لقمة العيش تكسر القلم

البراء كحيل

[email protected]

بدتْ عليه علاماتُ النباهةِ والذكاء منذُ نعومةِ أظفاره , وتوسّم له كلّ من حوله بمستقبلٍ مشرقٍ مليءٍ بالعلمِ والعطاء , كان يَكبرُ واليراعُ في يده يخطُّ أجملَ الروائعِ وأمتعَ القصص , وكلمَّا خاضَ في غمارِ الأيام ازدادتْ ثقافته وتميزَ أسلوبُ كتابتِه , لكنْ هي الدنيا لا يدومُ لها حالٌ على حال تتكسرُ فيها الأحلامُ وتتبعثرُ أمامَ صعابِها الآمال فما إنْ تخطّى عقده الثاني حتَّى جفّ حبرُ دواتِه وتوقف قلَمُهُ عن الكتابة وأعلنَ فكرُه وعقلُه الجمود وأصبحَ عاجزاً حتّى عن كتابة عدة أسطرٍ مميزة .

تُرى ما السببُ وما العلّة ؟؟؟

لماذا يتوقفُ الكاتبُ المبدعُ عن الكتابةِ وينكسرُ قلمهُ وهو في بداية الدربْ ؟؟

لماذا تخذلُ الرسّامُ ريشتَه حتَّى يغدو عاجزاً عن رسمِ لوحةٍ صغيرة  ؟؟

بل لماذا يقفُ الشاعرُ حائراً في البحثِ عن القافيةِ والوزنِ وهو الذي اعتادَ على كتابةِ أجملِ المعلقاتْ ؟؟؟

لماذا يتوقفُ كلّ هؤلاءِ ويُعْلِنُونَ الاستسلام وهجرَ الإبداعِ والتميز ؟؟

إنّها لقمةُ العيش التي تَكسرُ قلمَ الكاتبْ وتمزّقُ لوحةَ الرسّام وتُبعثرُ القوافي لدى الشاعر , فعندما ينشغلُ الفكرُ في البحثِ عن أساسيات الحياة ويتعبُ الجسدُ في تحصيلها تتوقفُ مَلكَةُ الكتابةِ لدى المؤلف ويضيعُ إبداعُ الفنّان ويقعُ الشاعرُ في حيرةٍ تطيشُ منها العقول ,

وعندما تَطْمئنُّ النفسُ إلى أساسياتِ الحياة تُحلّقُ مبدعةً في فضاءِ العلمِ والعطاء !!

فمتى يا تُرى يأتي هذا الزمان حيثُ يعيشُ المبدعون في أمانٍ ورخاء يرفلونَ منْ نعيمِ العلمِ والفهم لا يُحاربهمْ أحدٌ في لقمةِ العيش ولا تُعطّلُ صعابُ الحياةِ مسيرةً الإبداعِ والعطاء .

وفي النهاية يصرخُ اليراعُ بأعلى صوته ليُسْمِعَ أهلَ الأرضِ قاطبةً لا يُمكن لكلِّ قوى الأرضِ أنْ توقفَ الكاتبَ عنْ كتابتِه ولا الرسامَ عن إتمامِ لوحتِه وسيكمِلُ الشاعرُ قصيدتَه.

وإنْ تعثرَ هؤلاءِ قليلاً في طريق الإبداع لكنْ لا يُمْكنُ أنْ يسْتَسْلِمُوا مهمَا جَرى لهمْ فحتَّى في أشدِّ اللحظاتِ يُمكنُ للقلمِ أنْ يُبْدِعَ في رسمِ المأساةِ للأجيالِ القادمة.