أين الإسلام
امحمد رحماني
- باحث مغربيسؤال يطرحه كل من قيد الله له ودرس المجتمع الأروبي عامة والمجتمع الياباني بالخصوص ، لما يدرك من فرق شاسع بين من يدعي قولا ومن يقوم به فعلا ، فأين ما أجلى الدارس والباحث بنظره في المجتمع الياباني إلا وردها إلى جفونها معجبة بما وصل إليه المجتمع الياباني من تطور وازدهار وتقدم وفكر ووعي اجتماعي عام على كل الأصعدة وفي كل المجالات من فقه الاقتصاد إلى فقه الجلوس في الطرقات ، بموازاة ذلك يرجع الباحث عينه إلى جفونها مكلومة حزينة متدفقة الدمع حين يتذكر مجتمعه و يدرك ما يعيشه من جهل وتخلف وأمية على كل الأصعدة وفي كل المجالات من فقه الاجتماع إلى فقه الأكل ، تخلف يدرك من خلاله الباحث أن لا قيام لهذا المجتمع إلا إذا تخلى عن كل ما يحمله فوق ظهره من ترسبات الجاهلية العمياء .
والعجيب في الأمر أن المجتمع الياباني لم يُخَصَّ برسالة سماوية جامعة مانعة وبرسول بشير وندير ، لم يُنْعَمْ عليه بدين مثل دين الإسلام وبرسول مثل محمد عليه الصلاة والسلام ، إلا أنه حقق جميع ما يحث عليه دين الإسلام وما أوصى به رسول الإسلام فلم ينقصه إلا النطق بالشهادتين ودروس في العقيدة ويصبحوا من أحسن الأمم على الإطلاق ، بينما قوم العرب الذين اختصوا بهذا الدين العظيم وبرسوله الكريم ، دين التطور والازدهار ورسول الإصلاح والكرامة والتقدم والنمو ، إلا أنهم أبوا الخروج من عصبيتهم الممقوتة وجهلهم الفارغ حتى صاروا مثلا لكل فاسد في الأرض ومختبرا لكل تجربة أرادها الغرب ، والسبب في ذلك واضح بلا شك وهو أننا تخلينا عن ديننا وتمسكنا بغيره ، وأعطينا ظهورنا لرسالة الإسلام ورسولها ، وأبينا العمل بما جاء به هذا الرسول الكريم علما أننا نعلم أنه جاء بالخير لنا ولأهل الأرض أجمعين .
لكننا تخلينا عنها في وقت تمسك بها غيرنا ، تمسكوا به قالبا لا قلبا ، ونحن لم نتمسك بها لا قلبا ولا قالبا ، حتى أصبح الإنسان يطرح على نفسه : أنحن أمة الإسلام ؟ إن كنا في هذا الدين نعرف بالجهل والأمية والقتل والعصبية والظلم والفساد والدكتاتورية فإنه بلا شك ليس هو الإسلام ، ليس هو الإسلام الذي جاء به رسولنا صلى الله عليه وسلم لأنه ببساطة دين العلم والسلم والمحبة والتعاون والصلاح والشورى والحرية .
إذا ما نحن فيه ليس هو الإسلام إنه دين شبيه بالإسلام .
الإسلام دين العلم ونحن أمة ظهر فيه الجهل حتى أصبح يتدبدب على نسب السبعينات والثمانينات على درجة قياس الأمية .
الإسلام دين النصيحة ونحن أمة أصبح طابعها التكبر والإلزام بالرأي الواحد فلا حرية للتعبير ، ومن خالف غُيِّبَ وراء الشمس .
الإسلام دين السلم ونحن أمة انتشر فيها القتل والتذبيح فهذا اليمن وما يجري فيها بين الشمال والجنوب وهذه العراق وما يقع فيها بين السنة والشيعة .
الإسلام دين التعاون ونحن أمة ميزتها الأساسية التعدي والتعاون مع الغرب للقضاء على الأخ والجار القريب .
وزد على ذلك ما تريد .
ببساطة : أهذه أمة الإسلام ؟ بلا شك فليست هذه هي أمة الإسلام ، ولذلك يدرك الإنسان لما قال الله عز وجل ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )(1) فالإسلام لم تختص به أمة دون أمة فأيما أمة أرخت لجامها للإسلام واتبعت رسوله وعملت بما قال فهي أمة مسلمة بلا شك وأي أمة عملت بغير هذا الدين ولم تتبع الرسول الكريم فهي أمة بعيدة كل البعد عن الإسلام والإسلام برئ منها إنها أمة مسلمة إسما لا جوهرا ، أو قل أمة إسلامية لا مسلمة .
