تجربتي في الكتابة للأطفال

عبد الله الطنطاوي

تجربتي في الكتابة للأطفال *

عبد الله الطنطاوي

تمهيد:

ما أصدق وما أروع قول الشاعر:

و  إنـمـا أولادنـا iiبـيننا
لو هبت الريح على بعضهم

أكبادنا  تمشي على iiالأرض
لامتنعت عيني من iiالغمض

ما أروع هذا الأكباد –التي وصفها الله في كتابه العزيز بأنها زينة الحياة الدنيا- ما أروعها وهي تمشي على الأرض، تملأ علينا دنيانا بكل جميل..

ومن حق هذه الأكباد علينا، أن نرعاها وأن نقدّم لها زاداً سليماً يكون نسغ حياتها الطيب.. نربيها، ونبذل لها من ذات نفوسنا وقلوبنا وراحتنا ومالنا، ما يعدها لقابل الأيام، لتكون ناساً أسوياء..

ومن هذا الإعداد، أن يكون لهؤلاء الأحبة الصغار ما يغذي عقولهم، ويصقل نفوسهم، ويعمر قلوبهم بحب الخير، من خلا تربيتهم.. من خلال صحافتهم الخاصة بهم.. من خلال الأدب الموجَّه لهم والموجِّه..

وقد سبقنا الأجداد قبل أربعة عشر قرناً إلى العناية بهذه الزهرات.. بهؤلاء الأشبال، ليكونوا قادة المستقبل وأسوده.

ثم غفا الخلف وغفلوا عن هذه المهمة الجليلة، وسبقهم إليها الآخرون، فظهرت صحافة الأطفال في الغرب منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر.. سبقونا في هذا الميدان كما سبقونا في سواه. وهذا ما يدعونا إلى أن نبادر ونستبق للحاق بالركب.

مراحل الطفولة:

قسم العلماء والمربون طفولة الإنسان -التي هي أطول من طفولة سائر الأحياء- إلى ثلاث مراحل:

1- مرحلة ما قبل المدرسة: وتمتد من الولادة إلى السنة السادسة، ورأوا أن للسنتين الأوليين أهمية كبيرة في حياة الطفل، ففيهما ينمو جسمه إلى ثلاثة أمثال وزنه عند الولادة، وينمو دماغه نمواً لا يعادله نمو في السنوات التالية، وينمو وجدانه، ونمو جسمه وعقله ووجدانه، هو أساس لكل ما يلي ذلك من نمو.

2- مرحلة الدراسة الابتدائية: وتبدأ من سن السادسة، حتى الثانية عشرة، وفيها ينمو الجسم ويتكيف مع بعض متطلبات الحياة العملية، وينم العقل نمواً يساعد الطفل على القيام ببعض العمليات العقلية والذهنية، ويتدرب على بعض المهارات اللغوية.. وينمو اجتماعياً، وتصبح عزيزة الاقتناء وحب التملك واضحة لديه، ويغدو أقدر على حل بعض المشكلات الانفعالية، ويميل إلى بنا علاقات مع أبناء أقاربه، ومع أبناء حيه، وزملائه في المدرسة، وتكون هذه الصلات على حساب تعلّقه بوالديه.

3- مرحلة المراهقة:

وتبدأ من سن 13-18 سنة، وفيها ينمو خياله، ويميل إلى الجدل، وتزداد انفعالاته، ويكون أشد وعياً لحقوق الناس الذين يعايشهم، ولواجباته تجاههم..

إن طفولة الإنسان أهم مرحلة من عمر الإنسان، لأنها الأساس الذي ينهض عليه بناء شخصيته وتكوينه الجسمي، والعقلي، والروحي، وقد عرفت البشرية هذا منذ فجر التاريخ، فبذلت الأسرة جهودها في تربية أطفالها التربية التي تلائمها وتلائم بيئتها الاجتماعية، والدينية، والسياسية..

كتابتي للأطفال:

عندما كنت فتى في المرحلة الإعدادية، كنت أكتب في الصحب السورية، وما كان أكثرها في تلك الأيام..

وفي المرحلة الثانوية، تابعت الكتابة في تلك الصحف، ودخلت عالم الكبار، عندما تبنَّى كتابتي الأستاذ الشاعر الرائع: أحمد مظهر العظمة، رحمه الله رحمة واسعة، وصار ينشر لي في مجلته القيمة (التمدن الإسلامي) ويضع أمام أسمي لقب (أستاذ) وكان يصر عليه، مع علمه بأنه يسبب لي حرجاً أمام أساتذتي وزملائي في (الغراء) فتشجعت وأرسلت إلى مجلة (المسلمون) فنشرت لي مرتين..

ولكن تلك الكتابات التي كتبها فتى في مرحلة المراهقة، لم تكن من قبيل أدب الأطفال..

بدأت كتابتي للأطفال منذ عام 1983 بعد أن تعرفت إلى كاتب الأطفال الكبير، الأستاذ شريف الراس، رحمه الله تعالى، طلب مني أن أكتب للأطفال فتجرّأت وجرّبت بكتابة أقصوصة، ثم مقالة، ثم سيناريو، وكنت أرسلها إلى مجلات الأطفال في بغداد: (مجلتي-المزمار) فنشرتها المجلتان، وفرح الأستاذ شريف بنشرها، واعتبرها تحوّلاً في حياتي الأدبية..

توزعت كتابتي للأطفال في عدة محاور:

1- تأليف الكتب لأحبائنا الصغار.

2- الكتابة في صحافة الأطفال: (قصة-سيناريو-مقال..).. نشرتها في بعض الصحف والمجلات العربية في العراق، والكويت، والأردن..

3- إصدار ثلاث مجلات للفتيان والفتيات.

4- أشرطة (فيديو-كاسيت).

5- مجلة إلكترونية (الفاتح) على الإنترنيت.

وفي ميدان التأليف، دخلت مع الأستاذ شريف في عدد من المشروعات، فألًفنا معاً عشر قصص بعنوان: (حكايات الآنسة إعراب) نشرتها دار جروس في بيروت، دار عمار في عمّان، ثم اشتركنا في مسلسل تلفزيوني بعنوان: (أكل وشرب على مائدة القرآن الكريم) في ثلاثين حلقة، أنتجه وبثّه التلفزيون العراقي عام 1988 ثم استخلصنا من المسلسل عشرة كتب للأطفال بالعنوان نفسه الذي ظهر فيه المسلسل، طبعت في بغداد، ثم في الجزائر.

ثم صدر لي في عمّان عشر روايات للفتيان، عن دار يمان التي طبعت منها طبعة كبيرة –خمسين ألف نسخة- نفدت في وقت قصير جداً.. بعد بضعة أشهر من نشرها، وهي مستمرة من بطولات أطفال الحجارة، في الانتفاضة الأولى، ثم هداني الله إلى مشروع ما زلت أعمل فيه، وهو بعنوان: (من نجوم الإسلام) خططت فيه لتقديم مئة شخصية من الصحابة –رضي الله عنهم- إلى العصر الحديث، كل شخصية في كتاب لا تقل صفحاته عن أربعين، ولا تزيد عن مئة وعشرين، من القطع الكبير.

وقد صدر من هذه السلسلة حتى الآن 26 كتاباً عن دار القلم بدمشق، والدار الشامية في بيروت، ثم جمعتها الداران في أربعة مجلدات.

كتبت حياة النجوم بتقنية أحسبها مبتكرة، وأثنى عليها بعض النقاد الكبار، والعلماء المعنيين بالكتابة والتأليف، واقترح عليّ مخرج تلفزيوني كبير أن أكتبها على شكل سيناريو، لتقديمها في مسلسل تلفزيوني، كل شخصية في ساعة تلفزيونية، لأن طريقة العرض –حسب رأيه ورأي بعض النقاد- تجعلك تعايش الشخصية وكأنها ماثلة أمامك، تتحدث، وتناقش، فكيف إذا كانت ممثلة؟.

وكان هذا، فقد راقتني الفكرة، وبادرت إلى (سنيرتها) وأخرج الحلقة الأولى منها– عن القائد الأعمى-رحمه الله- مخرج سينمائي وتلفزيوني قدير، في بغداد، قبيل الغزو الأمريكي للعراق، ثم توقف العمل، بعد أن دمر صاروخ أطلقه مجرم على الأستوديو –أثناء الحرب- فدمره.. وتوقف العمل.. واشتعلت الساحة العراقية بعد الاحتلال، ولم يُستأنف العمل.

عندما كنت مديراً لدار يمان للنشر والتوزيع في عمّان، شاركت في قصتين من أصل اثني عشرة قصة للفتيان (حكايات العم حكيم) التي شارك في تأليفها عدد من الأدباء المختصين، والأساتذة الجامعيين.

في التلفزيون:

وشاركت في إخراج عدد من أشرطة الفيديو، والمسلسلات التلفزيونية للأطفال مثل: (مسلسل حكايات الخالة جليلة في 15 حلقة) و(صندوق المعارف: عشر حلقات) و(جدتي: مسرحية عرائس في 45دقيقة) وسواها. إضافة إلى المسلسل المشترك مع الأستاذ الراس (أكل وشرب على مائدة القرآن الكريم في 30 حلقة).

في صحافة الأطفال:

رأست تحرير ثلاث مجلات للفتيان والفتيات:

الأولى: مجلة فراس. وكان اسمي فيها (سامي الحلبي) لاعتبارات سياسية.. وهي مجلة شهرية، صدر منها أربعة وعشرون عدداً، ثم توقفت، ثم استؤنف صدورها في جدة بإدارة جديدة.

الثانية: مجلة الرواد. وكان اسمي في العدد الأول (عبد الله الطنطاوي) ثم صار من العدد الثاني حتى العدد الحادي والعشرين: (عبد الله المحمود) لتلك الاعتبارات نفسها.. وهي مجلة شهرية، توقفت بعد العدد الحادي والعشرين، على أمل استئناف صدورها قريباً إن شاء الله تعالى.

الثالثة: مجلة سلام.. وهي مجلة شهرية، كنا نحررها –كأختيها: فراس والرواد- من ألفها إلى يائها، تحت اسم (مركز يمان).

والمجلات الثلاث كانت قفزة في صحافة الأطفال، أقبل عليها أحبتنا الصغار من كل مكان، وكانت متميزة بكتّابها، ورسّاميها وإخراجها البديع، ولو كتب لها الاستمرار لكان لها شأن أيّ شأن في عالم صحافة الأطفال..

كنت أستكتب وأسترسم كبار الكتّاب والرسامين المتخصصين بصحافة الأطفال وأدب الأطفال، فحفلت المجلات الثلاث بقصص، وروايات، وسيناريوهات قصيرة، ومسلسلات، وبقصائد، ومقالات، وكلها مزينة برسوم بديعة، متميزة بألوانها الجميلة.

كان في كل مجلة منها أبواب ثابتة، وأبواب متحركة، وتحريرها جميعها باللغة العربية المبسّطة، ولا نقبل الكتابة بالعامية مهما كانت المسوّغات..

فيها أبواب ثقافية، تعلّم اللغة العربية بأسلوب سهل وجذاب (دروس الأستاذ محروس) وأحياناً مباشر (قل ولا تقل) وفيها كلها تبشير ناعم بالإسلام، بصيد عن المباشرة والوعظ الثقيل.. نقدّم المعلومة التي تزرع الإيمان في النفوس، والاعتزاز بحضارة أمتنا، وبتاريخها، وأبطالها، وعلمائها، وشعرائها..

وتغرس في نفوسهم الغضّة قيم العروبة والإسلام، من أخلاق وآداب اجتماعية..

نغرس فيهم قيم الصدق، والكرم، والأمانة، والشجاعة، والمروءة، والنخوة، وإغاثة الملهوف، والعطف على الفقراء، والعجزة، والمعوّقين، وحبّ الضعفاء والمساكين، ونحبب إليهم الحلم، والتروّي في معالجة المشكلات، وصلة الأرحام، والوفاء للأساتذة، وأصدقاء الآباء، وأقربائهم، وصديقات الأمهات وقريباتهن، فهذا من البر بالآباء والأمهات.. ناهيكم عن البر المباشر بالآباء والأمهات، والأجداد والجدات، والعمات والخالات، والأعمام والأخوال..

نزرع في نفوسهم الأمل، والتفاؤل، ونكرّه إليهم التشاؤم، والتطّير، واليأس. ونحبّب إليهم العمل، فالغاية من العلم العمل به، فأحمد –مثلاً- يحفظ ما يحفظ من القرآن الكريم، ومن الحديث الشريف، ومن ألوان الشعر، والحكمة ويحاول أن يفهم ما يحفظ، من أجل العمل به، وإلا.. فلا فائدة من ذلك الحفظ.. لا بد للعلم من عمل.

ندعوهم إلى الحرص على الوقت، فالوقت هو الحياة، ولا يجوز للعاقل أن يفرّط بوقته، تحت أي ظرف.

