رسائل الإصلاح 22
رسائل الإصلاح
(22)
الزيارة في الله وآثارها التربوية على المجتمع المسلم
د. موسى الإبراهيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد،
فقد صح في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". رواه البخاري.
ومن التأمل في هذا الحديث النبوي وأمثاله ندرك الحالة التي ينبغى أن يكون عليها المجتمع المسلم، لقد أراد الله للأمة الإسلامية أن تكون خير أمة أخرجت للناس، وإن هذه الخيريّة لا تكون بالزعم والادّعاء كما لن تكون تبعاً لعرق أو دم يسري في الشعوب ولا لمجرد النسب والانتماء بل تتحقق الخيرية على الناس عندما تكون هذه الأمة متمثلة بالسمات والأخلاق التي تميزها عن الآخرين وتدل على صحة انتمائها لهذا الإسلام العظيم.
ومن أهم تلك السمات التواد والتراحم والتعاطف والتعاون والتكافل ولن تكون هذه القيم شعارات ترفع بل حقائق تلمس وتحس ويراها الرائي في كل حين حية بين فئات الأمة المسلمة الخيرة.
ولا يتم ذلك إلا إذا كان شعور الأمة الإسلامية حياً، ومشاعرها جياشة، وقلبها ينبض بالحياة وبالاهتمام بحال الأمة وهمومها وواقعها والحرص على النهوض بموقعها إلى المكانة الكريمة اللائقة التي يريدها الله لهذه الأمة العظيمة.
ولعل من أهم ما يساعد على الوصول إلى هذه المعاني الرائدة السير في الأرض والتجوال في المجتمعات وإمعان النظر في حال الأمة الإسلامية وهمومها ومشكلاتها واحتياجاتها ثم العزم على الوفاء بحقوق الأخوة الإسلامية والقيام بالاستحقاقات التي يمليها الواجب الشرعي، والمنطق العقلي، والرجولة الإنسانية والفطرة السليمة. أما الانطوائية السلبية وحبس النفس في إطار المصالح الشخصية والاحتياجات الفردية فتلك أنانية مرفوضة في السلوك الإسلامي وبين الأمم المتحضّرة الراقية.
ومن هنا فقد حث الإسلام على التزاور والتواصل وجعله سببا للوصول إلى مرضاة الله تعالى ومحبته والذكر الحسن في الملأ الأعلى. فهذا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: "من عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله ناداه منادٍ أن طبتَ وطاب ممشاك وتبوأتَ من الجنة منزلاً". رواه الترمذي وحسّنه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً زار أخاً له في قرية فأرصد الله عز وجل على مدرجته ملَكاً فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه نعمة تربها (تطلبها)؟ قال: لا غير أني أحببته في الله تعالى، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته. رواه مسلم.
وهكذا ينبغي أن يكون الدافع للمسلم في كل شؤونه الإخلاص لله وحب الخير للناس امتثالاً لأمر الله تعالى ولعل من خير ما أختم به هذه الخاطرة كلمات من شعر الحكمة للإمام الشافعي رحمه الله تعالى إذ يقول:
تغرّب عن الأوطان في طلب العلى و سافر ففي الأسفار خمس فوائدِ
تفّـرّج هـمٍّ و اكـتساب معـيشةٍ وعـلم وآداب وصحـبة ماجـدِ
هذا والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم