بيع التورق أثاره وفوائده
هايل عبد المولى طشطوش
هناك اتهامات كثيرة للإسلام من قبل المرجفين والمغرضين تقول بان الإسلام حاصر المسلم فيما يتعلق بأموره المالية حصارا عنيفا وقيده بقيود صارمة تحد من قدرته على الحركة والتفاعل الاقتصادي في المجتمع الإنساني ولكننا نرد على ذلك فنقول أن الإسلام لم يحاصر الإنسان المسلم اقتصاديا بل جعل تفاعلاته الاقتصادية منضبطة ومبنية على الأخلاق والقيم الحميدة والسلوكيات الرفيعة التي تمنع وقوعه في شرك الإثم والخطيئة أو تؤدي به إلى هلاك مالي أو دمار اقتصادي كما هو حال البشرية اليوم عندما ابتعدت عن الأخلاق ومارست كل أنواع المحرمات الأخلاقية والاقتصادية فوقعت في شرك الأزمات والويلات التي لا مخرج منها إلا بالعودة إلى أخلاقيات الاقتصاد الإسلامي القائمة على الصدق والأمانة ومنع الغش والغبن والغرر والتدليس والكذب ... وغيرها من الأخلاقيات والأدبيات الاقتصادية الإسلامية .
ومن بين الوسائل المتاحة لحصول السلم الذي حاصرته الحاجة والعوز على المال -والتي فرضها الواقع المعاصر واحتاجت إلى قرارات فقهية- هو ما سمي بـيع (التورق ) وهو مصطلح اقتصادي إسلامي ظهر حديثا ، فبيع التورق كما عرفته مراجع فقهية كثيرة وأبرزها مجمع الفقه الإسلامي هو " شراء سلعة في حوزة البائع وملكه، بثمن مؤجل، ثم يبيعها المشتري بنقد لغير البائع، للحصول على النقد (الورق) " ، فهذه وسيلة ابتدعتها التفاعلات الاقتصادية الإنسانية تطلبت إصدار حكم شرعي وفتوى تتعلق بها ليكون المسلم على بينه في تعاملاته المالية وذلك بسبب أهمية وخطورة هذه التعاملات وليبتعد عن المحرمات في هذا الإطار ، أما حكم هذا البيع من الناحية الشرعية فقد اعتبر جمهور الفقهاء انه جائز ولا شيء فيه لان الأصل في البيوع الإباحة وذلك لقول الله تعالى: "وأحل الله البيع وحرم الربا" [البقرة:275] وهذا ما جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي الصادر عن دورته الخامسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، التي عقدت يوم السبت 11رجب 1419هـ الموافق 31/10/1998م.وقد وضع المجمع عددا من القيود والشروط ليكون هذا النوع من البيوع خاليا من الشبهات وسليما من الناحية الاقتصادية الشرعية كان أبرزها :" بأن لا يبيع المشتري السلعة بثمن أقل مما اشتراها به على بائعها الأول، لا مباشرة ولا بالواسطة، فإن فعل فقد وقعا في بيع العينة، المحرم شرعاً، لاشتماله على حيلة الربا فصار عقداً محرماً " ،إن مثل هذا القرارات التي تتصدى لقضايا الواقع الاقتصادي هي واحدة من الردود على من يتهم الإسلام بالجمود والتقييد من الناحية الاقتصادية ، وهو في نفس الوقت أسلوب عظيم وطريقة ميسرة تساعد المسلم المحتاج للنقود لحاجة الزواج أو شراء مسكن أو علاج مريض او الإنفاق على طالب علم أو الرغبة في قضاء دين في الحصول علية بالحلال وفي إطار أخلاقي عز نظيرة ، وهو كذلك طريقة عظيمة تمنع المسلم من الوقوع في شرك الربا والمؤسسات الربوية التي تستغل حاجة الإنسان للمال فتقدم له الائتمان وفق شروطها الربوية المجحفة إضافة إلى وقوع المسلم في أمر محرم أعلن الله الحرب على فاعلة ، إضافة إلى الآثار السيئة التي يحملها للمجتمع ناهيك عن اثر الربا في بناء طبقة محتكرة للمال في المجتمع مما يخلق صراعات اجتماعية تقض مضاجع المجتمع وتحول دون تطوره ونمائه ، لذا نجد بان بيع التورق هو الطريق الشرعي الأقرب والأقصر للحصول على المال لمن احتاج إلية وله فوائد كثيرة أولها: تحريك عجلة النشاط الاقتصادي في المجتمع بسبب حركة البيع والشراء بين الناس ، إضافة إلى توفير السيولة النقدية بين أيدي الناس مما يسهل أمورهم المعاشية والحياتية ناهيك عن انه طريقة جيدة لإغلاق منافذ الربا والحيلولة دون تمددها واتساع نطاقها والمساهمة في تجفيف منابعها ، لذا فان المسلم المحتاج للمال علية أن يتجنب الوقوع في فريسة المؤسسات الربوية من خلال هذه الطريقة الميسرة إنشاء الله.
* باحث ومؤلف
ماجستير علوم سياسية