إلى آخر من هنالك من قيم كحب الوالدين والأقربين، وحب الوطن، واللغة، والإسلام، والإخلاق..

قدمنا السيرة النبوية بأساليب محببة، كتبها أساتذة مختصون، اتفقنا معهم على ماذا يكتبون، وكلهم من الذين يملكون أدواتهم الغنية، وهم متمكنون من المادة التي يكتبون فيها.

ونشرنا عدداً كبيراً من السيناريوهات التي تتحدث عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم تحت عنوان: (هذا خلق الله) بأسلوب سهل راعى مدارك من نكتب لهم.

وعن قصص الحيوان في القرآن الكريم كتبتها سيرة مختصة بالكتابة للأطفال، ومطلعة على ما جاء في القرآن عن تلك الحيوانات، وما عليه حال الحيوانات، بأسلوب سهل يفهمه أحباؤنا الأطفال.

نكتب عن حضارتنا بأسلوب عصري جذّاب يشدّ الطفل إلى تاريخه وأمجاده، ويسعى إلى البناء من جديد، ليكون أهلاً لتلك الحضارة التي أفادت منها البشرية جمعاء، وكانت حضارة إنسانية، سعد بها الإنسان الذي وصلت إليه، ولم يشق كما شقي في الحضارات السابقة والحديثة التي قضت على عشرات الملايين في حربيين كونيتين..

وليس معنى هذا أن نعزل أطفالنا عن الحياة العصرية، بل نفهمه أن أجدادنا الذين أفادوا الغرب بحضارتهم، علينا أن نكون نحن الحفدة، عاملين على الإفادة من مقومات هذه الحضارة العلمية والتكنولوجية والأنظمة الإدارية وسواها من العلوم العصرية التي تعيننا على اللحاق بالغرب علمياً، دون أن يتأثروا بفلسفاتها وحياتها الاجتماعية، وانفلاتها الأخلاقي..

وكنا نتواصل مع أحبتنا الصغار عبر مئات الرسائل التي تصل إلينا في كل عدد، وعبر مشاركاتهم التي كنا نفسح لها المجال لتنمو ملكاتهم، وتقوى أقلامهم، وتبدع ريشهم رسوماً طفولية ملونة..

الفاتح:

ودخلت عالم الإنترنت عبر مجلة أنشأتها عليها باسم (الفاتح) كانت لها أصداؤها البعيدة في أنحاء المعمورة، حتى صار عدد من يدخلون على كل عدد بمئات الألوف.

بدأتها شهرية في أيلول 2002 ثم جعلتها نصف شهرية تحت إلحاح أحبائنا الأشبال الذين يراسلوننا من سائر البلاد، ويطالبوننا بجعلها أسبوعية، ولكن الإمكانات المتاحة لم تسعفنا لتلبية طلبهم هذا، وسوف نسعى لتحقيق ما يمكن تحقيقه من طلباتهم، وهي كثيرة، وتدلّ على وعي مبكر، ونحن نستجيب إليها ما أمكننا ذلك.

ومن طلباتهم الملحة، أن نعنى بالقضية الفلسطينية، ونوليها اهتماماً أكبر، وشكرنا لهم هذا الوعي، واستجبنا للأبواب التي اقترحوها، كحياة شهيد، ووصية شهيد، ومجاهد من فلسطين، وتاريخ القضية الفلسطينية، وجغرافية فلسطين، ومدينة فلسطينية، كما طالبونا بالاهتمام بقضايا الأمة، كالعراق واحتلاله والسودان وما يعاني، و.. و.. مما عجزنا عن تحقيقه كله، لاعتبارات شتى..

وكما فعلنا في المجلات الورقية، فعلنا هنا، مع ملاحظة الفروق بين الورقية والإلكترونية، فقد كانت الموضوعات متنوعة، فيها الذي يتحدث عن حضارتنا، وتاريخنا، وسير أبطالنا، وفيها الموضوعات العصرية، والموضوعات العلمية، والرواية العربية، والرواية المترجمة، وتركنا لهم مساحة لمشاركاتهم المتنوعة، وأنشأنا باباً (جدتي) للإجابة على أسئلتهم، وحلّ مشكلاتهم، ولم نهمل رسالة من رسائلهم، وزيّنا الموقع بصورهم، وجعلنا لفتاة المستقبل باباً لإعدادها للمستقبل، وباباً للرسم والتلوين وتنمية المهارات، إلى آخر ما هنالك من موضوعات وأبواب فيها ما هو مشترك مع أخواتها الورقيات، وما هو مختص بها. وكنا فيها جميعاً، نطالب الآباء والأمهات بالتعاون مع المربين، ونطالب المربين بوضع الآباء والأمهات على النهج السليم في تربية الأطفال، ليكون التعاون مجدياً، فأطفالنا أمانة في أعناق الجميع، وبنسب متفاوتة طبعاً.