ولذلك فلن نكون في مستوى ننسب فيه إلى الإسلام إلا إذا عملنا بهذا الدين والتزمنا به التزاما كاملا ، لا أن نأخذ بحكم وندع أحكاما .
لقد تخلينا عن تعاليم الإسلام في حين تمسك به غيرنا ،
فإلقاء التحية مثلا : إلقاء السلام من مميزات المسلم ومن اشد ما حرص عليه الإسلام ، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كثيرا ما يوصي أصحابه قائلا "إلا أدلكم على شيء إن فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم "(2) وفي القرآن قول الله عز وجل ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها )(3) بل إن قولها في الدين سنة وردها واجب ، غير أنك تجد العكس عندنا فلا يكاد أحد يسلم على أحد في الشارع إلا النادر القليل ، ولا يكاد الرجل يسلم على أحد إلا على أهل بيته ومعارفه وأقاربه ، بينما السلام وإن شرع لذلك إلا أنه جاء لمن لا تعرفه حتى تأمنه ويأمنك ، أما الذي تعرفه فأنت تراه صباح مساء ، وقم بتجربة وانزل إلى سوق من أسواق العرب أو في شوارعهم وألق السلام على كل من مر بك وستجد الناس يتعاملون معك على قسمين :
* قسم لا يرد عليك أصلا موهما نفسه أنه لا يسمعك ، لأنه يظنك ستسرقه أو تضربه .
* قسم يظنك مجنونا ويقول في نفسه من هذا المجنون الذي يقول السلام على كل من مر به.
بينما أنك تجد الإنسان الأوروبي أشد حرصا على السلام من المسلم فلا يكاد أوروبي يقترب منك إلا ويلقي عليك التحية فإما يقول "كود مورنين" أو "هواريو" أو "بونجور" أو "هاي" أو حتى "سلام عليكم" لدرجة لا تتصور ، فمرة كنت في رحلة في نواحي الراشدية وهي منطقة مشهورة بتواجد السياح بكثرة في المغرب الحبيب ولفت انتباهي أمر عجيب وهو أن الأوروبي أو غيره من الأجانب إذا تجاوزك بسيارته على الطريق وأنت راكب على سيارتك يرفع يده تحية لك أو يرفعها الذي يجلس قربه ، وقد تعمدنا تخفيف سرعة السيارة لكي يتجاوزنا الأجانب باستمرار فكان كلما تجاوزنا أحدهم إلا ويرفع يده مشيرا لنا فإن لم يرفع السائق رفع الذي يجلس قربه ، وإذا تجاوزنا عربي لا يكاد يشعل إشارة التجاوز "الدوبلاج" فلما سألنا إحدى القاطنين بالمدينة قال لنا بأن الأوروبي حينما يرفع يده وهو يتجاوزك إنما يطلب منك السماح وكأنه يعتذر منك لأنه أسرع منك في بلدك ، أي كأنه يطلب منك الأذن بالتجاوز، أو قل كأنه يواسي حزنك إذا وقع في نفسك أن سيارته أحسن من سيارتك وحاله أحسن من حالك وظروفه أحسن من ظروفك فتحب بلده وتكره بلدك ، فكأنه يواسيك على حالك وظروفك .
والنظام مثلا : فلن يجد باحث أو دارس بعد التنقيب أيَّ دينِ يحرص على النظام أكثر من دين الإسلام ، حتى لقد جعله الشرع أمرا ضروريا في الصلاة وفي الصيام وفي الحج ويوم القيامة (وعرضوا على ربك صفا )(4) ( يوم يقوم الروح والملائكة صفا )(5) بل وجعله في القتال ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص )(6) وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص على تسوية الصفوف في الصلاة ويقول "سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة"(7) ويحرص عليه في الجهاد ويقول لأحد أصحابه "استو يا سواد" بينما عمل المسلم مخالف تماما لتعاليم دينه وتوصيات رسوله ففي الصلاة لا يُقِمِ الإمام الصلاة حتى يبح من كثرة قوله "سو صفوفكم" ولو رأيت المسلمين وهو يرمون الجمرات فإنك بلا شك سترى ملك الموت في تلك البقعة بالتأكيد ، ولو رأيت المسلمين وهو يركبون القطارات والحافلات أو وهم في الانتظار في محل لبيع الحليب والخبز في رمضان أو حتى وهم يتلقون المساعدات من بعض المحسنين لحسبت أنك في أمة لا تعرف النظام أصلا فتكون العصا ضرورية في تلك الأماكن حتى إنك تذهب إلى البلدية فتجد رجل سلطة يحمل عصا غليظة طويلة وتجده عند المحكمة وتجده عند البريد تجده في كل المؤسسات التي يقع فيها "فقه الطابور" حكى أحدهم قائلا : كان لي صديق كلما صليت التراويح في شهر رمضان إلا ورأيت في وجهه كدمة أو أثرا للضرب فأسأله فيقول : هذا من آثار الحصول على الحليب والخبز .
