تجربتي مع الميدان!
هنادي نصر الله
لن أنسى أول يومٍ خرجتُ فيه إلى الميدان، لحظة اصطحابي لطاقمِ تصويرٍ من الرجال، كنتُ في حالةٍ ممزوجةٍ بين السرور والقلق؛ فرحلتي الصحفية الحافلة بالمتاعب بدأت من هنا..
قد أنجح وقد أتعثر، قد أفرح وقد أحزن، لكن من غير المسموح أن أدع الفشل واليأس يسيطر على إحساسي الذي يصفه المقربون مني بالمرهف!.
أمام رقة قلبي يجب آلا أنكسر لوجع الميدان؛ يجب أن يكون حديثي حافلاً بالحقيقةِ بلا رتوش وبلا كلماتٍ شاعريةٍ منمقة اعتدت عليها كثيرًا في حياتي الإعلامية السابقة..
اليوم أجد نفسي أسيرة في عالمٍ يعتمد السرعة ومواكبة أحداث العصر بكل تفاصيلها الدقيقة؛ عليّ أن أتابعها بدقةٍ، حواسي كلها يجبُ أن تنهض من سباتها العميق، أن تُفكر، أن تركض وراء المهمات الصعبة، وآلا تستسلم، لا داعي لأن أفكر بأيِ حدثٍ مضى، وآلا ألتفت إلى الوراء، وأقول ليتني فعلتُ كذا، أو نقلتُ هذه الفعالية من زاويةِ كذا، لا داعي للندم، فما فات مات، وكل ما عليّ أن أنتبه جيدًا لذلك القادم المجهول...!!
علىّ أن أجندّ طاقاتي.إبداعاتي..ثورتي الكامنة، وعلى إدارتي أن تزودني بطاقمٍ مؤهل ومدرب ومزود بكل التقنيات الحديثة، وآه من مطلبي هذا كم يثير غضب الكثيرين؟ وكم يُحبطني؟!!
فالإمكانات كثيرًا ما تكون ضعيفة وأحيانًا أطلبها ولا أجدها، فينتابني شعورٌ قاتل، إحباطٌ مزعج، أسلاكُ هستيريا تجري في عقلي، تذبحني، أتذمر، وبصمتٍ مريب أقف، وأحيانًا أمشي وأحدث نفسي، لماذا لا يجرب المسئولون أن يكونوا في وضعي الكئيب هذا؟ وأن يتذوقوا مرارة الخلل الفني الميداني الذي يحدث نتيجة سوء تصرف البعض أو نتيجة ضعف الإمكانات المزودة للطاقم الذي يرافقني؟ إمكاناتٌ اهترأت ولم تعد تقوى على الصمود أمام طاقاتي المتجددة وتقاريري اليومية؟؟ يمتدُ غضبي ويجري في شراييني وأنا أتابع بصمتٍ فعالية قد كُلفتُ بها!.
يا الله كم يتحمل المراسل أعباء إنجاز تقريره من الألف إلى الياء، وكم تُوجه إليه أصابع اللوم إن قصرّ يومًا ما، فماذا لو كان هذا التقصير نتيجة ظلم الإمكانات، ومذبحة استفراد بعض زملاء المهنة بالمعدات الفريدة لأنفسهم، مقابل إعطاء التالفة والمتهالكة لزملاء يعتبرونهم أقل منهم قدرة وكفاءة؟؟
عام مضى وأنا أركض في الميدان، أحترق تحت لهيب الشمس الحارقة، تمامًا كما تحترق أعصابي عندما يستفزني البعض بكلماتهم المباشرة وغير المباشرة من أنهم تعبوا من مصاحبتي في إعداد تقريري الذي قد يمتد تصويره لعدة ساعاتٍ متواصلة..
عندها أواسي نفسي وأخبرها" وأنت تعبت؟ لكن عليكِ أن تواصلي، كابري، لا تستسلمي، خطوة الألف ميل تبدأ بخطوة"، هناك فروق فردية بين زملاء المهنة، عليكِ أن تكوني أنتِ القوية والمثابرة والمجتهدة والطموحة، فهذه استراتيجياتك التي خطتها أناملك يوم أن كنتِ في مرحلة الطفولة..
يتبع في الحلقة القادمة..