ندوة في منتدى عائشة الباعونية في باعون عجلون

ندوة في منتدى عائشة الباعونية في باعون عجلون

د. حسن الربابعة

قسم اللغة العربية

جامعة مؤتة

[email protected]

22 رمضان المعظم 1430 ه باعون  عجلون

" الأسرة الباعونية العلمية في العصر المملوكي لم تنل حتى اليوم رعاية كافية"

لعلَّ من خير ما نتمثّله في هذه الندوة الطيبة في ليلة رمضانية مباركة بعد ذكر الله تعالى وحمده وشكره، والصلاة على نببِّه محمد النور الذاتي والسرِّ الساري في الأسماء والصفات وعلى عترته الأطهار، وصحبه الأخيار مصابيح الهدى خاصة في الظلمات والأسحار  آن نستحضر روح شهاب الدين أحمد بن ناصر الباعوني جدِّ عائشة الباعونية رحمهما الله  تعالى وغمسهما في جِناته غمسة لا يذوقان بعدها نصبا ولا رهقا، نستحضره و لسان حاله يقول:

شـدخـتُ  بـغرَّة iiالعلم
وأنـجـبـتُ جـهابذة iiَ
لهم في الفقه والآداب (م)
رَبـا  إنـتـاجُ iiأولادي
فـمـن فُـتـيا iiوتاريخ
ولـكـن  مـن مصائبنا
فـفـي "برلين" تخميسى
*          *          ii*
ألا  مـن نـاشـرٍ iiعلما
يـزول الـمـلكُ iiوالمالُ
وفـي بـاعـون iiمولدُنا
نـنـاشـدكم  ، iiبتحقيق
وإلا  صـحتُ وا اسفي!












شـهـابُ  الدين iiباعوني
مـن  الـعـلما iiالميامين
إقـدامـي iiوتـمـكـيني
بـفضل الله "خمسيني"[1]
وذكـرُ  الله iiيُـغـنـيني
تـوازعََ خـطُّ iiمـكنوني
"عـبابي"  الشعرُُ، iiيكفيني
*          *          ii*
بـأجـر الله مـضـمون
وجـاهُ الـعـلم iiمخزوني
ودفـني فيكَ "قسيوني"[2]
ودرس"تـراث"  مـيمون
" مـع الجهَّال باعوني" ii؟

 (الدكتور حسن محمد الربابعة ،21رمضان 1430ه،أيدون اربد)

 هذه القصيدة على إيقاع البحر الوافر أعارض فيها شهاب الدين الباعوني، وقد تغيرت مناصبه كثيرا وأهمل شانُهُ فقال:

قضاءُ  دمشق  أول           لسه خلتك لا يراعوني

رُميتُ بكل مصقعةٍ            وبعد   الكلِّ   باعوني

(أسرة ناصر الباعوني العلمية في العصر المملوكي  دراسة في سيرهم وتواليفهم ، الدكتور حسن محمد الربابعة والدكتور احمد الربابعة،مؤسسة روعة ،اربد ،2008م ص 26)

*******

أما من المحاور التي تستوقفنا عندها على عجل فهي :

أولا: النسب الباعوني إنسانا ، و مكانا

.ثانيا : ابرز أعلام شجرة نسبهم وعددهم (مع الدكتور أحمد الربابعة )

ثالثا : ابرز مصنفاتهم (مع الدكتور أحمد الربابعة )

رابعا : عائشة الباعونية وأبرز مصنفاتها ونماذج عليها

أولا

النسب الباعوني :تنتسب أسرة ناصر الباعوني إلى ناصر بن خليفة بن فرج أو فرح بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن الناصري الباعوني الشافعي (السخاوي : الضوء اللامع ج2/232، القاهرة 1353ه) ، فتلحظ من نسبه أمورا منها عدم اتصاله بقبيلة كبيرة ولعلهم من قبيلة العنزة كما في بعض الدراسات أو من عائلة عربية بدليل احتجاج احد قضاة الشام على تعيين القاضي احمد بن ناصر الباعوني جد عائشة الباعونية بمنصب" قاضي قضاة بلاد مصر والشام"لأنه "مسلماني "سنة (792ه) و اتهمه بغير كفي للقضاء، غير أن الناظر بعين الحق يردُّ على الطاعن بالباعوني طعونه ،لأسباب منها نسبه الذي يرجعه معاصره القلقشندي إلى بني سليم من بطون زناته من البربر(نهاية الأرب ص429)أو أنهم من أخلاط العرب و الكرد:((عمر رضا كحالة :معجم قبائل العرب القديمة والحديثة ، ج3/1094)) ، وهذا المطعن لا يضيرُ الباعوني لأنه مسلم شأنهُ شأنُ أبي حنيفة النعمان وغيره من القضاة المسلمين ،كما قال سيدنا عبد القدر الكيلاني رضي الله عنه يزهو بإسلامه وكفى:

