو/حزيران، متناسين ان هذا الرئيس ما هو الا المندوب السامي للعسكر. ربما المصري البسيط لا يسعه الا ان يخاطب هؤلاء ببداهة: «انت اهبل والا بتستهبل؟».
كأن الغلابة المصريين لم يكفهم كل هذا الكبت والقمع وارهاب العسكر، فاذا بالعسكر يوجّهون لهم اللكمة تلو الاخرى، من ارتفاع اسعار الوقود، ثم انقطاع الماء والكهرباء، اساسيات الحياة اليومية للمواطن. هؤلاء هم العسكر انفسهم الذين خدروا الناس بالوعود المعسولة من توفير الوظائف وحل مشكلات المياه والغاز والكهرباء الى الرفاهية. أليست هي نفسها، الاسباب التي دفعت العسكر ومن التف حولهم الى الاطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي (العياط كما يحلو لاحد قادة جبهة الانقاذ تسميته وكأنها شتيمة)؟ ماذا حصل، هل لحسوا وعودهم، أم كانوا قصيري نظر لم يدركوا حجم المشكلة في ركضهم نحو استلاب السلطة؟ هل نسي احد ان الرئيس السيسي، عندما كان الرئيس الفعلي في عهد الرئيس عدلي منصور، قدم اقتراحات بحل مشكلة الكهرباء ببساطة بتغيير لمبات البيوت الى اخريات ذات واط اقل؟ هل صحى الرئيس فجأة، ليكتشف انه بحاجة الى 13 مليار دولار لشراء مولدات جديدة للسنتين، او الثلاث سنوات القادمة فقط! اذا هل كان جاهلا أم انه كان فقط يضلل الشعب؟ كذبة عسكرية بيضاء. أما آن لهذا الاعلام ان يعتذر للشعب عن الاكاذيب التي صوّبها بعناية نحو الشعب المصري من باب ان مرسي والاخوان كانوا يهرّبون الغاز والوقود والكهرباء الى غزة، مما سبب انقطاع الكهرباء، الانقطاع الذي كان، للتذكير فقط، اقل حدة مما هو عليه الان. ايامها شن الاعلام المصري حملة ضد غزة بسبب هذا الافتراء.
الشعب المصري لن يصبر كثيرا على العسكر. فقر، بطالة، شبكة الماء والكهرباء اصبحت عملة صعبة ونادرة. اقتصاد منهار وديون مصر بالمليارات ( 28 مليار دولار)، وفوق كل هذا ظلم تحت جنح الظلام. هذا الشعب الذي اسقط مبارك، أليس بقادر على ان يقوم بثورته الجديدة على العسكر؟ الدولة المصرية تعاني من انهيار اقتصادي حقيقي، وعلى الجانب الاخر المؤسسة العسكرية ترفل في اثواب الغنى والمشاريع الاقتصادية الهائلة التي تتحكم بالاقتصاد المصري ـ دولة داخل الدولة.
في ميزانية مصر الجديدة (العجز فيها 240 مليار جنيه) ومع سياسات التقشف ارتفعت ميزانية المؤسسة العسكرية بمقدار 11 مليار جنيه على حساب الغلابة. العسكر يحكمون مصر ولا بد انهم يودون ان يؤمنوا مستقبلهم، في حال اطاح بهم الشعب، كما فعل قبلهم ملهمهم وقدوتهم الرئيس المعزول حسني مبارك. قد تكون ثورة الجياع او ثورة المظلومين وربما سيسمونها ثورة الارهابيين، كما سماها انور السادات من قبل بانتفاضة ومظاهرات الحرامية. بعد اتفاقية كامب ديفيد بشّر السادات المصريين بالرفاه والغنى، الذي لم يروه ابدا، او بالاصح استفادت من المرحلة فئة قليلة على حساب غالبية الشعب، على قاعدة من له يعطى ويزاد، اي الفقير ازداد فقرا والغني ازداد غنى. الزمرة الحاكمة نفسها من السادات لمبارك، واتى السيسي ليكمل الحلقة المفقوده وينقلب على اول رئيس مصري ينتخبه المصريون بحرية ولم يدعه يكمل سوى سنة واحدة من الحكم ليقدمه بعدها الى المحاكمة بتهم تصلح ان تكون نكاتا، مثل التخابر مع حماس، وافشاء اسرار الدولة لقطر وقناة الجزيرة، كأن قطر تجّهز اساطيلها لغزو مصر بمساعدة قنابل وصواريخ الجزيرة الاخبارية! لا اظن ان الشعب المصري سيسمح باستكمال هذه المهزلة.
فزورة: كانت مصر تورّد الغاز لاسرائيل بتراب الفلوس، الان اسرائيل مستعدة لتزويد مصر بالغاز! هل يعني هذا ان اسرائيل طوال العقود الماضية خزّنت كل هذا الغاز المصري الوفير والرخيص والان تبيعه لمصر، طبعا بسعر السوق؟