نكبة فلسطين

د. نعيم محمد عبد الغني

ونبض الشعراء العرب

د. نعيم محمد عبد الغني

[email protected]

في ذكرى نكبة فلسطين يعتصر الناس آلامهم على أرضهم المسلوبة، وقضيتهم المنكوبة، جالسين على رصيف الصبر، وكلهم  عزم وإصرار على أن الحق لا يضيع وإن تأخر، وأن الظالم مهما طغى وتجبر، فإنه سيهزم ويدحر، فإن النصر مع الصبر، وإن مع العسر يسرا؛ فمن من رحم الآلام تولد الآمال، ومن الشدة يأتي الرخاء، ومن الضيق يأتي الفرج.

تلك المعاني كانت إجمالا لما قيل في نكبة فلسطين على مدى ستين عاما، وإن أتت في مناسبات متعددة ومن شعراء يصعب علينا حصرهم؛ لكثرتهم عددا وتنوعهم في طريقة طرح القضية الفلسطينية في شعرهم؛ مما أنتج أدبا خاصا جمعه بعض المؤرخين والنقاد في أسفار خاصة بهذه القضية كالدكتور جابر قميحة الذي ألف سلسلة من الكتب ما زالت تتوالى إصداراتها حتى اليوم من مركز الإعلام العربي بالقاهرة تحت عنوان (أدبيات الأقصى والدم الفلسطيني).

لقد بدأت هذه النكبة بوعد بلفور الذي أعطى من لا يملك لمن لا يستحق، فقسمت أرض فلسطين بسببه لتبدأ رحلة المعاناة الفلسطينية والعربية، ذلك الوعد الذي وصفه محي الدين الحاج بقوله:

كم كان وعدك يا بلفور مشأمة****أعوذ بالله من شؤم المواعيـد

إن شؤم هذا الوعد الذي ظلم الفلسطينيين فاستلب أرضهم وانتهك عرضهم في ظلم بين، جعل كثيرا من الشعراء يثورون لهذا الظلم السافر، ومن هؤلاء الشعراء علي محمود طه الذي قال قصيدة (أخي جاوز الظالمون المدى) في سنة النكبة ليمر عليها ستون عاما؛ ليتردد ذكرها ما ترددت المأساة، في بكاء وشجن، يقول علي محمود طه:   

 أخي، جاوز الظالمون المـدى        فحقَّ  الجهادُ،  وحقَّ الفـِدا

أنتركهُمْ يغصبونَ العُروبــةَ            مجد الأبوَّةِ والســـؤددا؟

لقد دى علي محمود طه في هذه القصيدة التي قالها في سنة النكبة بأن ساعة الجهاد قد حانت، فتأخره لن يفيد الأمة فقال:

فجرِّدْ حسامَكَ من غمــدِهِِ

فليس له بعد أن يغمدا

أخي أيها العربي الأبي

أرى اليوم موعدنا لا الغدا

ويظل الشاعر علي محمود طه في تحميسه للدفاع عن أرض فلسطين وعن القدس الشريف مناديا ومحمسا إلى أن يقول:

فلسطين يفدي حماك الشباب

وجل الفدائي والمفتدى

فلسطين تحميك منا الصدور

فإما الحياة وإما الردى.

ولكن الجيوش العربية تفشل في الدفاع عن فلسطين في عام النكبة سنة 1948، ولكن الأمل يتجدد عند الشعراء بأن فلسطين سترجع مرة أخرى يقول هارون هاشم رشيد:

غدا يوم انطلاق الشعب

يوم الوثبة الكبرى

فلسطين التي ذهبت

سترجع مرة أخرى

وفي سبيل ذلك الرجوع ينادي الشعراء أمة العرب بالتوحد للنضال، وتتوالى صيحاتهم مناشدين الساسة بترك الأحقاد والضغائن، ومن هذه النداءات نداء الشاعر نجيب الكيلاني الذي يقول:

يا ساسة العرب هبوا للنضال معا

ثم اتركوا بالي الأحقاد والتهم

لكن بعض الشعراء يأسف من تخاذل البعض تجاه القضية من أولئك الذين حسبوا أن المؤتمرات السياسية هي حل لقضيتهم ناسين أو متناسين أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة؛ فلا جدوى إذا من هذه المؤتمرات، فالتاريخ يقول بأن إسرائيل لم تف بتعهداتها في مؤتمراتها السابقة؛ فكيف يصدقونها؟ ومن الذين عبروا عن هذه النظرة الشاعر الفلسطيني سامر سكيك  بقوله:

ما عاد يجدي الساكرينَ المشرَبُ

يا أيها/span> السِّلمُ الزهيدُ الخائــبُ

 والعهد ولى مثل شمسٍ تغـرُبُ

كيف احترمنا عهدَ جنسٍ خائنٍ

كانت أنوفُ العزِّ نصراً تطلـُبُ

ويقف أحد الشعراء نظرة موضوعية تجاه هذه المؤتمرات مبينا أن العرب يحبون السلام ولا يحبون الحروب، ولكن السلام المبني على الحق لا السلام الذي يخادع العرب والمسلمين ليستلب حقوقهم تحت اسم السلام، فيقول:

حال أمتنا حال عجيبة

وهي لعمر الله بائسة كئيبة

يجتاحها الطوفان طوفان المؤامرة الرهيبة

ويخطط المتآمرون كي يوقعوها في المصيبة

وسيحفرون لها قبوراً ضمن خطتهم رحيبة

قالوا: السلام قلت يعود الأهل للأرض السليبة

وسيلبس الأقصى بعد  أثواباً قشيبة

ففإذا سلامهم هو التنازل عن القدس الحبيبة

فبئس سلامهم إذاً وبئست هذه الخطط المريبة

ويشن أحمد مطر حملة على الساسة متهما إياهم بضياع القدس بتلك المؤتمرات فيقول:/span>

يا قدس معذرة

ومثلي ليس يعتذر

ما لي حيلة فالأمر ما أمروا

وأنا ضعيف على السمع والبصر

إلى أن يقول:

فالحرب أغنية يجن بلحنها الوتر

والسلم مختصر

سساق على ساق وأقداح يعرش فوقها الخَدَرُ

...ويكون مؤتمر

هزي إليك بجذع مؤتمر

 أما تناول القضية الفلسطينية من خلال الأحداث الكبرى التي تمثلت في المذابح الجماعية وقتل النساء والأطفال والشيوخ ورموز الجهاد الوطني فإنها كثيرة جدا، ومنها جاءت معاني وصور مبتكرة في الشعر العربي، فمثلا نجد مقارنة بين كرسي أحمد ياسين الذي استشهد عليه وكراسي الحكام عند الدكتور جابر قميحة فيقول:

أحمدُ ياسينُ" سَمِيُّ المُصطفَى شَرُفَت

بِهِ العروبَةُ واخضرَّت بَوَادِينَا

 شيخٌ قعيدٌ وفِي الإيمانِ قوَّتُه  

لَم يعرِف العَجزَ والإذعَانَ واللِّينَا 

يُحَقِّقُ النَّصرَ مِن كُرسيِّهِ أبَدًا                     /span>

 فأينَ مِنهُ "كراسٍ" حُكِّمت فِينَا؟!

 عروشُ ظلمٍ تولاَّها أباطرةٌ                      

عَلَى الهزِيمَةِ مَا زالوا مُقيمينَا

أما الشاعر عبد الله رمضان فيصف كرسي أحمد ياسن بالسمو فيقول في قصيدة سلام عليك وليس عليهم سلام:

فلا تنسنا عندَ ربِّك

ولا تنسهم من شكاتك

فكُرْسِيكَ أسمى

وكلُّ الكراسِي وَضِيعَةْ

وكُرْسِيكَ أَبْقَى

وكُلُّ الكَرَاسِي صَنِيعَةْ

فلا تَبْتَئِسْ مِنْ أُولاء

فهُمْ مِنْ هَبَاء

ولن تستمرَّ البلاهة

ولن يستطيلَ الغباء

تلكم كانت مختارات من قصائد شعرية قيلت منذ النكبة الفلسطينية وحتى الآن من شعراء اختلفت أعمارهم وأماكنهم، ولكن توحدت أغراضهم ما بين بكاء على ما حل بنا من نكبة، وما بين أمل في استشراف النصر، نتذاكرها ونحن نتجرع مرارة الآلام في هذه الأيام، واثقين بأن الله سجعل لنا مخرجا فتعلو رايتنا، وترد أرضنا، ويحمى عرضنا ويعود القدس لنا (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم، وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم).