لابد أن تتعرفوا على روكا
على ضفاف شط العرب
كاظم فنجان الحمامي
من اغرب الغرائب, وأعجب العجائب في تاريخ العراق السياسي والجغرافي والملاحي الممتد من عام 1923 وحتى كتابة هذه السطور, إن معظم الناس لا علم لهم بـ (روكا), التي تعد من أشهر الرموز الملاحية العراقية, واهم المعالم الأساسية لدلتا شط العرب, وابرز دعامات حدودنا البحرية الدولية. وأكاد أجزم ان نسبة كبيرة من المهتمين بماضي العراق وحاضره ومستقبله لم يسمعوا باسمها من قبل, ولا شأن لهم بها.
إذن دعوني أحدثكم عنها واسرد لكم تفاصيل حياتها, ونشأتها, وأوضح لكم صفاتها ومزاياها. ويطيب لي قبل أن ادخل في صلب الموضوع, أن أعلمكم باني أول من اكتشف سر اسمها الغريب, منذ بضعة أعوام, فكتبت عنها سلسلة من المقالات, أشهرها (ذاكرة الطين والماء), وقد حققت هذا الاكتشاف متأخرا على الرغم من عملي في بلاط هذه الأميرة الجميلة قرابة ربع قرن.
يا سادتي الأفاضل ان (روكا) هي القناة الملاحية العراقية الوحيدة التي تربط شط العرب بالبحر. وهي القناة التي تمر بها السفن المتوجهة الى موانئ شط العرب. ثم إنها القناة الحدودية الفاصلة بين العراق وإيران. وهي القناة الملاحية التي كانت تحتضن الفنارات والعلامات المخصصة للاستدلال على المسارات الصحيحة التي ينبغي ان تتقيد بها السفن, ولهذه الفنارات أهمية أخرى لا يستهان بها في تثبيت حدودنا وحقوقنا. وهي القناة التي سخرت لها الحكومات العراقية المتعاقبة اكبر أساطيل سفن الحفر والتعميق التي كانت تواصل عمليات رفع الترسبات الرملية, وإزالة التراكمات الطينية, وتهذيب الأعماق الى المستوى, الذي جعلها قادرة على استيعاب السفن التجارية والناقلات العملاقة بغاطس يصل الى أكثر من عشرة أمتار بقليل, وهو الغاطس الذي سجلته الموانئ العراقية عام 1974, ويعد أعلى رقم حققه شط العرب في تاريخه الملاحي.
لقد بحثت في معظم المراجع الملاحية عن سر اسم (روكا) فلم اعثر عليه إلا في سجلات شركة الهند الشرقية, وهي الشركة التي ساهمت عام 1923 في مسح وتخطيط ورسم المسالك الملاحية لهذه القناة بتكليف من رئيس سلطة الموانئ العراقية وقتذاك (الكولونيل جي. سي. وورد), وهو المخول الرسمي للتعاقد على تنفيذ هذه المشاريع والإشراف عليها بموجب أحكام بيان سير السفن في المياه الداخلية لسنة 1919. واسم (روكا) من المفردات الانجلو هندية (*) وتعني الوثيقة المكتوبة والموقعة بخط اليد, والتي ينبغي احترامها وعدم المساس بها. وكانت المصطلحات البحرية الانجلو هندية هي المصطلحات المتداولة آنذاك بين السفن والشركات البحرية العاملة في حوض الخليج العربي والمحيط الهندي. وبناء عليه فان هذا الاسم يعد وثيقة رسمية لموقع واتجاه أشهر وأهم خطوط التماس الحدودية المائية الحساسة بين العراق وإيران. والتي لم تشر إليها المقررات الدراسية ولا المراجع الجغرافية, والتي ظل اسمها طي النسيان منذ عام 1923. ولا تزال (روكا) ترقد متعبة متهالكة في بيتها الطيني المحفور في مدخل قناة شط العرب, بعد أن دمرتها الحروب الساحقة, وعبثت بها التيارات العنيفة, وخنقتها التراكمات الغرينية الثقيلة, وغيّبتها رياح الجهل والتخلف والأمية السياسية, بيد إنها مازالت تنتظر من يتعرف عليها ويعتذر لها بسبب الإهمال الذي لحقها منذ القرن الماضي, فيعيد لها شبابها وهيبتها, ويحافظ عليها من الضياع.
A Glossary of Colloquial Anglo-Indian Words & Phrases . Henry Yule - (*)