ومما زادني فخرا وتيها            وكدت بأخمصي أطأ الثُّريا

 أما إن كان المطعن به لجانب بلاغي، فلغته في مؤلفاته تشهد له بقوته، أما إن كان المطعن به لقلة فقهه، فمردود على الطاعن به ، لانَّ احمد الباعوني كان مستوفيا شروط القضاء من إسلام وبلوغ وعقل وحرية وذكورة وعلم بالأحكام الشرعية وفهم بالكتاب والسنة والسمع والنطق والبصر وهو غير مختل الرأي أو بلغ به الكبر كما ينصُّ عليه الفقهاء (احمد عيسى عاشور :الفقه الميسر في المعاملات ، ط1، 2076306)وللحق فقد ٌخذ على القاضي احمد الباعوني كثرةُ مناماته حتى كان يتهم بكثير من أحلامه ، كما اخذ عليه إعجابه بنفسه ، وكان يقدر على البكاء بعين واحدة، وعيب عليه تأخيره الأذان وهو على المنبر فترة ريثما يحضر السلطان (ابن حجر العسقلاني: أنباء الغمر بأبناء العصر ، ج7وفيات سنة 816ه)، وللحقيقة فاحمد الباعوني رحمه الله كان من حفظة القرآن الكريم منذ كان ابن عشر ،أما حفيدته عائشة بنت يوسف فحفظت القرآن الكريم وهي بنت ثمان وأي منزلة اعلي من حفظ كتاب الله ؟لقد كان يحفظ المنهاجين الأصلي والفرعي للشافعي ومنهاج السنة لابن تيمية وقد درَّس الفقه في مدارس دمشق ، وعليه فكيف ننسق بين أقوال ابن حجر فيه وما عرف عنه ؟ (الدكتور حسن الربابعة : عائشة الباعونية شاعرة ، ص39)أما إن كان المطعن به سياسيا فمطعن استدلالي ربما يكون مقبولا، لأنه سبق للباعوني أن غضَّ من برقوق السلطان ومدح منطاشا احد معارضيه ، وامتنع عن أن يقرض برقوقا من أموال الأيتام سنة وقد كان يشرف عليها ،وكان برقوق بأمس الحاجة إليها للدفاع عن حمى بلاد الشام ، من تيمورلنك الأعرج، الذي كان يهدد بغزو بلاد الشام ولم يجرؤ وبرقوق حي فلما توفاه الله تعالى وتولى ابنه فرج هاجم تيمورلنك دمشق واحتلها، وقابل ابن خلدون فيها وأعجب به أيما إعجاب ، فعزله برقوق وسجنه (ابن حجر العسقلاني : أبناء الغمر،ج7، وفيات 816ه).

ومنها نسبه إلى بلدة الناصرة ثم إلى باعون ثم إلى مذهبه الشافعي ،ويؤرخ لولادة ناصر الباعوني سنة(750ه 1349م ) في بلدة باعون،وينتقل ناصر من باعون إلى الناصرة ولذلك ينسب إليها إذ لم تكن البلاد الإسلامية تعرف اتفاقيات سايسبيكو التآمرية التي جعلت من المحافظات بلدانا لا يجتازها احد إلا بجواز سفر وبشق الأنفس، ولباعون ثلاثة أسماء صحيحة واسمان خطآن ،هما باعوثة ومعون ، أما الثلاثة الصحيحة فهي باعون وباعونة وبيعون .

