تزويرُ التاريخِ .... مهمةٌ رئيسةٌ للإعلامِ العربيِّ الرسميِّ
تزويرُ التاريخِ .... مهمةٌ رئيسةٌ للإعلامِ العربيِّ الرسميِّ
سيد قطب |
محمد عبد المجيد الصاوي |
سيد قطب ..من منَّا لم يسرْ في (معالم الطريق) التي رسمها ، من ذاك الذي لم يتفيأ (ظلال القرآن) في خميلته الوارفة ، معه أدركنا أن (المستقبل لهذا الدين) ، ورأينا (أمريكا من الداخل) على حقيقتها البشعة منذ نصف قرن كما رآها بعين المؤمن نافذ البصيرة .
سيد قطب رائد الفكر وشهيد الرأي والحق غدا وفي غمضة عين – لدى إحدى الفضائيات المصرية – بوقًا للثورة ، دخيلاً على جماعة الإخوان ، منافقا ومتزلفا ...ومتملقا ، فَصَيَّرَتْهُ مسخا مشوها حسب ما أوردته في برنامج تناول تلك الحقبة !!!.
فالشهيد سيد قطب وحسب ما أوردته تلك الفضائية تملَّقَ الثورة وتزلف لجمال عبد الناصر ووضع الشعارات وصاغ المبادئ السامية التي حاد عنها – سيد – وبذا فهو بوقٌ ناعقٌ !! وعندما افْتُضِحَ أمرُه لدى رجال الثورة الأوفياء ؛ ولَّى قبلتَه شطر الإخوان المسلمين !! فأدرك المخلصون فيها - أمثال "الباقوري" الذي سال لعابه لِلُعاعة الدنيا بمجرد أن لوَّح له الطاغية فتولَّى الوزارة التي رفض الإخوانُ دخولَها وتخلَّى عن البيعة بذات الليلة – أدركوا كذبه ونفاقه وجدوا في النصح للجماعة بأن تلفظه !!. وهكذا بات الشهيد مثار جدل بين الإخوان لكنه سرعان ما نفذ إلى عقر دارهم وتولى أعلى المناصب لديهم ، فدخل السجن معهم !!، وفي السجن لم ينسَ له جمال خِدْماتِه الجليلة للثورة ؛ فأكرمه وأحسن نزله – داخل السجن – ووفَّر له كل ما يحتاجه لتأليف كتبه . ثم منَّ عليه بعفو صحي – بعد عشر سنوات من الاعتقال - !! .
لكنَ سيد لم يحفظ الجميل فعمل على قلب نظام الحكم ؛ جمع الأسلحة وأعدَّ الرجال ، لكن عين الثورة كانت له بالمرصاد فزج به ثانية في السجن لينال جزاء نواياه ؛ فحكم عليه بالإعدام !!!! .
هكذا الإعلام العربي عندما يفتح النافذة على التاريخ... يزوره بقلب الحقائق وتزييفها ليصبح الضحية جلادا والأبرياء مجرمون دعاة فتنة !!!!
الشهيد سيد قطب الذي قدم جليل الخدمات للثورة قبل قيامها وبعد قيامها ، عندما بدت أملا للشعب في خلاصه من الظلمات ، مثله مثل جماعة الإخوان التي دعمت الثورة وأوصلتها لسدة الحكم ، ولكن عندما استفرد "جمال" بالحكم كاشفا عن نواياه بأن يغدو حاكما خالدا مسيطرا " يضغط على زر فيقف الشعبُ ويضغط على زر آخر فيقعدَ الشعبُ " منكرا بيعته للإخوان ، ابتعد سيد كما ابتعد الإخوان ، ونصحوا له لكن أنَّا يجدي النصح مع من أعمى بريق المنصب عينيه ولم يرَ الثورةَ إلا بوابةً لتحقيق نزواته بأن يصبح إلهً يعبد من دون الله .
سيد قطب الذي أحب الإخوان وأحبوه فأكرموه لعلمه ومكانته وصدقه ، فأبى أصحاب النفوس المريضة إلا أن يزعزعوا ثقة الإخوان به ... ولكن الله فضحهم ، فأسفروا عن وجههم القبيح فجاهروا بالعداء منادين بخلع المرشد " حسن الهضيبي " بعد أن سيطروا على المركز العام للجماعة في ليلة الجمعة التي يكون المركز فيها خاليا .. فرد الله كيدهم وأفشل مخططهم .
سيد قطب الذي عانى أشد المعاناة في سجون ناصر ،فلم يأبهوا بمرضه ولا بتقدم عمره ، والذي كان يخرج ما يخطه من مؤلفاته بكل سرية وكتمان .
سيد قطب والذي عند خروجه من السجن بعد عشرة أعوام من العذاب ، سعى للملمة شعث الجماعة ؛ فعمل مع رفيق سجنه وشقيق روحه الشهيد يوسف طلعت على بث الروح من جديد في كيان الجماعة ، فعلمت أجهزة المخابرات الناصرية – التي أحصتْ على مواطنيها أنفاسَهم – بذلك فبثت أحد عملائها ليقنع الشهيدين " سيد ويوسف " بضرورة شراء صفقة أسلحة من السودان كان هدف الشهيدين من وراء شرائها استخدامها في حالة الجهاد - ضد أي غاصب ومحتل خارجي للبلاد – وقبل وصول الصفقة الوهمية ألقي القبض عليهم ليواجهوا حكم الإعدام فالتهمة أعدت بدقة وكذلك شهود الزور قد أتقنوا فصول اللعبة .
وعند ليلة تنفيذ الحكم أرسل الملك " فيصل بن عبد العزيز " رحمه الله موفدا من قبله إلى "جمال" ؛ لِيَحولَ دون تنفيذ الحكم بأن يفتدي الملك فيصل سيد قطب بأي ثمن يريده "جمال" ، فما كان من الطاغية إلا أن استهزأ بهذه الوساطة قائلا : أبلغوا الموفد أنكم لم تستطيعوا الاتصال بي أو الوصول إليَّ .. ونَفِّذوا الحكم في الفجر .. " .
وهكذا مضى الشهيد سيد قطب بعد أن أبى أن يقر لظالم لتبقى شهادته دليلا على الطغيان والدكتاتورية الناصرية وتلك الحقبة السوداء التي يصفها المنصفين بـ " الربيع الكاذب " الذي أفاقت الأمة من زيفه على كارثة " يونيو " 1967 لتعلم أي كذب دلس عليها .
من الطبيعي أن يظَّلَ هؤلاء الطواغيت رموزاً وقادة عظاما أفذاذا فيما يقدمه الإعلام العربي عندما يتناول عهدهم " الزاهي" !!. فببقائهم زعماءَ العروبة والقومية وتبرير جرائمهم وستر سوءاتهم وإضفاء هالة القداسة عليهم بقاءٌ للنظم القائمة وخدمة لأهدافها .
لكنَّ التاريخَ لا يُزَيَّفُ ؛ فحقائق تلك الحقبة سجلتها كتب الإخوان ومذكرات رجال الثورة والمقربون من الحكام وهي من المصداقية والموضوعية بمكان وكذلك الانتشار، ويوما ما سيطرحها الإعلام النظيف والفضائيات الشريفة ؛ فنسأل الله ألا يطول الانتظار .
محمد عبد المجيد الصاوي . ـ غزة ـ فلسطين.
ملاحظة _ من المراجع التي اعتمد كاتب المقال عليها :
(الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ)" ج 3 " لمحمود عبد الحليم _(سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد) للدكتور عبد الفتاح الخالدي