رمضانيات-24

رمضانيات

23

في الرجال عامة

د.عثمان قدري مكانسي

[email protected]

- قال الإمام الحسن البصري : الرجال ثلاثة ، فرجلٌ رجلٌ ، ورجل نصف رجل ، ورجل لا رجل . فأما الرجل الرجل ، فلبيب عاقل وذكي أريب يستشير العقلاء في أموره ثمّ يتخذ قراره .

  وأما الرجل نصف الرجل ، فلبيب عاقل وذكي أريب إلا أنه لا يستشير ويقضي ما يراه فقط .

  ورجل لا رجل ، فالأحمق لا يدري ما يريد ولا يستشير أحداً في أموره ثم يُمضي بما يحضره .

- إن أول من عزّى وهنّأ في مقام واحد فعطاء بن أبي صيفيّ الثقفيّ عزّى يزيد بن معاوية في أبيه ، وهنّأه بالخلافة ، ففتح للناس باب الكلام ، فقال : أصبحتَ رُزِئتَ خليفة وأُعطيتَ خلافة الله ، قضى معاوية نحبه ، فغفر الله ذنبَه ، وَوَليتَ الرياسةَ ، وكنتَ أحَقّ بالسياسة ، فاحتسب عند الله أعظم الرزيّة ، واشكر الله على أعظم العطيّة ، وعظّم الله في أمير المؤمنين أجرك ، وأحسنَ على الخلافة عونَك .

- ودخل رجل على صديقه يهنئه بمولوده ، فقال : ليَهنِكَ الفارس . فقال : لعلّه يكون بغالاً ، ولكن قل: شكرتَ الواهبَ وبورك لك في الموهوب ، وبلغَ أشُدّه ، ورُزِقتَ بِرّه . وقال مجاهد : كان رسول الله صلى الله عليهوسلم إذا دعا لمتزوج قال: " على اليُمنِ والسعادة والطير الصالح ، والرزق الواسع ، والمودّة عند الرحمن "   .

- وقال الحجاج لأيوب بن القِريّة : اخطِب عليّ هند بنت أسماء ، ولا تزد على ثلاث كلمات ، فأتاهم فقال : أتيتكم من عند من تعلمون ، والأمير معطيكم ما تسألون ، أفتُنكِحون أم تردّون ؟ قالوا : بل أنكحنا وأنعمنا . فرجع ابن القِريّة إلى الحجاج فقال : أقرّ الله عينك ، وجمع شملك ، وأنبت رَيعك؛ على الثبات والنبات ،والغنى حتى الممات ، جعلها الله ولوداً ودوداً ، وجمع بينكما على البركة والخير .

-  وقال ابن الرقاع لمتزوج :

قمرُ السماء وشمسُها اجتمعا    بالسعد ما غابا وما طلعا

ما وارت الأستار مثلهما    فيمن رأيناه ومن سمعا

دام السرور له بها ولها     وتهنّأا طول الحياة معا

- وتحدث بعضهم عن منافق فقال : ذاك رجل ليس له صديق في السر ولا عدوّ في العلن . وفي هذا المعنى قال الشاعر :

وإن من الخلان من تشحَطُ النوى     به وهو داعٍ للوصال أمينُ!

ومنهمْ صديق العِين أما لقاؤه        فحلوٌ وأما غيبُه فظنون

وقال في معنى النفاق مرّة بن محكان :

ترى بيننا خلقاً ظاهراً        وصدراً عدوّاً ووجهاً طليقاً

- ومن صفات المنافقين أن عيينة بن حُصين أقبل إلى المدينة قبل إسلامه ، فلقيه ركبٌ خارجون منها ، فقال : أخبروني عن هذا الرجل ( يعني النبي صلى الله عليه وسلم ) ، فقالوا : الناس فيه ثلاثة رجال ، فرجل أسلم معه فهو يقاتل قريشاً وأفناء العرب ، ورجل لم يُسلم فهو يقاتله ، ورجل يُظهر الإسلام إذا لقي أصحابَه ، ويُظهر لقريش أنه معهم إذا لقيهم . فقال : ما يُسمّى هؤلاء ؟ فقالوا : المنافقون ؛ فقال : اشهدوا أني منهم ، فما فيمن وصفتم أحزم ُ من هؤلاء ! .

- والحذر لا يأمن حتّى أصدقاءه ، يقول رجل في ذلك : اللهم اكفني بوائق الثقات ، واحفظني من الصديق . وكتب رجل على باب داره : جزى الله من لا يعرفنا ولا نعرفه خيراً ، وأما أصدقاؤنا فلا جُزوا على ذلك ، فإنا لم نؤت قطّ إلا منهم .

- وهذا ابراهيم بن العباس يكتب إلى محمد بن عبد الملك الزيات يشكوه إلى نفسه ويُظهر له ألمَه منه حين انقلب عليه أو هكذا ظنّ  :

وكنت أخي بإخاء الزمان      فلمّا نبا صرتَ حرباً عَواناً

وقد كنتُ أشكو إليك الزما     نَ فأصبحتُ فيك أذمّ الزمانا

وكنتُ أُعدّك للنائبات       فهأنا أطلب  منك  الأمانا

وفي المعنى نفسه يقول محمد بن المهديّ :

كان صديقي وكان خالصتي      أيامَ نجري مجاريَ السوَقِ

حتى إذا راح والملوكَ معاً       عدّ اطّراحيَ من صالح الخُلُق  

خليتُ ثوب الفراق في يده       وقلتُ هذا الوداعُ فانطلقِ

لبستُه لِبسة الجديد على القرّ          وفارقتُ فرقة الخلَقِ   

- ونجد بعضهم يرى فقيراً يستفيد منه مالاً وجاهاً فيظهر له الود والصداقة ويظن أن هذا ما إنْ يصبح ذا مال وجاه حتى ينقلب عليه ويقطعه فيتمنى أن يظل فقيراً كي لا ينتقل عن هذا الود المصطنع ، وهذا الشاعر كما يبدو ضيّق النفس لا يحب الخير للناس بل يحبه لنفسه وتراه أنانياً :

إذا رأيت امرأ في حال عسرته     مواصلاً لك ما في وُدّه خللٌ

فلا تمَنّ له أن يستفيد غنىً        فإنه بانتقال الحال ينتقل

- وسيدنا علي رضي الله عنه يكشف نفسيات كثير من الناس الذين يظهرون لك الودّ ما دمت عنهم غنياً فإذا احتجتَهم فهم أشحَاء بخلاء فيقول :

ولا خير في ودّ امرئ متلوّن     إذا الريح مالت مال حيث تميل

جواد إذا استغنيتَ عن أخذ ماله     وعند احتمال الفقر عنك بخيل

فما أكثر الإخوان حين تعدهم      ولكنّهم  في النائبات  قليل 

وعبد الله بن معاوبة بن جعفر يكتشف خلابة صديق له فيقاطعه قائلاً :

رأيت فُضَيلاً كان شيئاً ملففاً      فكشفه التمحيص حتى بدا ليا

فأنت أخي ما لم تكن لي حاجةٌ      فإن عَرَضَتْ أيقنتُ أنْ لا أخاليا

فلا زاد ما بيني وبينك بعدما      بلوتك في الحاجات إلا تمادياً

فلستَ براء عيبَ ذي الودّ كلّه     ولا بعض ما فيه إذا كنتَ راضياً

فعيب الرضا عن كل عيب كليلةٌ     ولكنّ عين السخط تبدي المساويا

كلانا غنيّ عن أخيه حياته             ونحن  إذا  متنا  أشدّ تغانياً     

- وصارح أحدهم صاحباً له شك في أمرصحبته وصدق إخلاصه  فقال : أما بعد فقد عاقني الشك فيك عن عزيمة الرأي في أمرك ، ابتدأتني بلطف عن غير حرمة ، ثم أعقبتني جفاء من غير ذنب ، فأطمعني أوّلك في إخائك ، وآيسني آخرك من وفائك ، فلا أنا في غير الوفاء مجمّع لك اطّراحاً ، ولا أنا في غد وانتظاره منك على ثقة ، فسبحان مَن لو شاء كشف بإيضاح الرأي في أمرك عن عزيمة الرأي فيك ، فأقمنا على ائتلاف ، أو افترقنا على اختلاف .