ولكن لو نظرت إلى الغرب في هذه الناحية فسترى عجبا وخصوصا في اليابان فلا يصعد اليابانيون إلى القطار إلا بعد نزول الناس منه ، والذين ينتظرون القطار يقفون على خط اصفر مرسوم على أرضية المحطة وحينما يصل القطار ينقسم الصف المنتظر إلى قسمين قسم على اليمين وقسم على الشمال أمام باب المقطورة فينزل الركاب وهم يشكلون صفا ويمرون وسط الصفين ، وينزل هؤلاء ويركب هؤلاء بسهولة تامة وانسياب كامل كأنهم سلسلة متصلة الحلقات ، وكل هذا بدون شرطي أو عامل مرور ولا يتدخل عامل المرور إلا في حالة كثرة الركاب فإنه يحرص على أن يكن كل الركاب داخل القطار ولو أدى ذلك إلى دفع آخرهم لكي يقفل الباب حتى لا يبقى الراكب معلقا في الباب كما هو الحال عندنا خوفا على سلامته ، وتجد الرجل من طوكيو والآخر من أوكوياما ولا أحد يعرف الآخر لكنهم يتعاونون في النظام ، اقلب العملة وانظر إلى العرب وهم يركبون القطار وخصوصا في مصر فيجتمعون على الباب وكأنهم يريدون قتل وحش لدرجة أن بعضهم لا يركب حتى يُشْبَعَ ضربا في ظهره ورجليه ، ولدرجة أن الكثير من المسافرين من تفوته محطته وينزل في مدينة أخرى لازدحام الباب واستحالة المرور والعجيب في الأمر أن مجموعهم لا يساوي حتى نصف مجموع الذين يركبون القطارات في اليابان . أو تعال إلى المغرب لترى الطلبة الجامعيين – الفئة المثقفة – وهم يركبون في الحافلات ، اذهب مثلا إلى مدينة وجدة واركب في خط 14 المتجه إلى الجامعة أو خط 24 .
والنظافة مثلا : فقد أكد الإسلام على النظافة وحرص عليها حرصا بالغا بل واعتبرها ركنا أساسيا في كل أركان الإسلام فلابد من الاغتسال أثناء النطق بالشهادتين لمن أراد الدخول في الإسلام ولا بد من الاغتسال والوضوء لمن أراد الصلاة وكذلك الحج وتعتبر الزكاة مطهرة في الإسلام ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم بها )(8) وكذلك الصيام فقد كان رسول الله يقول "جاءكم المطهر" لكن انظر إلى المجتمع العربي في هذه الناحية إن صلى قربك قتلك برائحته الكريهة العفنة وكأنه لم يستحم منذ شهر أو يزيد وفي الحج اسأل السلطات السعودية كم يخلف الحجاج خلفهم من الأوساخ والأزبال ملقاة على وجه الأرض وكأنهم ما جاءوا ليحجوا وإنما جاءوا ليسخوا ويلوثوا ، ولولا جهود العاملين في الحرمين لمتلئت الأماكن بالأوساخ ، بل انظر إلى حدائقنا فإنها تشبه مزابلنا ، بل هي مزابلنا فأنّى وُجِدَ المسلم إلا ووجدت شوارعه مكدسة بالأزبال والأوساخ ومستشفياته بالأوبئة والأمراض وأرضه بالقحط والجفاف وجسمه بالجراثيم والباكتيريا وحيثما وجد ظل شجرة في أرض إسلامية إلا ونازعتك فيها الروائح الكريهة ولا ماءا راكدا إلا وقد قُضِيت الحاجة عنده ولا جاريا إلا وقد رميت الجيفة فيه.
