الوجه الآخر لأحمد بهاء الدين
الوجه الآخر لأحمد بهاء الدين
الجوانب الإيجابية والسلبية في حياة
حسين علي محمد حسنين
كاتب وباحث/ عضو إتحاد كتاب مصر
أحمد بهاء الدين
· كانت الأنا لديه متضخمة بعض الشىء ، والدليل على ذلك أنه إدعى أن وزير المعارف محمد العشماوى باشا اقترح عليه بدلاً من بقائه بالبيت حتى يبلغ الـ 21 عاما أن يعمل معه في مكتبه ، على الرغم من أنه كان حديث التخرج ولم يكن والده على صلة بالباشا من قريب أو بعيد.
· فى نوفمبر 1965 قام عبد الناصر بتعيين بهاء مشرفا على مؤسسة روز اليوسف وهو ما جعل إحسان عبد القدوس يترك المؤسسة نتيجة رقابة بهاء الصارمة على مقالاته، لكن بهاء ينفى ذلك تماما.
· أشاع بهاء عن نفسه أن رجال الثورة الفاعلين كانوا كثيرا ما يضيقون بحياديته ، لكن الحقيقة عكس ذلك، والدليل هو توليه تلك المناصب الكثيرة والحساسة فى عهد عبد الناصر والسادات. لكن بهاء يبرر ذلك بأن طبيعة المرحلة كانت تتطلب ذلك.
حسين حسنين: كاتب وباحث
كان قصير القامة مدكوك الجسد وكبير الرأس بمنظار طبي سميك. ولد أحمد بهاء بالإسكندرية عام 1927 وكان والده موظف حكومي بسيط إضطر إلى السفر ومعه أسرته الصغيرة جنوبا لحاجة العمل إليه هناك بقرية الدوير التابعة لمحافظة أسيوط . بدأ تعليمه الأولى حتى حصوله على شهادة الثانوية فى أسيوط ثم إلتحق بكلية الحقوق بجامعة فؤاد(القاهرة حاليا) وتخرج منها عام 1946 .
كان يتعين عليه أن ينهض بمسئوليته فى العناية بمصير أخوته إلا أنه ترك بلده ومن فيها ورحل إلى القاهرة باحثا عن حياة جديدة بعيدا عن الفقر وشظف العيش فى أسيوط (على الرغم من أنه كان الولد الوحيد على مجموعة بنات).
حاول العمل بالمحاماة فى البداية إلا أته فشل فشلا ذريعا لشكله العام الغير جذاب ولعدم قدرته فى الحصول على واسطة للعمل بأحد مكاتب المحاماة الذائعة الصيت فى ذلك الوقت. (لكن بهاء يقول فى هذا الصدد: كان في ذهني أن أعمل بالمحاماة ، ثم إتضح أنه ينبغي لمن يشتغل بالمحاماة أن تكون سنه 21 سنة وكان عمري وقتها حوالي 19 سنة ، فالذي حدث أن والدي قال لي وقتها : إذا أردت أن تشتغل محامياً فأنا مستعد للإنفاق عليك حتى آخر قطرة في عمري ، أما إذا أردت أن تلتحق بوظيفة حكومية فأنا غير مسئول عنك ، يعني لا تقل لي أكلم لك أحداً كي تعمل ). ويضيف بهاء : في تلك الفترة إقترح على والد أحد أصدقائي وهو محمد العشماوى باشا الذي كان وزيراً للمعارف وقتها ، اقترح على بدلاً من بقائي في البيت حتى أبلغ الـ 21 عاما أن أعمل معه في مكتبه ، فعملت في الحكومة لأول مرة في مكتب وزير التربية ، وعندما خرج الوزير من الوزارة سألني : أي جهة أحب أن أعمل بها؟ فقلت له : العمل في مجال القانون ، وذهبت إلى إدارة الشئون القانونية، وبعد ذلك عملت فترة في مجلس الدولة .(هذه الرواية تشوبها الكثير من عدم الصحة..فكيف لوزير أن يطلب من فتى إبن موظف بسيط وفقير لا يعرف عنه شيئا أن يعمل فى مكتبه حتى يبلغ الـ 21 عاما .. هل مكتب الوزارة بمثابة نزهة فى ذلك الوقت..؟؟؟؟)
