الكُفّرُ

د. حامد بن أحمد الرفاعي

د. حامد بن أحمد الرفاعي

عِبارةُ الكُفرِ بحدِ ذاتِها ليست سُبةً.. إنَّها وصفٌ لِحالةِ موقفٍ من حقيقةٍ ما..والكَافِرُ باللُّغةِ يعني (الساتِرُ)،ومنْ أسماءِ الليِّلِ (الكَافِرُ) لأنَّه  يَسترُ الضياءَ..والزُرّاعُ هم الكُفاّرُ لأنَّهم يَطّمرونَ البذورَ تحتَ التُرابِ..وأهلُ الكُفورِ هم أهلُ القُبورِ لدفنهم في باطنِ الأرضِ ولتغيبهم عن الحياةِ..ومنْ المُوافقاتِ اللطيفَةِ..أنَّ عِبارةَ ( كفر) بالعربيِّةِ والإنجليزيِّةِ لها دلالاتٌ مُتطابِقةٌ (يُغطّي أو غِطاءٌ Cover)..إذاً الكَافِرُ:هو منْ غابت عنَهُ حَقيقةٌ ما..وعلى وجهِ الخصُوص من غَابت عنهُ حَقيقةٌ دينيِّةٌ ما..وكُلُّ أهلِ ديانَةٍ يَصفون منْ يُخالِفُ اعتقادهم بالكُفّرِ ففي الإنجليزية (Unbeliever, disbeliever, infidel, non-religious) وهذا واقِعٌ مُتبادلٌ بينَ أتباعِ الأديانِ..والكُفرُ بالإسلامِ نوعان:كفرٌ حميدٌ يَنقُلُ النّاسَ من الظُلماتِ إلى النُورِ..وهو الكُفرُ بِما هم مِنْ دُونِ اللَّهِ تعالى لقوله تباركت أسماؤه:"كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ"وكفرٌ خبيثُ يَنقُلُ النَّاسَ من النُورِ إلى الظُلماتِ..وهو الكُفرُ باللهِ تعالى لقوله جلِّ جلاله:"وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ"وفي لقاءٍ مع الكاردينال لويس- جون توران/ رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديانِ-الفاتيكان قال:"من المُؤسفِ لا يزال المسلمون يَصفُوننا بالكُفرِ"قلت له:التأسفُ متبادل..أليس كُلٌ مِنَّا يَكفُرُ بالآخر..؟ولو لم نَكُنْ كذلك لكُنَّا أتباعَ دينٍ واحدٍ..أليس كذلك..؟فقال:كيف..؟قلت:هل نحن من أهل الجنة عندكم..؟وهل نحن على الإيمان الصحيح وفق اعتقادكم ..؟قال:بكل تأكيد نحن على اختلاف بالإيمان والاعتقاد..قلت:إذاً كل جهة منا لا تؤمن بما يؤمن به الآخر أليس كذلك..؟وبعد أليس هذا موقف متبادل بيننا..؟قال:بلى ولا ريب..قلت:إذاً نحن سواء بشأن مسألة تكفير كل منا الآخر..قال:الواقع القائم يؤكد ذلك..قلت:لماذا تعتبرون ذلك منقصة عندنا ولا ترونه كذلك عندكم..؟ألم تقل قبل قليل:"من المُؤسفِ لا يزال المسلمون يَصفُوننا بالكُفرِ..؟"قال:ما قدمت من توضيح وتجلية للأمر يؤكد أهمية وفؤاد الحوار بين العقلاء والعلماء..فشكرته وتابعت شَرح معنى الكُفرِ على نحو ما ذُكر مع تفصيل لا تطيقه مساحة الرسالة ثم قلت:لا يخفى عليكم أنَّ المُسلمين يُؤمِنون بالمسيحِ عليه السلامُ وبما جاءَ به من عندِ اللهِ ويقدسونه وأمه سيدتنا مريم عليها السلام..فنظرَ إليَّ حائِراً ولمْ يُعقِّب.