التركيز على الواجبات والحقوق معاً، فلا نتقاعس في أداء الواجبات المترتبة علينا، كما لا نتساهل في حقوقنا إلا حين المقدرة.. نطالب بحقوقنا بقوة، كما نؤدي واجباتنا بقوة وإخلاص.. وكنا نسعى إلى الابتعاد عن الأساطير والشخصيات والأخيلة الخرافية، فهي لا تنمي خيالاً، ولا تبني إنساناً، وعندنا، في تاريخنا، وفي حاضرنا، ما يغني عنها..

لم أستبعد قصص المغامرات، وفيها ما فيها من خيال وعجائب، لأنني أريد لأبنائنا أن يكونوا أبناء زمانهم وأرضهم ومشكلاتهم الشتى، وهي كثيرة كثيرة تغني عن تلك الأساطير الموهمة التي تعلم الكذب.

الأسلوب:

نحرص على استخدام أسلوب ممتع جذاب، فيه جمال، ونداوة، وفيه خيال معقول، من غير إسفاف ولا شطط. ولذا نحن نكتب بلغة يفهمونها، وأطعم كل قصة أو مقال أو سيناريو ببعض الكلمات الجديدة عليهم، وأذكر مرادفها بعدها بين قوسين ليفهمها الطفل، وليكون للطفل معجمه الخاص الذي ينمّيه مع كل قصة جديدة..

نشجعهم على اقتناء الكتب، وتكوين مكتبات خاصة لهم في بيوتهم.

ونشجعهم على أن يكون في كل صف مكتبة، وفي مدارسهم مكتبات يسهمون هم في تغذيتها بالكتب التي يرونها مفيدة.

نريد بطاقات دخول إلى نفس الطفل.. إلى قلبه وعقله، ليكون صديقنا، يثق بنا، ويتعامل معنا على أساس هذه الثقة.

وقد توثقت العلاقات بيننا وبين عدد ممن كانوا أطفالاً وفتياناً، ثم صاروا شباناً، ورجالاً نعتز بصداقتهم، ويعتزون بالتلمذة علينا، كما يقولون هم.

كما نضع الهدف من إصدار المجلة وكان الهدف لدينا واضحاً محدداً:

تنمية فكر الطفل وعقله، وصقل نفسه وروحه.

فمجلة الأطفال لا مجال فيها للعبث، إنها ذات رسالة تؤدّى بدراسة وإتقان، ولا ينبغي للقائمين عليها أن يكونوا (مجرد) موظفين لقبض الرواتب.

عندما يفتح الطفل مجلته، يفتح عينيه على الجمال وحبّ الجمال، ويفتح قلبه على الخير وحبّ الخير، ويفتح عقله على الإبداع ليكون مبدعاً.. يطالع الرسمة الجميلة المعبرة، إلى جانب الموضوع المناسب لها.. الموضوع الهادف إلى تكوينه العقلي، والنفسي.. تكوين وجدانه..

والخلاصة: أنني أكتب أدباً عربية إسلامياً للأطفال، وبخاصة، للذين هم في مرحلة الفتوة، فقد رأيت أن هذه السن التي هي بين الطفولة والشباب، تكاد تكون مظلومة، وقليل هم الذين يكتبون للفتيان والفتيات في سنّ المراهقة، فيندفع هؤلاء إلى قراءة القصص (العاطفية) بما فيها من إثارة للجنس والشهوات، كما يقبلون على مشاهدة الأفلام (العاطفية) الغارفة والمغرقة للمراهقين والمراهقات بألوان الشهوات.

كتبت لهم أدباً يتناسب معهم، لغة، وأسلوباً، وتفكيراً، ومضموناً، وأخذتهم معي إلى عوالم مضيئة بعيدة عما يشاهدونه على الشاشات الصغيرة والكبيرة، وعلى المواقع الهابطة في الإنترنيت.. إلى عالم الكبار، ليكبروا معهم في أسنانهم الصغيرة.. أردتهم أن يكونوا رجالاً وهم فتية، ونساء واعيات،وهن فتيات صغيرات.. لم أقسرهن، بل ترفقت بهم وبهن وأنا أصعد بهم إلى حيث ينبغي أن يكونوا في هذه الأيام الصعبة..

أردتهم أن يعيشوا الإسلام سلوكاً كما يعيشونه فكراً، فالدين المعاملة.. الدين أخلاق وسلوك ومعاملة، مثلما هو عقيدة وعبادة.. الدين المعاملة، مبتدأ وخبر.. ولم يحصر الرسول المعلم أستاذ الحياة صلى الله عليه وسلم الدين بالصلاة التي هي عماد الدين- ولا بالجهاد، الذي هو ذروة سنام الإسلام، ولا بالصيام، ولا بالزكاة، ولا بالحج، بل حصر الدين بالمعاملة، وعندما تكون معاملاتنا صحيحة سليمة، نكون خير أمة أخرجت للناس.. وعندما أنظر اليوم إلى سلوكيات المسلمين، و(المتدينين) منهم خاصة، يزول عجبي مما آلت إليه أحوالنا، فلا الحرام حرام في تعامل بعضنا مع بعض، ولا الجار جار، والتاجر صادق، ولا المستأمن أمين.. ويلحّ عليّ خاطر لا أكاد أستطيع أن أدفعه.. أن أكتب عن مدّعي (التدين) من بعض أصحاب اللحن الطويلة، والأثواب القصيرة، عمن غشّ تاجرهم، وخيانة من استأمنته على مال، وعلى مطل المدينين منهم، وعلى فظاظة تعاملهم مع أزواجهم، وجيرانهم، وحتى في المساجد مع المصلين.. ولولا خشيتي من أن يستغل كلامي هذا غير المتدينين، لكان لي من أقاصيص وروايات وخواطر ومقالات..

أكتب لأحبتنا أدباً إسلامياً في مضموناته، من دون أن أذكر كلمة الإسلام في الأقصوصة أو السيناريو أو... ولكن أدب إسلامي في روحه وتوجّهه.

أحرص على فنية ما أكتب، ولا أتساهل في المضمون..

أبشر بالإسلام، وأنشر مبادئه وتعاليمه وأخلاقه، ولا أخوّف أحباءنا بالنار.. أرغبهم بالجنة، وبحياة مستقيمة آمنة فيه هذه الدنيا.. وأرغبهم بأن يجعلوا قدوتهم واحداً من عظمائنا، وأولهم وسيّدهم قائدنا وقدوتنا وزعيمنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أصحابه الكرام رضي الله عنهم، ثم تابعوهم بإحسان، من التابعين وسائر العظماء المسلمين على مرّ التاريخ، من العلماء، والأبطال المجاهدين والشهداء ومن الأدباء والمفكرين والمصلحين.. أريد أن يكون لنا منهم مثل عبد الرحمن بن عوف في جوده، ومثل ابن المبارك في علمه وبذله وجهاده، ومثل صلاح الدين في بطولته واستقامته ورحمته وعلمه، ومثل مئات العظماء الذين تحدث عنهم تاريخنا، وتحدّث عنهم أعداؤنا بإعجاب وإنصاف.. من العصر النبوي الشريف، وحتى أيامنا هذه، إذ لم يخل عصر من العصور من رجال كبار، علماء ومجاهدين ومصلحين، ومن نساء عالمات ومصلحات ومجاهدات وشهيدات، تفوح من سيرهنّ روائح العفة والوحي والتضحية والخلق الرفيع، والذوق السليم.

هؤلاء نريدهم قدوات لأبنائنا، ولبناتنا، ولا نريدهم أن يتخذوا من الممثلين والممثلات، والمغنين والمغنيات، ومن لاعبي الكرات واللاعبات، قدوات، يحفظون تفاصيل حياتهم، وفيها الكثير مما يصرف الشباب عن مكارم الأخلاق إلى سفسافها، ونحن أمة مجاهدة، أراضيها محتلة، وشعوبها مقهورة، وتعيش أكثريتها دون خط الفقر، على الرغم من الثروات الهائلة التي صباها الله إياها، فصرفها حاكموها، والمتنفذون فيها، فيما لا يـرضي الله، ولا يرفع من شأنها بين الأمم..

          

* عن مجلة الرائد (الألمانية) العدد: 252 شباط 2005