أما عمله بالصحافة ، فقد جاء فى وقت كانت تمر بعض أفراد طبقة المثقفين والسياسيين فى مصر بعقد نفسية نتجت عن شعور معظمهم الزائف بأنهم من النخبة وقد صاحب ذلك بعض الغطرسة والتعصب ، وإنتقل ذلك الإحساس المعقد إلى أشبالهم وذويهم. ولعل ذلك الشعور بالإنتماء للنخبة هو الذى جعل بهاء يفكر فى العمل الصحفى حتى يكون قريبا من علية القوم خاصة بعد إختلاقه قصة الوزير الذى طلب منه أن يعمل فى مكتبه حتى يبلغ سن الرشد . كان هدف أحمد بهاء الدين واضحا من البداية وهو لكى يشق طريقه إلى ما يريد عليه تجنب الإلتحاق بأي تيار سياسى وعدم الإنضمام لأي حزب أو جماعة على الرغم من أن كل ما كان يحاط به بداية من الجامعة إلى أعلى المراتب كان يموج بتيارات سياسية ، وقد ساعده كثيرا فى ذلك قصر قامته وشكله العام الغير جذاب الذي لا يلفت إنتباه الجماهير.
وبدأ أحمد بهاء الدين يكتب فى مجلة فصول فى الأدب والسياسة منذ عام 1948 . (لكن بهاء يرى عكس ذلك ، فهو يقول فى حواراته الصحفية: ذهبت للأستاذ محمد زكى عبد القادر صاحب ورئيس تحرير مجلة فصول – بدون سابق معرفة – وعرفته بنفسي ، وقلت له : إننى أحب أن أكتب فى المجلة. فطلت منى أن أقدم له مواد تحريرية ، وبالفعل قدمت له مواد لتنشر فى المجلة ، ومواد أخرى لتنشر بجريدة الأهرام ككاتب هاو فقد كان نائب رئيس تحرير الأهرام فى ذلك الوقت ... وصرت أكتب فى مجلة فصول حتى أصبحت مدير تحريرها ، وكان عمرى وقتها 21 أو 22 سنة عندما أختير زكى عبد القادر رئيسا لتحرير الأهرام ، ورغم أن الفصول كانت شهرية ومحدودة الانتشار لكن أصبح لها مركز جذب للمثقفين " يقصد بعد توليه رئاسة تحريرها"، وأعتز أنني نشرت لأول مرة لعدد من الكُتاب الذين أصبحوا فيما بعد من أصحاب الأسماء اللامعة ، وكانوا يومها مغمورين ، وكتبوا في الفصول لأول مرة بأسمائهم وهم: فتحى غانم ، عبد الرحمن الشرقاوى ، أحمد رشدي صالح "كان وقتها مختفياً لأنه كان مطلوباً من البوليس ويكتب بإسم مستعار" ، على الراعى ، نعمان عاشور ، يوسف الشارونى ، بدر الدين أبو غازى وكانوا يتجمعون فى مكتب "الفصول" الذي كان مقره شارع شريف ، وسرعان ما تحول إلى ملتقى ".(هو فى ذلك يحاول تشبيه نفسه بإحسان عبد القدوس الذى حول روز اليوسف لملتقى الشباب الثوري قبل ثورة 23 يوليو 1952).