 انتسب ناصر الباعوني إلى باعون عجلون وتابعه البواعنة في الانتساب إليها، و لعل أول نسبة إلى باعون هي التي وردت تترجم لناصر الباعوني الذي ولد في باعون وولد ابنه احمد فيها قبل (750ه)وقد أرَّخ معاصره المقريزي ولادة احمد في باعون فظلت أسرته تنتسب إليها مكانا فقال المقريزي(ت845ه):" ولد احمد بن ناصر الباعوني بقرية باعونة من قرى عجلون سنة (751)ه، وباعون على اسم راهبة كانت تقيم في دير ، فلما أزيل الدير، وعملت القرية عرفت به " (المقريزي : السلوك لمعرفة دول الملوك ، ج4ق1ص277) وعن المقريزي ينقل ابن تغري بردي المتوفى سنة (874ه )وهو يترجم لأحمد الباعوني "ولد احمد بقرية باعونة من قرى عجلون سنة (751ه ) وباعونة موضعها دير نصارى ، وراهب الدير باعونة، فلما أزيل الدير، وعمل مكانه قرية عرفت به "(ابن تغري بردي : المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي ، ج2/238241ويبدو الخلاف بسيطا بين باعونة ذكرا أو أنثى ولكن النسبة تظل صحيحة ، أما اسمها بيعون فقرأته عنوان ديوانها في دار الكتب المصرية"ديوان عائشة البيعونية " ولعلها من لغات الإمالة على قراءة "بسم الله مجراها ومرسيها "وهي لهجة لبناية اليوم ، أما الاسمان المغلوطان فهما باعوثة التي أصر الأستاذ الدكتور عمر موسى باشا أستاذ الأدب المملوكي لأكثر من نصف قرن في جامعة دمشق أصرَّ على أن ينسبها إلى باعوثا الموصل معتمدا على ترجمة الغزي لابن الصواف ،ويبدو التصحيف بارزا عند الدكتور احمد الهيب في ترجمته له بأنه الباعوزي وليس الباعوني نسبة إلى باعوزا الموصل لا باعون عجلون (تفصيل الدراسة انظر الدكتور حسن الربابعة :عائشة الباعونية شاعرة ص 23وما بعدها )ومن غلط أسمائها "باعوثا "ولعله تصحيف قريب من باعونة ، والصحيح انه صوم مدته ثلاثة قبل صومهم الأربعيني يسمِّيه نصارى العراق "باعوث" اعتمادا على قول أبي نواس يتغزل بغلام يهواه منها قوله:

 بميلاد المسيح بيوم دنح               بباعوثا بتأدية الحقوق

 وفي الأسماء التوراتية ورد خلط بين معون وبعل معون، فظنها الأستاذ العلامة بطرس البستاني "ماعين "حينا وحينا "باعون "، فاحتماله بضعف مسماه انظر(بطرس البستاني :دائرة المعارف مجلد8/190ومجلد5/114 وحسن الربابعة : عائشة الباعونية شاعرة ص ص21 وما بعدها ).

أما رحيل ناصر الباعوني من باعون سنة (751ه) إلى الناصرة فيعزى لأسباب منها: اجتماعية،وسياسية ، أما من الأسباب الاجتماعية فالمرض إذ عمّ الطّاعون بلاد عجلون سنة(748ه) قبيل رحيله بثلاث سنين،وللسلب والنهب الذي قام به العربان في أراضي الغور وجبال عجلون مما شكل خطراً على تجارة ناصر الباعوني الذي كان يتاجر في الصوف إلى الناصرة ويركض بها في الديار الصفديَّة على أنَّ باعون كانت تختصُّ بغزل الصوف وتنسجه على أنوال يدوية ينضاف إلى ذلك توافر العلم في الناصرة وصفد وقد درس ابنه احمد في الثانية منهما ، وهي ميزة لا توفرها بلدة باعون يومئذ، أما من الأسباب السياسية في تلك الفترة فكثرت التقلبات السياسية، وتناوب عشرة حكام خلال عشرة أعوام مما يدل على قلق في الحكم السياسي، نذكر منها عهد السلطان حسن بن محمد بن قلاوون سنة(748ه.)

أمّا ابرز مؤلفات عائشة الباعونية فبلغت خمسة وعشرين مؤلفاً أكثرها مخطوط أو مفقود، وقليل منها مطبوع فمن المطبوع :

(1)-القول الصحيح في تخميس بردة المديح تحقيق وشرح ودراسة الدكتور حسن محمد الربابعه ط1-2008 بدعم من وزارة الثقافة، وفيه تخميس بردة البوصيري منها قولها:

كتمتُ وجدي فأضحى غيرَ مكتتم       بمدمع عندميِّ اللون منسجم

وقال صحبي ووجدي صار كالعلم

أمن تذكر جيران بذي سلم               مزجت دمعاً جرى من مقلة بدم

والتخميس الباعوني لمائة وسبعة وخمسين بيتاً للبوصيري وقد سقط من تخميسها ثلاثة لأن تخميسها الأول فقد أثناء رحلتها إلى مصر قبيل وفاتها بثلاث سنين.