وإذا نظرت إلى المجتمع الياباني فمن شدة نظافته وكأنك في مجتمع لا يأكل ولا يشرب ولا يترك فضلات ، لدرجة أن اليابان يحرص على أن تكون شاحنات الأزبال مقفلة تماما ونظيفة من الخارج حتى لا تؤدي الناظرين لها فهم يحرصون على المنظر العام فما بالك بغيره ، أضف إلى ذلك أن الياباني لا يرمي الأوساخ كيفما أراد وإنما له برنامج مضبوط ، فمثلا يرمي يوم السبت الزجاج ويوم الأحد الأوراق والكارطون ويوم الاثنين الحديد والمعادن الصلبة وهكذا حتى إذا جاءت الشاحنة يوم السبت صباحا فإن العمال يعرفون أنهم سيتعاملون مع الزجاج فيأخذونه إلى المصنع مباشرة لإعادة تصنيعه ، حتى إنك لتقف أمام الأزبال في اليابان ولا تشم منها أدنى رائحة لأنهم يعلمون أن الرائحة المنبعثة من الأزبال تأتي من المأكول والمشروب وهم يعلمون أطفالهم ابتدءا من الروض أن لا يتركوا المشروبات في القنينات والمأكولات كذلك ، فتنعدم الرائحة ويجمعون الأوساخ في أغلفة بلاستيكية بيضاء وإذا ما امتلئت الحاويات بالأوساخ لا يركمون عليها فوق طاقتها كالجبال عندنا وإنما يأتون بحاوية أخرى، وإذا نظرت إلى عامل النظافة عندهم وجامع الأزبال في اليابان وكأنك تنظر إلى دكتور يريد أن يجري عملية جراحية في القلب أو الدماغ ، وإن مر الرجل الياباني بعامل النظافة أحنى له رأسه احتراما لما يقوم به من عمل مهم وجبار، على العلم أن عامل النظافة في اليابان يسمى "مهندس الصحة والنظافة" ، أما عندنا فإن الرجل إن تخاصم مع جاره عيَّره بجامع الأوساخ إن كان جاره عاملا بالنظافة ، وإن أردت تجربة اذهب لتخطب لأبنك من بيت عربي وقل لهم إن أبني يعمل جامع أزبال وستسمع الإجابة بالتأكيد .
والقراءة مثلا : فهي أمر شريف وغالٍ في الدين الإسلامي الحنيف حتى إن أول آية نزلت من القرآن كانت حاضة على القراءة ( اقرأ باسم ربك الذي خلق )(9) ومجموع آيات الكتاب تستهدف القراءة وتحرص عليها ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون )(10) غير أنك تجد المسلم تتدبدب معارفه الإسلامية والتي من الضروري أن يعرفها كالصلاة والوضوء تتدبدب على درجة الصفر ، وإن سألته عن عدد أبناء الرسول صلى الله عليه وسلم قال لك "هو الرسول كان عندوا أبناء" أو كما وقع في أحد المسابقات الرمضانية سألت المذيعة المواطن " من هي المرأة الأولى التي تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم ؟" فقال " مريم بنت عمران" ولك أن تتصور المعارف الدينية التي يخزنها عنده ، حينما سمعت هذا قلت الحمد لله أنها لم تقل له من هو أب الرسول صلى الله عليه وسلم وإلا لكانت الإجابة قاتلة .
وما وجدت نسبا تفوق الستين على سلم القياس العلمي للأمية فاعلم بدون أن تقرأ اسم الدولة أنها دولة عربية بامتياز ، ولذلك لم تتحقق أهداف الصلاة والصيام والحج لأنها عندنا لا تعدو أن تكون طقوسا دينية فارغة من الداخل ، أما عند اليابان فلا تكاد تجد رجلا إلا وهو ممسك بكتاب أو جريدة أو غيرها وخصوصا في أماكن الانتظار أو أثناء السفر أما عندنا فإن صديقه الوحيد السيجارة ، وتجد ما يطبع في الغرب من الكتب في شهر يطبع عندنا في خمسة أعوام ولك أن تعرف الفرق عند ذلك .
كل ذلك يجعلك تطرح سؤالا ، وإن لم تكن مؤمنا بالله أتم الإيمان لجرك إلى ما لا يحمد عقباه : وهو : أين الإسلام ؟ أين الإسلام في عيشنا ومعاملاتنا وركوبنا ؟ أين الإسلام من حياتنا ؟
لذلك فلا بد من الرجوع للإسلام قلبا وقالبا .ووالله ما خاب رجل اتبع محمدا في السر والعلن .
1 – الأنبياء 107 .
2 – سنن أبي داود 5193 .
3 – النساء 86 .
4 – الكهف 48 .
5 – النبأ 38 .
6 – الصف 04 .
7 – سنن أبي داود 668 .
8 – التوبة 103 .
9 – العلق 01 .
10 – الزمر 09 .