وحول عمله بمجلة روز اليوسف عام 1952 يذكر أنه كان يذهب إلى مبنى المجلة وبدلا من تسليم مقالاته إلى سكرتارية التحرير(وهو الأمر الطبيعي) كان يضعها فى ظرف خطاب معنونة بإسم رئيس التحرير إحسان عبد القدوس ويعطيها للبواب ويطلب منه تسليمها إليه شخصيا ويشدد على ذلك ، وظل الأمر كذلك كل إسبوع إلى أن فوجىء بالبواب يطلب منه الإنتظار قليلا ليبلغ رئيس التحرير الذى قال للبواب أن يحضره إلى مكتبه . وهكذا بدأ العمل بروز اليوسف وتدرج فيه حتى أصبح نائبا لإحسان عبد القدوس . (لكن بهاء يقول عكس ذلك، ففى حوار صحفي له قال الآتى: كتبت مقالاً عن الميزانية مهاجماً لها بشدة ولكنً بشكل مُبسط، فالأرقام التى كتبتها فوجئ بها الناس ، وكان الكلام عن الاستثمار والتنمية ، وهذه الكلمات لم تكن موجودة من قبل ، وتبين أن الميزانية أكثرها لاستيراد المجوهرات والفراء ووسائل الترف ، فالتقطت مجلة روز اليوسف المقالة وفوجئت أنها منشورة في الصفحة الأولى بها بعناوين ومانشيتات ، بل منشورة مكان الافتتاحية ، فاعتبرت هذا تصرفاً ممتازاً من المجلة ، فهو مقال لشخص غير معروف إنما لأسباب موضوعية ينشر في الصفحة الأولى ، فهذا شجعني على أن أكتب باستمرار .. ويضيف بهاء: " وكنت أرسل باستمرار بروازاً ينشر في صفحة أو ثلاث واتركه مع بواب المجلة دون أن أعرف أحداً في روز اليوسف وإستمر ذلك لفترة طويلة ، وفي أحد الأيام وكان وقتها عميد الإمام سكرتير تحرير روز اليوسف فقابلته بالصدفة على باب المجلة ولم أكن أعرفه فقال لي : ده إحنا بنقول للبواب دائماً لما تيجى يبلغنا .. عشان عايزينك .. ويقول بهاء: المهم أخذنى وعرفنى على السيدة روز اليوسف والأستاذ إحسان عبد القدوس واستمريت في الكتابة وعرضوا علىَّ أن أشتغل في روزا لكني رفضت ، فقد كنت في مجلس الدولة وعلى وشك أن أسافر إلى فرنسا لإكمال رسالة الدكتوراة، وكنت دائماً أعمل في فترة بعد الظهر : ثم زادت مسئولياتي فألغيت الرحلة إلى فرنسا ثم استقلت من مجلس الدولة وعملت فى روز اليوسف" .
بخصوص مجلة صباح الخير ، يقول بهاء : كان لدى السيدة روز اليوسف ترخيص قديم منذ سنوات بإسم "صباح الخير" وقالت لي أنها تتمنى أن تصدر مجلة أو جريدة بإسم هذا الترخيص قبل أن تموت . وبالفعل طلبت روز اليوسف من بهاء إصدار هذه المجلة ، وصدر العدد الأول الذى ساهم فيه عدد من الصحفيين منهم حسن فؤاد والفنان زهدى الذي رسم غلاف أول عدد فقط لا غير .. وصلاح جاهين وعدد من الصحفيين الشبان الذين ساهموا فى تأسيس جميعا صباح الخير وكانوا طلبة في قسم الصحافة بكلية الآداب أو طلبة بكلية الفنون الجميلة ، ومن هؤلاء صلاح جاهين ، رجائى ، حجازى ، بهجت ومن المحررين محمود المراغى ، نجاح عمر ، زينب صادق ، نهاد جاد ، لويس جريس كان في قسم الصحافة بالجامعة الأمريكية ولم يكن مضى على تخرجه شهر واحد . وإستمرت صباح الخير من نجاح إلى آخر .
ويذكر أن جمال عبد الناصر أثنى على مجلة صباح الخير التى يرأس تحريرها بهاء وإعتبرها أحد المنابر الجادة التى تدعم مسيرة الثورة وذلك فى عام 1956.
