فغفر له
رمضانيات (21)
د.عثمان قدري مكانسي
[email protected]
-
رأى موسى عليه السلام قبطياً وإسرائيلياً يقتتلان حين دخل المدينة على حين غفلة من
أهلها، فاستغاثه الإسرائيلي – وكان أقباط مصر إذ ذاك يستذلـّون اليهود - فما كان
من موسى عليه السلام – وهو شاب قويّ - إلا أن وكز القبطي فمات على فوره ، ولم يكن
موسى عليه السلام يريد قتله ، لكنّ وكزته القوية كانت السبب في انتهاء أجله ،
-
شعر موسى بالحزن والأسى لأمر لم يكن يقصده ، إنه أراد أن يمنع أذى القبطي المعتدي
عن الإسرائيلي ليس غير، فوجد نفسه يقتله ، فأقر أن هذا التسرع من عمل الشيطان عدوّ
البشرية ، فهو يهيّج في الإنسان غضبه فيفقده السيطرة على نفسه فيرتكب أخطاءه "
قال هذا من عمل الشيطان ، إنه عدوّ مضل مبين "
فاستغفرربـّه نادماً من فعلته العفوية هذه : " قال ربي
اغفر لي " قالها مخلصاً في دعائه واسفه ، وتوجه إليه سبحانه أن يقيل عثرته
ويغفر ذنبه فجاءه الفضل من ربه سريعاً " فغفر له ، إنه هو
الغفور الرحيم " .
-
إن صاحب القلب المتصل بالله إن يخطئ فيتـُبْ يقبلِ الله توبته ويقـِلْ عثرته ،
ويستشعر موسى فضلَ الله عليه فيعاهده تعالى أن لا يكون ظهيراً للمجرمين ، وأن يكون
معيناً للمظلومين ، " قال ربّ بما أنعمتَ عليّ فلن أكون
ظهيراً للمجرمين " .
-
عدت إلى التفاسير أستجلي الطريقة التي علم فيها موسى عليه السلام أن الله تعالى قد
غفر له ، فلم تسعِفني هذه التفاسير، وبعضها أخطأ حين جعله نبياً وهو شاب مع أن
النبوّة والرسالة جاءته وهو عائد من مدين مع أهله إلى مصر ، فكيف علم موسى قبل أن
يصير نبياً يوحى إليه أن الله تعالى قد غفر له ؟ ! .
-
لقد كان موسى وهو فتى ثم شاب ثم رجل يعلم أنه سيكون نبياً رسولاً وأن الله تعالى
رباه على عينه ، واصطفاه لنفسه " ولتُصنع على عيني
" واصطفيتك لنفسي " . وقد يتساءل أحدهم كيف يعلم
ولم يصِرْ نبياً بعدُ ؟ فالجواب أن أمه كانت تعلم منذ ولادته أنه سيكون رسولاً وقبل
أن ترضعه الرضعة الأولى إذ أوحى الله إليها ذلك الأمر فيما نقرؤه في بداية سورة
القصص : " وأوحينا إلى أم موسى أْنْ أرضعيه ، فإذا خفت
عليه فألقيه في اليمّ ، ولا تخافي ولا تحزني ، إنا رادّوه إليك وجاعلوه من
المرسلين " فقد وعدها سبحانه أن يعيد رضيعها إليها وأخبرها أن ابنها
سيكون ذا شأن في المستقبل ، إنه سوف يكون رسولاً .
أخبرنا
الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أن في الأمم قبلنا رجالاً صالحين كانت الملائكة
تحدثهم وتسدد خطاهم وتؤانسهم أما في أمتنا فليس فيها هذا الصنف . والسبب في ذلك أن
الإسلام دين كامل أتمه الله علينا " اليوم أكملت لكم
دينكم ، وأتممت عليكم نعمتي رضيت لكم الإسلام ديناً " فلا مجال مطلقاً
لزيادة المتخرّصين ، وكذب المدّعين ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما ترويه
السيدة عائشة رضي الله عنها " قد كان فيما مضى قبلكم من
الأمم أناس محدثون فإن يكُ في أمتي أحد منهم فهو عمر بن الخطاب " صحيح
الجامع للألباني الصفحة أو الرقم: 4377 وعلى هذا فلا نقبل دجّالين يقولون :
حدثني قلبي عن ربي ، ويعتبر نفسه موصولاً بالله
يتلقى الوحي عنه بقلبه الطاهر !!! ويتقول على الله الأقاويل ، فيفتن الناس ويدلّس
عليهم دينهم .
-
ومن الأحاديث التي رأينا الرجل ممن قبلنا يسمع الملائكة تتحدث ما جاء في الحديث
الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
بينا رجل بفلاة من الأرض ، فسمع صوتا في سحابة : اسق
حديقة فلان . فتنحى ذلك السحاب . فأفرغ ماءه في حرة . فإذا شرجة من تلك الشراج قد
استوعبت ذلك الماء كله . فتتبع الماء . فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته
. فقال له : يا عبدالله ! ما اسمك ؟ قال : فلان . للاسم الذي سمع في السحابة . فقال
له : يا عبدالله ! لم تسألني عن اسمي ؟ فقال : إني سمعت صوتا في السحاب الذي هذا
ماؤه يقول : اسق حديقة فلان . لاسمك . فما تصنع فيها ؟ قال : أما إذ قلت هذا ، فإني
أنظر إلى ما يخرج منها ، فأتصدق بثلثه ، وآكل أنا وعيالي ثلثا ، وأرد فيها ثلثه
" رواه مسلم .فعرف الرجل سبب إكرام الله تعالى لهذا المزارع المؤمن الذي يتصدق بثلث
ماله على الفقراء ، ومن الأحاديث التي تظهر الملائكة تكلم المسلم فيما قبلنا ما
رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "
زار رجل أخا له في قرية ، فأرصد الله له ملكا على مدرجته ، قال : أين تريد ؟ قال :
أخا لي في هذه القرية ، فقال : هل له عليك من نعمة تربها ؟ قال : لا ، إني أحبه في
الله قال : فإني رسول الله إليك ؛ إن الله أحبك كما أحببته "
-
أما موسى عليه السلام فقد يكون أفضل المحدّثين الذين كانت الملائكة تكلمهم وتسدد
خطاهم ، سيّما أن الله تعالى هيّأه ليكون من الرسل أولي العزم . فعلم أن الله تعالى
غفر له لحديث الملائكة إياه صلى الله وسلم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام .