النور القادم

عمر طرافي البوسعادي

النور القادم

عمر طرافي البوسعادي / الجزائر

[email protected]

لا ريب أنّ أشرف الناس هم دعاة الحق للرسالة السماوية الخالدة ، أكرمهم الله بحمل دعوة الإسلام وتبليغها للأنام في كلّ البقاع و الآكام ، وهي مسؤولية كبرى و أمانة عظمى ، أشفقتْ السماوات و الأرض و الجبال من حملها وحملها نفر من عباد الله المؤمنين الغيورين على هذا الدين العظيم وهم يرجون يوما تـُدوّى فيه كلمة التوحيد في كلّ بقاع المعمورة . ورغم أنّ سواء السبيل محفوف بالمكاره ومزروع  بالأشواك

و العقبات لا تنتهي فيه و لا تزول فإنّ الاعتقاد الجازم و اليقين الراسخ بمستقبل هذا الدين لم ين العاملين المخلصين و لم يثن من عزائمهم قيد أنملة حيال المضيّ قدما في هذا الطريق لا سيما ونحن نرى بشائر النصر تلوح في الآفاق بعد انهيار المعسكر الشيوعي وبداية تصدّع الهيمنة الإمبريالية حين أخذ زمامها ينفلت منها ، ولم يبق إلاّ الخيار الإسلامي الوحيد الذي ستلجأ إليه الشعوب لا محالة لتخليصها من ربقة الأنظمة الفاسدة .

وإذا كانت أحداث الحادي عشر من أيلول قد صبّت العديد من الويلات على المسلمين بسبب تحطيم أسطورةٍ  على نمط " الجيش الذي لا يقهر " والتي طالما تغنّت بها الولايات المتحدة الأمريكية تعجرفا واستكبارا في الأرض بغير الحق ، تشنّ اليوم أشرس حملاتها العدائيّة على هذا الدين القيّم دون تمييز أو تمحيص ، إذ قامت باختلاق الأكاذيب ، وادّعاء الأباطيل لشلّ حركة كل مسلم آمن بالله ربّا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلّى الله عليه وسلّم نبيّا ورسولا ، ناهيك عن التدخل المباشر وغير المباشر في سيادة الشعوب بدعوى سياسية فاضحة ، وهي محاربتها للإرهاب !

بيد أنّ هذه السياسة المنتهجة لم يكن يُتوقع منها أن تلفت غير المسلمين إلى سرّ شرعة دين الحق حيث تهافت النّاس إلى البحث في جوهر هذه الديانة ، فكان ما كان من الولوج في دين الله أفواجا ، وحدث ما لم يكن في الحسبان . ذلك أنّ الإنسان الغربيّ لم تستطع أن تضلله وسائل الإعلام المجنّدة خصيصا لهذا الغرض ، ولمّا أراد المارقون استفزاز مشاعر المسلمين  بتدنيس المصحف الشريف في سجن غوانتنامو حدث الأمر نفسه وانقلب السحر على الساحر إذ تهافت الألوف من الأمريكييّن على طلب نسخ أصليّة من القرآن الكريم للاطـّلاع على محتواه دون واسطة مضللة ، وازداد الطلب في هذا الشأن ممّا أثار حفيظة الحاقدين والناقمين على الإسلام !! وصدق فيهم قول الله تعالى " ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين " . الآية 30 سورة الأنفال.

لقد بدا واضحا مما لا يقبل الشك أوالجدل أن الإسلام في انتشار سريع ومتزايد يوما بعد يوم وهو منذر بزوال الأحادية القطبية ومبشر بالنور القادم ، لكن المتأمل في حشد هذه الامّة وزحوفها المؤمنة يرى بجلاء أنّ غثائية سيلها لم تستطع إعادة مجدها كما كانت في سالف عهدها ، وأضحى سلطان الكثرة لا يمثل المعيار الأول في دك ّ حصون الكفر ، قال الله تعالى " .. ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا .." الآية 25 سورة التوبة .

إنّ الأمة الإسلامية اليوم تحتاج إلى قيادات رشيدة وحكيمة ، تتمتع بفقه عصري وحضاري قويم وفكر إسلامي عال حتى تبرم لهذه الأمة أمرا رشدا ، ورغم بروز دعاة النهضة الإسلامية وتجاوب الشعوب معها إلا أنها ظلت رهينة الانفرادية في طرح الأفكار وعرض المشروعات الرامية إلى نهضة علمية وتكنولوجية من منطلق التفوق العلمي والإقتصادي والتكنولوجي الذي يكفل عزّ الأمة في عدم بسط راحة يدها للسؤال ، وأوعز آخرون أن مجد الأمة لا يقام إلا بنهضة أدبية لسانية يتم فيها نشر الوعي الإسلامي وحض المسلمين على النهوض من رقدة الشتاء  لتنشأ النهضة العلمية كنتيجة مباشرة لسابقتها ، وكلا الفريقين أبلى بلاء حسنا فيما طرحاه وتبنياه لكنّ النتائج تظلّ بعيدة زمنيا في تحقيق الهدف المنشود، وكان الأفضل والأقرب إجراء تنسيق محكم وانشاء اتحاد ضامّ لكل المفكرين والعلماء والقادة المسلمين كي يتبنّوا مشروعا حضاريا موحدا يعكس الوجه الحقيقي لعدالة الإسلام وسماحته على جميع المستويات والأصعدة ، ويبقى العمل الجماعي المنظم وتنشئة الأنفس والعقول ركيزتين أساسيتين في أيّة نهضة مرجوّ ة .

يوم :08/06/2005 م

01/05/1426هـ