ونظرا لإهتمام عبد الناصر بـ بهاء بعد نجاحه بمجلة صباح الخير، فقد طلب عبد الناصر من السادات تعيين بهاء رئيسا لتحرير جريدة الشعب فى يونيو 1959 ليعيد توازنها ولتصبح بوقا جديدا للتعبير عن فكر الثورة . ومع ولائه لرجال الثورة ، فقد تقرر ضمه إلى دار أخبار اليوم ليصبح أحد رؤساء تحرير جريدة الأخبار.
وفى 27 أبريل 1962 عين رئيسا لتحرير مجلة آخر ساعة ، وفى 17 أبريل 1964 عين رئيسا لمجلس إدارة مؤسسة دار الهلال ورئيسا لتحرير مجلة المصور .
فى نوفمبر 1965 قام عبد الناصر بتعيين أحمد بهاء الدين مشرفا على مؤسسة روز اليوسف وكان الهدف من ذلك رقابة مقالات إحسان عبد القدوس ومن معه . وقد ذكر ذلك إحسان فى كتاب له بعنوان" إعترافات إحسان عبد القدوس" ففي صفحة 72 من الكتاب يسأل محمود مراد : لكنك لم تستمر على هذا الوضع طويلاً .. لماذا تركت روزا في يونيو1966 فيرد إحسان : لأن أحمد بهاء الدين إرتكب نفس الخطأ – حذف سطرين من مقال لي دون أن يخبرني ويومها في المساء تحدثت مع محمد حسنين هيكل بالتليفون .. وكان هيكل قد عرض علىَّ قبلها بثلاثة أشهر أن أنتقل للعمل في أخبار اليوم – وكان يشرف عليها وقتها – ولهذا حدثته وحددت معه موعداً للقائه في مكتبه في الأهرام الثامنة صباح اليوم التالي ، وأخذني إلى أخبار اليوم لأتولى رئاسة تحريرها . ( لكن بهاء أنكر تلك الواقعة وقال ردا على ذلك: أنا لا أتذكر ذلك ، وأكاد أستطيع أن أنفى هذه الواقعة، بل على العكس ، ففي حوالي عام 1966 ، كنت رئيساً لمجلس إدارة دار الهلال وانتدبت لأعمل رئيساً لمؤسسة روز اليوسف ، وكان إحسان عبد القدوس وقتها يتعرض لمضايقات في النشر في روز اليوسف وعرضت عليه أن يكتب ما يشاء في مجلة المصور ، وقد نشر ما شاء في المصور ، وأنا لا أستطيع أن أذكر شيئاً من هذا القبيل قد حدث إطلاقاً .. ولكن على سبيل القطع والتأكيد فإنه ليس من ملكي الشخصي أن أحذف لأحد أكبر مني سناً أو أقدم مني في المهنة ، إلا إذا كان مثلاً بعد استئذانه أو بعد التفاهم معه وهذا حدث مع الأستاذ محمد التابعى عندما كنت رئيساً لتحرير أخبار اليوم مع الأستاذ فكرى أباظة عندما كنت رئيساً لمجلس إدارة دار الهلال ولكن في كل مرة كنت أرى أن هناك وجهاً للتحفظ على بعض ما يكتب ، فكان هذا الموضوع يتم بإخطارهم وموافقتهم وبعد استئذانهم . وأنا لا أتصور أنني سلكت مع الأستاذ إحسان عبد القدوس مسلكاً يختلف عما سلكته مع الآخرين.... أما ظروف ذهابه إلى أخبار اليوم لا علاقة لها إطلاقاً بمثل هذا الأمر ، فالذي حدث بالضبط أنه عندما تولى هيكل مسئولية مؤسسة أخبار اليوم أراد أن يقويها بعدد من الناس ، فعرض على الأستاذ يوسف السباعي أن يرأس تحرير مجلة "آخر ساعة" وعرض على إحسان عبد القدوس أن يرأس تحرير أخبار اليوم ، وعرض على جلال الدين الحما مصي أن يرأس جريدة الأخبار وهذا ما حدث .
