لا للانتحار.. وتباً للانتحاريين

د. حامد بن أحمد الرفاعي

د. حامد بن أحمد الرفاعي

قال ما رأيكم بمسالة الانتحار..؟قلت:وأي انتحار تعني..؟قال:وهل الانتحار أنواع..؟قلت:للأسف هو اليوم كذلك..فهناك الكثير من الموبقات أصبح اليوم لها عند البعض أنواع..!منها الحسن ومنها القبيح وللناس أن يتخيروا.!وألحق هذا البعض بكبيرة الانتحار ما ألحق بغيرها من فلسفات وجراحات التجميل والتحسين بل وجعل البعض الانتحار ذروة الجهاد في سبيل الله؟؟؟!!!قال:أجبني من فضلك عن الانتحار كما تفهمه أنت..قلت:

الانتحار إقدام امرؤ ما بالغ عاقل راشد بكل المعايير الشرعية على إزهاق نفسه بيده عامداً متعمداً متعللاً بأحوال ودوافع اقتنع بها وهذا الفعل من الكبائر..لأن أمر إنهاء الحياة من أخص خصوصيات إرادة الخالق جلَّ شأنه على وجه التحديد والتفرد والإطلاق لقوله تعالى:

"الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا"فحياة الإنسان وما يملك لله وحده لقوله تعالى:

"قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"والله سبحانه اشترى من الناس أنفسهم وأموالهم تفضلاً منه ليبذلوها للنهوض بمسؤوليات أمانة الاستخلاف في الأرض طاعة وتعبداً له جل جلاله وذلك وفق تعاليمه وقيمه ومبادئ شرائعه لقوله تعالى:"إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ"قال:هذه الآية يعتمدها بعض العلماء دليلاً قاطعاً على قتل النفس في سبيل الله ما رأيكم..؟قلت:هذا ما عبرت عنه بالفلسفات والجراحات الفقهية التجميلية لكبيرة الانتحار..قال:كيف..؟قلت:هناك فرق كبير بين بذل الإنسان لنفسه إنفاذ لعقد البيع مع الله تعالى..وبين قتلها إنفاذا لمبررات يقتنع بها هو..فإنفاذ البيع ببذل النفس للقتال في سبيل الله مقيد بشروط وضوابط دقيقة كما في قوله تعالى:"وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ"فعدم الاعتداء شرط أساس مقيد لبذل النفس في سبيل الله..وهناك فرق جوهري بين بذل النفس طاعة لله وفق تعاليمه ومشيئته ليقضي أمره سبحانه إما بالنصر وإما بالشهادة..وبين إزهاقها عمداً وفق أهواء ما أنزل الله بها من سلطان..فقال:وما هو الاعتداء المقيدُ لبذل النفس..؟قلت:القتال ليس غاية لذاته..إنه وسيلة جليلة من وسائل الجهاد بل هو ذروة الإخلاص والتضحية ويوم يتعين شرعاً اللجوء إليه ويؤدى بدون اعتداء..والاعتداء بينه رسول الهدى والرحمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو يوصي المجاهدين:"ألا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليداً أو امرأة ولا كبيراً فانياً ولا معتصماً بصومعة ولا تقربوا نخلاً ولا تقطعوا شجراً ولا تهدموا بناءً"وأوصى بمثل ذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه..والانتحار خروج واعتداء على هذه القيم الربانية السامية..قال:كيف..؟قلت:لسببين أولهما:إزهاق النفس عمداً وثانيهما:إزهاق الأنفس البريئة غير المقاتلة وتدمير الممتكات..فالانتحار فعل عشوائي أعمى لا إرادة له ولا ضوابط..ولذلك حرّم الله جلّ وعلا القتال المشروع يوم فتح مكة تطهيراً للمسلمين من شبهة القتال العشوائي..وصوناً لقدسية الأنفس البريئة أن تزهق ظلماً وعدواناً بغير علم لقوله تعالى:"وَلَوْلا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِعِلْمٍ"أجل..نعم للجهاد نهجاً ربانياً رحيماً فريضة دائمة لأنسنة قيم قدسية حياة الإنسان وحريته وكرامته ومصالحه وإقامة العدل والأمن والسلام بين الناس..ومرحباً للقتال عندما تتعين مبرراته الشرعية لرد البغي والعدوان وحماية البلاد والعباد من جرائم المعتدين وعبث العابثين المفسدين في الأرض..أجل لا للانتحار..وتباً للانتحاريين..ونعم للجهاد والقتال الراشد في سبيل الله ومرضاته.