الأدب الإسلامي
امحمد رحماني
لا يشك أحد في أن للكلمة قيمة في الإسلام وتحتل مكانا مرموقا فيه ، حتى أن الله سبحانه أقسم بوسيلة بسطها على الأوراق فقال ( نون والقلم وما يسطرون )(1) بل قد ضرب فيها مثالا بكلتى قسميها الحسن والسيئ أو كما ورد الطيب والخبيث ( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها )(2) والمتمعن في الآية الكريمة يخلص إلى أمور تحدد مفهوم الأدب الإسلامي من خلال الاستقراء التام لظاهر وباطن الآية حسب قواعد الأصوليين في قراءة النص القرآني ، من ذلك قول الله سبحانه ( كلمة طيبة كشجرة طيبة )(2) فتشبيه الكلمة بالشجرة هو تشبيه جمالي فائق الروعة في كيفية الاستدلال الدلالي على المنطوق اللفظي ، والكلمة أدب ، وتشبيه الكلمة بالشجرة هو من طريق آخر تشبيه للأدب بها ، والشجرة اسم لفظي لحدث فعلي في الطبيعة ، وهو ما يدل على أن من ميزة الأدب الطيب الجمال والقيم والأخلاق ، فكون الشجرة ذات أغصان متعرجة ومستقيمة ومتناثرة في آن واحد هو دليل على أمر وحيد في ذاته من خلال طريقة صنعه ، حتى إن الشجرة لا تشبه الشجرة وإن كانت مغروسة قربها فطريقة تشكيل الأغصان في الشجرة كالبصمة عند الإنسان
فكون الشجرة بتلك الصفة هو دلالة على جمال فريد .
والشجرة لا يضر منبتها في تربة غرست فيها ولا تستنزف فرشاة مائية كانت فوقها بل تحمي من انجراف التربة وتدل على الماء ولا تؤذي إنسانا ولا حيوانا فالكل يستظل بظلها وينعم بوجودها . فكون الشجرة بتلك الصفة هو دلالة على القيم ( السلم – الأمان –الإيجابية ) .
والشجرة اجتماعية الطبع تأخذ ثاني أوكسيد الكربون وتعطينا الأوكسجين وفي الليل تخفض إنتاج الأوكسجين لانخفاض معدل استهلاك الإنسان للأكسجين ليلا .
فكون الشجرة بتلك الصفة هو دلالة على الأخلاق.
إذا ففي الشجرة جمال وقيم وأخلاق، وتشبيه الكلمة بالشجرة هو تشبيه للخصائص المميزة بالدرجة الأولى ، وكون الأدب هو الكلمة فهو تمرير ميزات الكلمة للأدب .
والطيبوبة دين والدين حق ولا حق إلا في الإسلام ، فلا طيبوبة إلا في الإسلام بل إن الطيبوبة هي الإسلام ، فتلك طيبة وهي المدينة ، وذلك رسول الله طيب النفس أي طاهرها ، وطيب المسك أجوده وأحسنه ، والمؤمن صاحب القرآن كالأترجة ريحها طيب وطعمها طيب .
بذلك فالكلمة الطيبة أدب إسلامي ، وكون الكلمة الطيبة ذات جمال وقيم وأخلاق ، فذلك تعريف للأدب الإسلامي دون خلاف إذ أن الأدب الإسلامي أدب جمال وقيم وأخلاق .
والشجرة لا يحدها مكان فأينما ذهبت إلا ووجدت أصلها ثابت وفرعها في السماء ، ولا يحدها زمان فتلك أشجار لا يعرف عمرها من كثرة تعاقب السنيين عليها ( تؤتي أكلها كل حين )(2) كل وقت ، وخلقت للإنسان والحيوان ، للإنسان بكل أنواعه وأجناسه العربي وغيره المسلم وغيره ، كل يستفيد منها والحيوان كذلك فمرة بظلها ومرة بأغصانها ومرة بخشبها فهي غير محدودة العطاء ، لا يحدها مكان ولا زمان ولا نوعية عطاء ، وكذلك الأدب الإسلامي ميزته أنه ينطلق من قيم جمالية وفكرية وأخلاقية ، فهو لا يحده زمان ولا يحصره مكان ولا يختص بعطاء فجماليته الكبرى أنه أدب إسلامي حر تمتد سلطته إلى أي مكان وصل إليه وقادر على استيعاب أي لغة قادرة على استيعابه كالشجرة تعطي لكل من طلبها .
والشجرة ربما جرفها سيل أو قطعتها ريح أو ضرها إنسان وهذا ليس بسبب ضعفها أو قلة قوتها وإنما بسبب ما يدور حولها من ظروف فإما وجدت على مكان عال وإما على تربة ضعيفة ، بمعنى أن ضعفها مرتبط بظروفها لا بذاتها ، وكذلك الأدب الإسلامي شبيه بها لمن تمعنه وتدبره ، فتلك قصيدة ليس لها ميزان أو نثر ضعيف اللغة أو القيمة فهذا سببه ضعف الكاتب لا ضعف الأدب ، وتلك القصيدة مصيبتها ضعف الشاعر لا ضعف الشعر ، فضعف الأدب الإسلامي مرده لمن شكله وهندسه لا إلى ذات الأدب واصله ، مرده للأديب لا الأدب .
وقد قلت :
ضل الأديب لا ضل الأدب كذاك قل لنص خر صاحبه وانتدب
* - باحث مغربي .
1 – سورة القلم الآية 01 .
2 – سورة إبراهيم الآية 24 – 25 .