ولكن ما هو موقف أحمد بهاء الدين من الرقابة فى عهد عبد الناصر؟ ، يقول بهاء : أحياناً كانت الرقابة معتدلة ، بمعنى أنها كانت تراقب قضايا محدودة ... ففى هذه الحالة تكون فرصة الكتابة متوافرة ، وأحياناً تتواجد الرقابة وقد تصل إلى أقصاها في الظروف الحرجة التى تمر بها البلاد ، وأنا شخصياً كنت دائماً أحرص على شيئين .. الأول هو ألا تجعلني الرقابة أكتب غير ما أعتقد به ... فأنا لست من الكُتاب الذين ينكرون بسهولة ما كتبوه ، وإذا كتبت ففى هذه الحالة أقول على الفور إنني كنت مخطئاً عندما قلت كذا وكذا .. ولا أقبل القول بإنني كنت مضطراً أن أكتب كذا .. لأنه ليس هناك أحد مضطراً .. هناك الصمت ! ومهما كانت ظروف الرقابة ... ففى بلادنا يستطيع الكاتب أن يكتب فى أى موضوع آخر ، فمثلاً كتابى "أيام لها تاريخ" كتبته فى مرحلة كانت الرقابة فيها بالغة الشدة ، وكان ذلك عام 1954 "أثناء أزمة مارس" وكنت أريد أن أقول أنه لابد للبلد من دستور ومن حد أدنى من الديمقراطية رغم موافقتنا على الاتجاهات الاجتماعية الأساسية للثورة .. فلجأت للتاريخ وهو أحد المخارج ، وكتبت فصوله التي كانت تتحدث عن حرية الرأى وضرورة الدستور من خلال قصص ومواقف من تاريخ مصر الحديث يقرأها الناس ويستفيدون ... وبها ثقافة ومعلومات ، لأنه مثل ما قلت إن الكاتب في بلاد مثل بلادنا عليه واجب تثقيفى إزاء القارئ إلى جانب أنه يجب أن يعبر عن رأيه .
فى 11 أغسطس 1967 إنتخب نقيبا للصحفيين بالتزكية (يقال فى هذا الصدد أن عبد الناصر طلب من بهاء التقدم لهذا المنصب الهام وبإعتباره أفضل من يثق بهم فى تلك المرحلة). وحول ذلك يقول بهاء: تقدمت لانتخابات منصب نقيب الصحفيين المصريين في ظل ظروف نكسة 1967 وكان ذلك تحت ضغط كثير من الزملاء ، وكنت أعتقد أن المهمة الأولى للنقابة في تلك الفترة هي عدم إضافة عناصر تمزق وصراعات أخرى ، حتى أنني اشترطت على زملائى أن أفوز بالتزكية أو لا أتقدم للانتخابات وبالتالي قابلت المرشحين الآخرين الذين كانوا في ذهنهم الترشيح ، وأقنعتهم بفكرة أنه ليس هذا وقت خوض معارك انتخابية وهزيمة يونيو 1967 لم تمض عليها شهور ، وتمت الانتخابات بهذا الشكل ، وكان هذا هو السبب الوحيد الذي من أجله رشحت نفسي للانتخابات لأنني أعتقد أنه تكمن في الصفات الجماهيرية التي تجعلني أفضل من يقوم بأعباء هذا المنصب .
فى 14 يوليو 1968 إنتخب عضوا فى المؤتمر القومى للإتحاد الإشتراكى عن محافظة القاهرة وذلك إثناء حرب الإستنزاف التى تلت هزيمة حرب يونيو 1967 وما تلاها من تدهور فى الجبهة الداخلية لذلك كان لابد من الحفاظ على نظام عبد الناصر داخل البلاد.