-  وقال عبد الرحمن بن حسان بن ثابت في اطّراح ودّ من ليس له ودّ :

ولا خير في الودّ ممن لا تزال له     مستشعراً أبداً من خيفة وجَلاً

إذا تغيّب لم تبرح تسيء به          ظناً وتسأل عما قال أو فعلا

- وبهذا يصرح المثقب العبديّ فلا حاجة للنفاق ، فإما الصدق والإخلاص وإما فالانفصال والفراق أسلم وأفضل :

فإما أن تكون أخي بصدق      فأعرف منك غثي من ثميني

وإلا فاطّرحني واتخذني        عدوّاً   أتقيك   وتتقيني

-  وقالت أعرابية لولدها : يا بني إياك وصحبة مَن مودّتُه بِشرُه فإنه بمنزلة الريح .

وكان يُقال : الإخوان ثلاثة : أخ يُخلص لك وُدّه ، ويبلغ في محبتك جهدَه . وأخٌ ذو نيّة يقتصر بك على حسن نيّته دون رفده ومعونته ، وأخٌ يُلَهْوِق ( يتزيّن بما ليس فيه ) لك     لسانه ، ويتشاغل عنك بشأنه ، ويوسعك من كَذِبه وأَيمانه .

وما أروع قول الشاعر :

لَعَمرُك ما ودّ اللسان بنافع     إذا لم يكن أصلُ المودّة في القلب

-  ونجد العباس بن الأحنف الشاعر يبدع حين يقول :

أشكو الذين أذاقوني مودّتهم       حتى إذا أيقظوني في الهوى رقدوا

واستنهضوني فلما قمت منتهضاً       بثقل ما حمّلوني في الهوى قعدوا

وأنشد الأعرابيّ :

لحا الله من لا ينفع الودّ عنده       ومَن حبلُه إن مُدّ غيرُ متين

ومَن هو إنْ يُحدِث له الغير نظرة      يُقطع بها أسباب كل قرين

وقال غيره في المعنى فأبدع :

ولا خير في ود إذا لم يكن له          على طول مرّ الحادثات بقاءٌ

فالود القائم على المصالح يتصل باتصالها وينقطع بانقطاعها لا فائدة تُرجى منه .

- وقال علي رضي الله عنه كلاماً يوزن بميزان الذهب والجواهر : لا تؤاخِ الفاجر ، فإنه يزيّن لك فعله ، ويحب لو أنك مثلُه ، ويزيّن لك أسوأ خصاله ، ومدخله عليك ومخرجُه من عندك شَينٌ وعارٌ ، ولا الأحمق ، فإنه يجتهد بنفسه لك ولا ينفعك ، وربما أراد أن ينفعك فيضرك ، فسكوته خير من نطقه ، وبُعدُه خير من قربه ، وموته خير من حياته ، ولا الكذاب ، فإنه لا ينفعك معه عيش ، ينقل حديثَك ، وينقل الحديث إليك ، حتى إنه يُحدّث بالصدق فما يُصَدّق .

-  قال أبو قبيل في هذا المعنى : أُسرتُ في بلاد الروم فوجدت على ركن من أركانها :

ولا تصحبْ أخا الجهل         وإياك وإيّاهُ

فكم من جاهل أردى         حليماً حين آخاهُ

يُقاسُ المرءُ بالمرء         إذا ما هو ماشاهُ

وللشيء على الشيء         مقاييس وأشباهٌ

وللقلب على القلب         دليلٌ حين يلقاهُ

-  واخيراً أنشد عدي بن زيد  حكمة رائعة توضح من ينبغي أن نصاحبه لأنه مرآتنا والدليل علينا :

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه         فكل قرين بالمقارن يقتدي