هل أعطى وعد بلفور الشرعية لليهود في فلسطين؟

د.عصام محمد علي عدوان

هل أعطى وعد بلفور الشرعية لليهود في فلسطين؟

د.عصام محمد علي عدوان *

[email protected]

أصدر وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفور في 2 نوفمبر 1917م تصريحه المشئوم الذي اشتُهر كوعد التزمت به بريطانيا تجاه الحركة الصهيونية بجعل فلسطين وطناً قومياً لليهود. وقد سعت بريطانيا لكسب الشرعية لهذا الوعد فلجأت لعصبة الأمم التي أقرت بدوْرها الوعد وكلّفت بريطانيا بإدارة فلسطين لتنفيذه. لكن بريطانيا والحركة الصهيونية كانتا تدركان أن الشرعية الحقيقية تؤخذ من أحد سبيلين: إقرار الدولة العثمانية صاحبة السيادة الشرعية على فلسطين قُبيل الاحتلال البريطاني، والشعب العربي في فلسطين. ولذلك فقد تحركت بريطانيا في هذين السبيلين.

فبإيعاز من الحركة الصهيونية، أدرجت بريطانيا بنداً في معاهدة سيفر، وهي اتفاقية الهزيمة التي فرضها الحلفاء على تركيا في عام 1919م، يتعلق بقبول تركيا لمضمون وعد بلفور، غير أن تركيا المهزومة رفضت التوقيع على الاتفاقية وفيها هذا البند، والتزمت موقفها ذاك حتى اضطرت بريطانيا إلى حذف هذا البند ومن ثمَّ وقّعت تركيا الاتفاقية في عام 1923م. وبالتالي لم يحصل وعد بلفور على الشرعية القانونية. تماماً كما لم يفرِّط بها من قبل: السلطان عبد الحميد الثاني لقاء ملايين الليرات الذهبية، بل ضحى بمُلْكه مقابل هذا الموقف المشَرِّف.

أما الشعب العربي الفلسطيني فقد عبّر مراراً عن رفضه التام لوعد بلفور وما يترتب عليه عبر المذكرات والبيانات والمؤتمرات الوطنية وعبر لجان التحقيق المتتابعة خلال فترة الحكم البريطاني. وقد سعت بريطانيا مراراً للالتفاف على إرادة الشعب الفلسطيني عبر مشروع تشكيل المجلس التشريعي والمجلس الاستشاري عام 1923م، وعبر مشاريع التقسيم البريطانية: بيل و وودهيد وموريسون وبيفن ثم اللجنة الأنجلو أميركية فلجنة التحقيق الدولية، انتهاءً بقرار تقسيم فلسطين الصادر في 29 نوفمبر 1947م.

لقد ضحّى الشعب العربي في فلسطين تضحيات جسيمة في سبيل رفض فكرة مشاركة اليهود للفلسطينيين في أرض فلسطين المباركة. وظل حجر عثرة في طريق مشاريع التسوية السياسية التي تهدف إلى تطبيق وعد بلفور بطرق شتّى كبروتوكول لوزان وقرار 242 ومبادرة روجرز ومبادرة ريغان واتفاقية كامب ديفيد ومشروع الملك فهد وقمة فاس العربية وقمة بيروت العربية المبنية على مبادرة الأمير عبد الله. وكلها محاولات يائسة لإقرار وضع اليهود في فلسطين على اغتصابهم والاعتراف بهم، تماماً كوعد بلفور. غير أنها جميعاً لم تكن بأيدٍ فلسطينية، أي أنها لا ترقى لمستوى إقرار حق اليهود بشكل شرعي وقانوني.

إن الشعب الفلسطيني وقياداته السياسية لمدعوون إلى الحفاظ على حق الأجيال القادمة في وطنهم فلسطين دون تخلٍ عن حقهم أو الإقرار بحق اليهود فيها. وفي اللحظة التي يعترف فيها الفلسطينيون بإسرائيل كدولة شرعية في فلسطين، سيضحك بلفور في قبره، وتكون الجريمة قد اكتملت!!!

         

* أستاذ القضية الفلسطينية في جامعة القدس المفتوحة- غزة