وفى عام 1968 إنتخب رئيسا لإتحاد الصحفيين العرب وهو منصب سياسى بالدرجة الأولى ، وظل كذلك حتى عام 1976 . وحول ذلك يقول بهاء: كانت هناك عشرون دولة عربية تمثلها عشرون نقابة صحفية ، وقد كانت لي علاقات بكثير من الزملاء الصحفيين العرب الذين قالوا لي يومها إنني إذا رشحت نفسي فستكون رئاسة اتحاد الصحفيين العرب في مصر ... وكانت مصر في ذلك الوقت محتاجة إلى أن تكون موجودة علي الساحة بأكبر قدر ممكن ... وبالتالي انتخبت رئيساً لاتحاد الصحفيين العرب ... ثم تجدد الانتخاب بعد أربع سنوات أى كنت نقيبا لمدة 8 سنوات (مدتين رئاسة)، لذلك قررت الإستقالة من رئاسة اتحاد الصحفيين العرب وكتبت إلى المؤتمر رسالة أقول فيها : في هذه السنوات الثماني تراجعت الحقوق الصحفية والحريات الصحفية في العالم العربي بدلاً من أن تتقدم للمزيد ، وأنا أشعر أن الاتحاد عاجز عن عمل شئ . ومع ذلك فأنا أؤيده وتحت أمره ، لكن قد يكون غيرى أقدر فى المرحلة المقبلة.
فى 28 يناير 1976 إنتخب بهاء فى المؤتمر الدولى للصحفيين فى هافانا نائبا لرئيس الإتحاد العالمى للصحفيين لمدة 4 سنوات وهو منصب سياسى بالدرجة الأولى تحسب حساباته بين الدول الأعضاء وهو ما يعنى أن أحمد بهاء كان دائما مقربا من السلطة سواء فى عهد عبد الناصر أو السادات.
وفى 31 مايو 1971 عين عضوا بلجنة الإشراف على إعادة بناء الإتحاد الإشتراكى العربى وهى المرحلة التاريخية التالية فى عهد رجالات الثورة والتى كانت تتطلب وجود كوادر متجددة تحمى فكر السادات الجديد ، وكان بهاء أحد تلك الكوادر الساداتية فى بداية عهد السادات . وفى 5 يوليو 1971 عين رئيسا لمجلس إدارة روز اليوسف ، وفى 23 مايو 1974 عين رئيسا لتحرير الأهرام .
لكن السادات أراد التخلص من الكوادر القديمة وإحلالها بفكر براجماتي جديد يقبل الآخر وتحديدا الغرب الرأسمالي فقرر التخلص من بهاء ومن يؤمنون بالفكر القومجى أي أصحاب الفكر الممانع ، وهكذا خرج بهاء من اللعبة الجديدة وسمح له بالسفر إلى الكويت بتسهيل من السادات نفسه فى عام 1976 ليعمل رئيسا لتحرير مجلة العربى ، وظل بها حتى عام 1981 .
وفى عهد الرئيس حسنى مبارك وتحديدا فى 11 يناير 1982 بدأ عموده اليومى " يوميات " بالأهرام .
لقد إحتار القارئ المتخصص في تصنيف أحمد بهاء الدين من الناحية الفكرية !!! فاليسار كان يزعم أنه يسارى . والناصريون يؤكدون على كونه ناصرياً ، وآخرون يرون أنه ساداتيا ، وهناك من يعتقد أنه كان من المتحمسين لـ حسنى مبارك .. أى رجل لكل العصور..!! فماذا ترى كان هذا الرجل بالضبط؟ .
