حقيقة الحقائق وبشهادات اليهود...

حقيقة الحقائق وبشهادات اليهود...

الفلسطينيون لم يبيعوا أرضهم كما روَّجت العصابات الصهيونية

صلاح رشيد /مصر

[email protected]

 أوهام صارت واقعاً مغلوطاً خارجاً على الأديان والأعراف والتاريخ والجغرافيا، وخزعبلات تحوَّلت بالمكر والخديعة، وسلاح شراء الذمم، وسياسة الاغتصاب، والتشويه والتزوير إلى واقع بئيس يُحاصر العرب. ويغرس خنجره المسموم في أنف المنطقة. ويدس أفكاره الباطلة في سياسة العالم، وكائن لقيط لا أب له ولا جد يسرق أمجادنا وتراثنا. تلك هي (إسرائيل) الزائفة التي ليس لها تاريخ ولا جغرافيا ولا هوية في فلسطين؛ لكنها تجرأت على أصحاب الأرض فطردتهم وشـردتهم، وهدمت مدنهم وقراهم، واسـتولت عليها بعد أن مسـخت ونسـخت، وبدَّلت كل المعالم التي تؤكد أن القدس عربيـة إسـلاميـة، وأن فلسـطين أرض العرب والمسـلمين. كما روَّجت العصابات الصهيونيـة لروايات منتحلـة مدسـوسـة على أهل فلسـطين تزعم أنهم باعوا أراضيهم بمحض إرادتهم لليهود. وتلقَّف العالم هذه الافتراءات والأكاذيب، والأسـاطير والخرافات التي جعلوها من "المسـلّمات" التي لا يجوز الاقتراب منها أو المسـاس بها. وهكذا قامت (إسرائيل) دولة الإرهاب والقهر، والنازية الجديدة، والفاشية الملعونة على أشلاء المطرودين، والمشردين، والمضطهدين من أهل فلسطين، وليس على أكاذيب وتخرصات تحكيها رواياتهم الفاسدة المجروحة المدلسة التي تزعم أن الفلسطينيين باعوا أرضهم وديارهم، وتركوها لليهود!!!

هذا ما يقصه ويحكيه كتاب «فلسطين وأكذوبة بيع الأرض» من تأليف "عيسى القدومي" الصادر عن مركز المقدس للدراسات التوثيقية ـ 2004م، مؤكداً أن تلك فرية ظالمة، وأُكذوبة سمجة كذَّبها الواقع، وشواهد التاريخ، انطلت على الساسة، والقادة والمؤرخين في الغرب الذين صدقوا هذه القصص الواهية، فساندوها، وأيدوها، وخالفوا قرارات الشرعية الدولية والأدلة التاريخية التي تنحاز للعرب، وأهل فلسطين أصحاب الأرض والماضي والتاريخ والجغرافيا، وعن حجم تلك الأكذوبة تصف (روز ماري) ـ الباحثة البريطانية ـ انتشارها بالقول: «لقد آذى التشـهيرُ الفلسـطينيينَ أكثر مما آذاهم الفقر، وأكثر الاتهامات إيلاماً كان بأنهم باعوا أرضهم، أو أنهم هربوا بجبن! وقد أدى الافتقار إلى تأريخ عربي صحيح لعمليـة الاقتلاع التي لم تُرْوَ إلا مجزأة حتى الآن ـ أدى بالجمهور العربي إلى البقاء على جهلـه بما حدث فعلاً». ولهذا استطاع اليهود بهذه الأكذوبة أن يُرسخوا مفاهيم غاية في الخطورة، يصعب التحول عنها لدى الكثير من الناس؛ فأصبحت أكذوبة متجددة منذ احتلال أرض فلسطين في عام 1948م إلى يومنا هذا، والحقيقـة المرة التي يندى لها الجبين هي أن تاريخ القضيـة الفلسـطينيـة ـ منذ بدايتها حتى الآن ـ لم يُكتب بعدُ!

فما حدث في فلسطين من اقتلاع شعب من أرضه، وإحلال شــتات اليهــود في مساكنهــم، وممتلكاتهــم وأرضهــم، وهـم لا يزالون يحملون مفاتيح بيوتهم، وينتظرون العودة إليها، مازال يدور حول هذا التاريخ الكثير من الأكاذيب؛ لأنه كُتب بأيد منطلقُها: «إذا أردت أن تقتل عدواً فلا تُطلق عليـه رصاصـة بل أكذوبـة».