 (2)-"بديعية الفتح المبين في مدح الأمين " للشاعرة عائشة الباعونية تحقيق وتعليق حواش وفهرسة الدكتور حسن محمد الربابعه،2008بدعم من وزارة الثقافة الأردنية وقد نظّرت لعلوم البلاغة والبديع فبلغت مئة وثلاثين نوعاً منها محتجةً بمخزونها الثقافي واطلاعها على غير مئة وثلاثين ديوان شعر، مما ذكرت من أصناف البلاغة العربية كما احتجت ببلاغة القرآن الكريم وبيانه وهي من حفظته مذ كانت بنت ثمان منها قولها في براعة المطلع:

في حسن مطلع أقمار بذي سلم             أصبحت في زمرة العشاق كالعلم

وتنتهي بحسن ختام مرقوماً بمائة وثلاثين

مدحت مجدك والإخلاص ملتزمي              فيه وحسن رجائي منك مختتم

 (3)أسرة ناصر الباعوني العلمية في العصر المملوكي-دراسة في سيرهم وتواليفهم: الدكتورحسن محمد الربابعه والدكتور احمد حسن الربابعه ، طباعة مؤسسة روعة-إربد ،2007.

وفي الكتاب ذكر ٌل" 53"مؤلفاً للأسرة الباعونية الأحد عشر عالماً خلال (175)مائة وخمسين سنة أدركوها ً في العصر المملوكي

 (4) الدكتور حسن محمد الربابعه: عائشة الباعونية شاعرة،وزارة الثقافة الأردنية،1998م وهو رسالة ماجستير في جامعة اليرموك 1988م

 ( 5) فتوح الضراعة في الصلاة على صاحب الشفاعة للشاعرة عائشة الباعونية تحقيق وتعليق حواش وتقديم الدكتور حسن محمد الربابعه،2009م مخطوط.

وفيه (100) مائة بيت في الثناء على الله تعالى وأسمائه الحسنى بخمسين بيتاً والباقي في الصلاة على رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وعلى صحبه الكرام ووزيريه؛ أبي بكر وعمر وعن الأولياء والأحباب –رضي الله عنهم- والمخطوط ينتظر النشر القريب بإذن الله

أما شعر عائشة الباعونية فمتعدد الصنوف منه : الموشح والدوبيت والزجل والمواليا ومنه التسميط والتخميس ومنه أغراض شعرية كالمدح النبوي والحقيقة المحمدية ومدح صحابته الأجلاء والمطارحات الإخوانية والحنين إلى الديار والحنين إلى الخمرة الصوفية والحنين إلى ديار الرسول الكريم ،ومن شعرها الغزل بالجمال الأنثوي، ومن شعرها الوصف والحركة إلى الديار المقدسة، والى الطبيعة الثابتة كالبساتين التي فيها بهاء الله يتجلى في قدرته في نمنمتها، ولها شعر في الفخر وحساب الجمّل ،كما أن لها شعراً في تخليد البنيان ،كقولها في وصف جسر الشريعة في عهد برقوق:(زينب العاملي :الدر المنثور ص293)

بنى سلطاننا برقوق جسراً             بأمر   والأنام    له   مطيعهْ

مجازاً في  الحقيقة  للبرايا            وأمراً بالمرور  على الشريعهْ

هذا ونختم ندوتنا بتوصية لمن يهمه الأمر بأن تجمع مخطوطات الأسرة الباعونية العلمية من مكتبات العالم كمرحلة أولى تمهيداً لتحقيقها ودرسها ونشرها من لجنة علمية تشكلها وزارة الثقافة المعنية بدرس الثقافة وغرسها في نفوس أهل العلم في مدارسنا وجامعاتنا لأن عائشة الباعونية وعمها إبراهيم الباعوني "شيخ الآداب في بلاد الشام" يشكلان ظاهرة علمية تستحق الدرس، لما لهما من إبداع في مجالات الأدب والفقه والفتيا والسير والتاريخ ، ولغيرهما مثل ذلكما أو اقل بقليل ،مذكراً بأن عائشة الباعونية اختارتها منظمة اليونسكو واحتفلت بها قبل عامين من اليوم كإحدى مشاهير عوالم النساء الفواضل من عالمينا العربي والإسلامي عبر القرون الأربعة عشر الهجرية التي انبثقت منها كلمة التوحيد وشعارها قائم "اقرأ "وتصاقبه" ارق"ا في مناسم الأرض والسماء .والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 وفي نهاية الندوة وزع رئيس منتدى عائشة الباعونية درع المنتدى على كل من الدكتور حسن محمد الربابعة والدكتور احمد الربابعة ومقدمهما الدكتور مصطفى زيتون .

               

[1] للأسرة الباعونية (53)ثلاثة وخمسون مؤلفا وعددهم احد عشر عالما في العصر المملوكي انظر (الدكتور حسن الربابعة وزميله الدكتور احمد الربابعة : أسرة ناصر الباعوني العلمية في العصر المملوكي  سيرهم وتواليفهم عمان ، ط1، 2007م

[2] المقصود جبل قاسيون المطل على دمشق من الجهة الشمالية الغربية،حيث دفن فيه.