لقد أشاع أحمد بهاء الدين عن نفسه ومن خلال أصدقائه المقربين أن رجال الثورة الفاعلين وعلى رأسهم جمال عبد الناصر كانوا كثيرا ما يضيقون بحيادية أحمد بهاء الدين . لكن الحقيقة عكس ذلك تماما فقد كان أحمد بهاء الدين يعمل بتفان لرجالات الثورة خاصة عبد الناصر ، فكيف يمكن لـ بهاء الدين أن يكون محايدا وقد تم تعيينه فى تلك المناصب الهامة السابق الإشارة إليها ومنها تعيينه فى 14 يوليو 1968 عضوا بالمؤتمر القومى للإتحاد الإشتراكى عن محافظة القاهرة. فمن البديهي أنه لن يسمح له بذلك المنصب إلا لقربه الشديد من عبد الناصر. كذلك وافق عبد الناصر على تعيينه مشرفا عاما على روز اليوسف بعد تأميمها وكان مراقبا على كل كلمة يكتبها إحسان أو غيره من المحايدين وهو ما أدى إلى تعجيل قيام إحسان بترك روز اليوسف والعمل بصحف أخرى. أيضا تعيين بهاء عضوا هاما بلجنة الإشراف على إعادة بناء الإتحاد الإشتراكى العربى فى 31 مايو عام 1971 وذلك بعد التخلص من مراكز القوى التى كانت تهدد مكانة الرئيس أنور السادات ، وهو ما يدحض إشاعة أن بهاء كان على خلاف مع الرئيس السادات. ( لكن بهاء يرد على ذلك بقوله فى إحدى حواراته: أنا تكويني من البداية "اشتراكي ديمقراطي" هذا من ناحية الموقف الأيديولوجي النظري البحت ، لذلك أتوقع أن النظام الأمثل لبلادنا هو النظام الاشتراكي الديمقراطي ... بالنسبة للصحفي فعليه أن يتفاعل وتكون ردود أفعاله مع مواقف معينة قد لا تكون هي بالتحديد ما في ذهنة أيديولوجياً . ويضيف بهاء: لقد كان تيار الإخوان المسلمين قوياً جداً في الجامعة وأيضاً تيار الشيوعيين كان قوياً جداً في الجامعة وكلاهما فشل تماماً في أن أنجذب إليه ، إنما كان هواي مع حزب الوفد، أنا في حياتي لم أدخل أي حزب أو تنظيم ... وأنا لا أقول هذا على سبيل الفخر ، لكن كل إنسان له طبيعته . إنما قبل الثورة(والكلام على لسان بهاء) كان هواي دائماً مع الوفد ، كان حزب الوفد هو الحزب الشعبي الأول الذي استوعب واقعياً آمال الجماهير ، وكان القادر على فعل تغيير إذا كان يوجد أمل في التغيير رغم كل عيوبه .... فالثورة في الواقع لم تأت بأي شعار مخترع ، مثلاً تحديد الملكية الزراعية والقومية العربية ، والحياد الإيجابي ، كل هذه الشعارات الأولى للثورة كانت آراء كتبها عدد من المثقفين في قبل الثورة ... ويقول بهاء: أريد أن أقول إن الثورة لم تأت بجديد ... إنما جاءت بشعارات كان هناك من تبناها من قبل ، فلما جاءت الثورة كنت من مؤيدي شعاراتها التقدمية الجديدة القديمة ).
بعد وفاته فى أغسطس 1996 ترك أحمد بهاء الدين وراءه تراثا صحفيا من المقالات عبر الصحف والمجلات ومنها: فصول ، اللواء الجديد ، روز اليوسف ، صباح الخير ، الشعب ، أخبار اليوم ، المصور، العربى الكويتى ، المستقبل وغيرها .
الكتب التى قام بتأليفها : 1- فاروق ملكا. 2-إسرائيليات. 3- ما بعد العدوان.
أما المقالات التى كتبها فى حياته الصحفية فقد جمعها فى عدد من الكتب هى: 1- أيام لها تاريخ. 2- أفكار ومبادىء. 4-أفكار معاصرة ، 5-ثلاث سنوات ، 6-إقتراح دولة فلسطينية ، 7-شرعية السلطة فى العالم العربى ، 8-محاوراتى مع السادات ، وغيرها .