وعن مصدر هذه الأكذوبـة، وغيرها يقول الشـيخ "محمد أمين الحسـيني" مفتي فلسـطين: «إن المخابرات البريطانيـة وبالتعاون مع اليهود أنشـؤوا عدة مراكز دعايـة ضد الفلسـطينيين،... ملؤوها بالموظفين والعملاء والجواسـيـس، وكان من مهامها بث الدعايـة المعروفـة بدعايـة الهمـس واللمز والتدليـس».

ونجحت الضغوط البريطانيـة في تغيير بعض القوانين العثمانيـة، لتفسـح المجال أمام العصابات الصهيونيـة التي كانت الخلافـة العثمانيـة حريصـة على عدم تمكينها من أراضي فلسـطين. كما قدمت البعثـة الفنيـة التي أرسـلتها بريطانيا لمسـح أراضي فلسـطين خدمات خطيرة للاسـتيطان اليهودي في فلسـطين. وأخذ المشـروع الاسـتيطاني اليهودي في فلسـطين بالسـير بوتيرة متسـارعـة؛ حيث تمكن اليهود بواسـطـة دعم بريطاني ضخم، وعن طريق التحايل على القوانين العثمانيـة، وبأسـاليب ملتويـة، وهو الأمر الذي أدى إلى اقتناص 650.000 دونم، وتُعَدُّ بريطانيا مسـؤولـة بالدرجـة الأولى عن تسـهيل حيازة وسـرقـة هذه الأراضي من قِبَل اليهود.

مما أسلفنا يتأكد بالأدلة والوثائق أن مساحة الأراضي التي اشتراها اليهود من عرب فلسطين، وبعضها نتيجة قانون نزع الملكية، وتنفيذاً للأحكام التي أصدرتها المحاكم المختصة، أو لظروف اقتصادية بالغة القسوة، أو لوجود بعض العملاء هي 261.000.000 دونم، وهي تعني أنها نسبة ضئيلة تعادل أقل من 1% من مجموع مساحة أرض فلسطين. وفى هذا الإطار يحكي الخبير الإنكليزي (فرانس) في مذكراته مفنداً إدعاءات العصابات الصهيونية بقوله: «إن بعض الأهالي اضطروا إلى بيع أراضيهم إما لتسـديد ديونهم، أو لدفع ضرائب الحكومـة، أو للحصول على نقد لسـد رمق عائلاتهم».

ويؤكد الإنكليزي (جون رودي) الحقيقة التالية: إن الأكثرية الساحقة من العرب لم تقم ببيع أراضيها، وحتى إن الكثيرين من أصحاب الملكيات الكبيرة مثل (آل الحسيني)، حافظوا على أملاكهم مصونة إلى النهاية. ويُشير الشيخ (أمين الحسيني) رداً على شائعة بيع أراضي الفلسطينيين بقوله: «إن أهل فلسـطين منهم الصالحون ومنهم دون ذلك، ولا يبعد أن يكون بينهم أفراد قصروا، أو اقترفوا الخيانـة، لكن وجود أفراد قلائل من أمثال هؤلاء بين شـعب كريم مجاهد كالشـعب الفلسـطيني لا يدمغ هذا الشـعب، ولا ينتقص من كرامتـه، ولا يمحو صفـة جهاده العظيم». ولا شـك أن هناك قلـة قليلـة من عرب فلسـطين، سـواء من بين كبار المُلاك، أو غيرهم قد شـاركوا ولو بقدر بالغ الضآلـة في هذه الجريمـة، وأعانوا عليها؛ بسـبب الجهل، وعدم الوعي بحقيقـة المؤامرة بصورة كليـة، وبعضهم الآخر ربما بسـبب اللامبالاة، والتصرف غير المسـؤول، وآخرون بسـبب ضعف النفـس والرغبـة في الإثراء الحرام، وعدم الانتماء. كما كانت هناك أسـباب قهريـة أخرى اسـتثمرتها أبواق الدعايـة والإعلام الجهنميـة الصهيونيـة والغربيـة على حد سـواء، ومجمل تلك الأراضي لا تتعدى نسـبتها 5% من إجمالي مسـاحـة أرض فلسـطين. والحقيقـة أن الشـعب الفلسـطيني قد فتك بأولئك القلـة الذين باعوا أراضيهم، أو كانوا سـماسـرة للبيع، وعاقبهم على فعلتهم النكراء، كما صدرت الفتاوى بتجريم وتحريم بيع الأراضي لليهود، أو السـمسـرة على بيعها.

