الأخوة الإسلامية وعودة الروح للحضارة الإسلامية
الأخوة الإسلامية وعودة الروح للحضارة الإسلامية
انتصار شعير
الإسكندرية ـ مصر
الأخوة الإسلامية هى شعور وجدانى بالحب والعدل والمساواة والمساندة وشد العضد بين المسلمين أفراداً كانوا أو جماعات أو حتى دولاً إسلامية , وهى قانون من قوانين الحياة التى وضعها رب الكون لتنظيم وتنسيق الحياة , وعلاقة من أرقى العلاقات وأدومها بين المسلمين حيث جعلت مصدر النسب للبشر هو الإسلام , ودليل وعلامة من علامات الإيمان فقال سبحانه ’’ إنما المؤمنون إخوة ’’ ( سورة الحجرات _ الآية 10 ) , طبقها سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم مع أصحابه ورغبهم فيها وسن لها قواعداً وأصولاً لإقامتها بين المسلمين ومن ثم الحفاظ عليها , وكانت أول خطوة بعد بناء المسجد فى المدينة المنورة هى ترسيخ روح الأخوة فى أول مجتمع إسلامى عرفه التاريخ , ومن أحاديثه العديدة عن الأخوة : ’’ المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان فى حاجة أخيه كان الله فى حاجته ومن فرج عن مسلم فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة ’’ ( خرج فى الصحيحين ) , ومن هذا الأساس كانت روعة البناء وكانت أعظم حضارة ومنارةً اقتبس منها العالم نور الحياة , وأصبح الإسلام بحق منهجاً ناجحاً للحياة يسعد البشرية فى الدنيا والآخرة
وإذا كانت الحضارة هى ثمرة التفاعل بين الإنسان والكون والحياة , وهى تتشكل من جسم وروح , الجسم فيها هو القوة و الرؤية نحو مستقبل أفضل والمنجزات المادية المتمثلة فى المصانع والطائرات والعمران وما شابه ذلك , والروح فيها هى العقائد والقيم والأخلاق والمبادئ الإنسانية المتجسدة فى سلوكيات الأفراد والجماعات , فالأخوة الإسلامية تكون بمثابة عودة الروح للحضارة الإسلامية
الإنسان هو صانع الحضارات
الإنسان هو العنصر الأساسى فى بناء الحضارات , وهذا ما اتفق عليه الباحثون فى مقومات الحضارات على مر العصور , الإنسان هو الذى يستطيع استثمار الطاقات وهو مصدر الإرتقاء , وما الموارد المادية إلا أسباب وأدوات إذا استغلها الإنسان بحسن تفكيره وإدارته مع سمو أخلاقه وغايته وفى إطار سلام نفسى تجاه الآخرين سنجد العجب العجاب فى الإنتاج وفى استقامة الحياة , وهذا ما فعله الإسلام الذى كرم الإنسان وسخر له ربه الكون بكل ما فيه فقال سبحانه : ’’ ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم فى البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ’’ ( سورة الإسراء _ الآية 70 ) ومن هنا كانت عناية ورعاية الإسلام للإنسان , وتنظيم علاقاته على الوجه الذى يجعله قادراً بل وبارعاً فى فن إدارة الحياة , ومن فنون الإدارة تجميع الناس على هدف يعملون من أجل تحقيقه , وهل هناك غاية وهدف أسمى من رضا الله عز وجل وبعده يأتى تحقيق مصالح العباد بأقصر وأنسب الطرق ألا وهى شرع الله , ومن فنون الإدارة أيضاً تحقيق روح الألفة بين العاملين وذلك لتحقيق أعلى إنتاجية , وهل أرقى من شعور الأخوة يجمع بين المسلمين ويصلح ذات بينهم ويؤلف بين قلوبهم ’’ لو أنفقت ما فى الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم ’’ ( سورة الأنفال _ الآية 63 ) ... فهذا هو الإسلام أيها الناس ’’ صنع الله الذى أتقن كل شئ ’’ ( سورة النمل _ الآية 88 ) , الإسلام أكمل منظومة دقة نظام الكون بنظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعاً
أين نحن اليوم بين الأمم ؟
إن من يتدبر حال الأمة الإسلامية اليوم وضياعها بين الأمم يدرك قيمة العمل من أجل جمع شمل المسلمين وأيضاً يدرك أننا نملك كل عناصر الحضارة لكننا لا نحسن استثمارها , ففى العصر الذى يتجه فيه العالم لتكوين اتحادات كومفيدرالية وفيدرالية إيماناً منه أن الإتحاد قوة والتفرق ضعف نبحث عن أمتنا فلا نجد إلا الشتات والخلاف والذل والهوان قد أصبحوا عنواناً لأطلال أمة تقول كانت هنا حضارة ضيعها أبناؤها
الأخوة الإسلامية استيراتيجية نحو وحدة إسلامية قوية
إذا كان تحقيق المصالح وراء هذه الاتحادات الدولية لمواجهة تحديات العصر التى أصبحت صراعاً نحو القوة فنحن أحوج مانكون إليها , فالتشريع الإسلامى يوافق العمل من أجل مصالح العباد مادامت فى حدود شرع الله , وهناك مقولة لشيخ الإسلام ابن تيمية تقول ’’ حيثما كانت المصلحة فثم شرع الله ’’ , فإن كانت الدنيا سبباً فى وحدة كلمتهم فالدنيا والآخرة بالإسلام الحق والعدل يكونان سبباً فى وحدتنا وجمع شمل أمتنا والحفاظ على هويتنا الإسلامية
الأخوة الإسلامية إطارٌ وفن ٌمن فنون إدارة الخلاف
يقول الفقيه الدكتور جابر العلوانى فى كتابه القيم { آداب الخلاف } : إن من أهم الواجبات أن يدرك الجميع أن أخوة الإسلام ووحدة صفوف المسلمين المخلصين والحفاظ عليها ونبذ كل ما يسئ إليها أو يضعف من عراها فريضة من أهم الفرائض وعبادة من أهم العبادات وقربة من أفضل القربات ولذلك فإن التفريط فى الأخوة الإسلامية أو المساس بها لمجرد اختلاف فى الرأى أمر لايجوز لمسلم أن يقع فيه أو أن يسقط فى شراكه , كما أن هناك مراتب للمنهيات يقع النيل من الأخوة فى مقدمتها , لذلك فإن علماء السلف كثيراً ما يفعلون المفضول ويتركون الأفضل منه مراعاةً للائتلاف وخروجاً من الخلاف وقد يتركون المندوب فى نظرهم ويفعلون الجائز تحقيقاً لذلك .. ولقد كانت أخوة الإسلام بين الصحابة أصلاً من أصول الإسلام التى لا قيام للإسلام إلابها وهى فوق الخلاف أو الوفاق فى المسائل الاجتهادية .
وهذا يوضح أنها علاقة من أرقى وأنجح العلاقات التى نظمها لنا الحكيم الخبير وصدق قول الله العظيم : ’’ ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا ’’ ( سورة الأنفال _ الآية 46 )
الأخوة هى وسيلة انتصار الأمة وبيئة صحية للحفاظ على عزتها
إن تحقيق الأخوة الإسلامية بين الأفراد والمجتمعات ومن ثم الدول الإسلامية يعتبر من أولويات الأهداف التى تؤدى إلى انتصار الأمة على أعدائها , وهى الطريق الأمثل للوقوف صفاً واحداً قوياً كالبنيان المرصوص يذود عنها مكائد النزاع وبراثن الفرقة ويحميها من الوقوع فى خندق التقوقع والانفراد لتكون فريسة وصيداً سهلاً لكل من تسول له نفسه ذلك وهذا ما يحدث بالفعل لفلسطين من احتلال وحصار لغزة وقتل ودمار وتجويع للأطفال والنساء وتهويد للقدس واعتداء على حرمة المسجد الأقصى ومحاولة هدمه وما يقابله من عجز الأمة عن الدفاع أو اتخاذ موقف موحد وحازم فى مواجهة هذا الظلم , وما آل إليه حال العراق هو الآخر نموذج ونتيجة بعد أمتنا عن المنهج الذى أنزله الله وجعله قرآناً يتلى إلى أن تقوم الساعة فهل من عودة لروح الأخوة الإسلامية تسرى فى جسد الأمة فتحيا من جديد فى ظل عزة الإسلام
الإيمان والحب أولى الخطوات على طريق الأخوة الإسلامية
رحم الله الإمام حسن البنا الذى قال ’’ ونحب أن يعلم قومنا أنهم أحب إلينا من أنفسنا ’’ ... فإذا كان الحب نابعٌ من الإيمان بالله وتنفيذاً لأمره سبحانه فهو الطريق لأخوة صادقة تؤدى إلى وحدة صفوف المسلمين وجمع شملهم التى بدورها تنقلنا إلى نصرة الإسلام وعزة المسلمين ... فمن قلوبنا .. من قلوب تحب كل خلق الله وتتمنى الخير لكل خلق الله لأنهم من صنع الله .. يا قومنا أنتم أحب إلينا من أنفسنا .