ومع تلك الممارسات الفظيعة تمكن شعب فلسطين برغم قسوة الظروف، والمعاناة من الصمود في أرضه طيلة ثلاثين عاماً محتفظاً بأغلبية 68% من السكان، وبمعظم الأرض 93%، وتدل الإحصاءات الرسمية على أن مجموع ما حصل عليه اليهود إلى يوم انتهاء الانتداب البريطاني في 15/05/1948م نحو مليوني دونم أي نحو 7% من مجموع أراضي فلسطين، ويؤكد «روجيه جارودي»: أن الصهاينـة أيام وعد (بلفور) عام 1917م كانوا لا يملكون إلا 2.5% من الأراضي. وعندما تم تقسـيم فلسـطين بين العرب واليهود، كانوا يملكون 6,5% منها، أما في عام 1982م فإنهم أصبحوا يملكون 93%، أما الأسـاليب المسـتخدمـة لانتزاع الأرض من أصحابها، فإنها كانت أسـاليب الاسـتعمار الأشـد عنفاً.

ويؤكد اليهودي العالمي (هنري فورد) في كتابه «اليهودي العالمي»: أن إدارة الانتداب البريطاني كانت يهوديـة، ولا ريب في أن فلسـطين تقدم الدليل على ما يفعلـه اليهود عندما يصلون إلى الحكم!

ويُضيف تحت عنوان «اقتناص الأراضي» أنـه: «لو عرف العالم حقيقـة الأسـاليب التي مُورسـت لاغتصاب أراضي فلسـطين من أهلها في الأيام الأولى من الغزو، والاحتلال الصهيوني، أو لو سُـمح لهذا العالم بمعرفتها، لعمـه السـخط والاشـمئزاز، ولا ريب في أن الأسـاليب كانت تجري بمعرفـة (صموئيل) المندوب السـامي اليهودي».

أما البروفيسور اليهودي (إسرائيل شاحاك) فيقول: «لم يبقَ من أصل 457 قرية فلسطينية وقعت ضمن الحدود الإسرائيلية التي أعلنتها في عام 1949م إلا تسعون قرية فقط، أما القرى الباقية وعددها 358 فكانت قد دُمرت، بما فيها منازلها، وأسوار الحدائق، وحتى المدافن وشواهد القبور؛ بحيث لم يبقَ بالمعنى الحرفي لهذه الكلمة ـ حجر واحد قائماً. ويُقال للزوار الذين يمرون بتلك القرى إن المنطقـة كلها كانت صحراء».

أما شـهادة (موشـيـه ديان) فهي تُبرئ الفلسـطينيين من تهمـة بيع أراضيهم؛ حيث يعترف قائلاً: «لقد جئنا إلى هذا البلد الذي كان العرب قد توطنوا فيـه، ونحن نبني دولـة يهوديـة... لقد أُقيمت القرى اليهوديـة مكان القرى العربيـة. أنتم لا تعرفون حتى أسـماء هذه القرى العربيـة وأنا لا أتكلم؛ لأن كتب الجغرافيا لم تعد موجودة. وليسـت كتب الجغرافيا هي وحدها التي لم تعد موجودة، بل القرى العربيـة نفسـها أيضاً. وما من موضع بُني في هذا البلد إلا وكان أصلاً لسـكان عرب».

كما يؤكد تلك الحقيقـة أيضاً الباحث اليهودي «بني موريـس» بقولـه: «نشـرنا الكثير من الأكاذيب، وأنصاف الحقائق التي أقنعنا أنفسـنا وأقنعنا العالم بها... لقد حان وقت معرفـة الحقيقـة، كل الحقيقـة... والتاريخ هو الحكم في النهايـة».