ما بين النكبتين
رضوان سلمان حمدان
نعيش في وقت فيه
من العجب العجاب ما يتضاءل أمامه العجب... حتى ليصبح فيه الحليم حيرانا.
وصدق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم –
"إن الله تعالى قال لقد خلقت خلقا ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من
الصبر فبي حلفت لأتيحنهم فتنة تدع الحليم منهم حيرانا فبي يغترون أم علي
يجترئون"
الراوي: عبد الله بن عمر المحدث: الترمذي - المصدر: سنن الترمذي - الصفحة
أو الرقم: 2405 خلاصة الدرجة: حسن غريب.
في الخامس عشر من أيار تمر بنا الذكرى السنوية للنكبة الأولى المتمثلة
بالهزيمة الكبرى لدول الطوق العربي لفلسطين.. فتضيع ثلاثة أرباع فلسطين
ليعلن بعدها قيام دولة المسخ الصهيوني اليهودي التي يتسابق العالم المنافق
الشرقي والغربي على الاعتراف بها دولة في منظومة الأمم المتحدة.. وذلك على
حساب شعب شرّد وهجّر وطرد من أرضه (فلسطين) ليعيش قطعا متناثرة في الأرض
كلها، وجزء كبير منه يعيش في مخيمات سمّوها مخيمات الطوارئ ؛ على اعتبار
أنها مؤقتة ولن يلبث أهلها أن يعودوا ثانية إلى أرضهم ودورهم وبياراتهم..
فمنهم من حمل مفتاح داره ليعود لها ويفتحها بهذا المفتاح .. ومنهم من حمل
معه ما خفّ وزنه ونفست قيمته .. ومنهم من لم يحمل شيئا البتة يريد النجاة
فقط من مجازر مقصود منها الترويع والتهجير والتفريغ.. والعجيب أن تفتح دول
الطوق حدودها على مصاريعها لتستقبل أكبر قدر من سكان فلسطين الخارجين
منها.. ومما أثر فيّ كثيرا ما قصه الشيخ المجاهد رائد صلاح رئيس الحركة
الإسلامية في فلسطين المحتلة إثر هذه النكبة (48م) من أن امرأة مهاجرة في
الضفة الغربية في رام الله حين خرجت فارّة، نسيت أو ذهلت عن ابنها الصغير-
ولقد سمعت مثلها عن امرأة حملت مخدة وخرجت بها تظن أنها تحمل ابنها الصغير
– أرادت هذه المرأة المكلومة أن تزور بيتها الذي خرجت منه وفي قلبها حرقة
على ابنها الصغير الذي تركته وراءها فتقدمت إلى الحاكم العسكري الصهيوني
لرام الله – بعد عام نكبة 1967م - بطلب إذن بالدخول والزيارة فرفض مرة
وثانية وثالثة.. ثم أذن لها فذهبت إلى بيتها القديم وذلك بعد 19 عاما من
النكبة الأولى، فلما وصلت لبيتها وجدته مشغولا بعائلة يهودية صهيونية فأخذت
تدور حول البيت.. فسألوها عن شأنها فأخبرتهم أن هذا البيت بيتها وأنها تركت
وراءها فيه طفلا صغيرا لا تعلم عنه شيئا.. فأخبروها بأنهم حين حلّوا في هذا
البيت وجدوا طفلا صغيرا.. أين هو؟ إنه في العمل.. وسيأتي بعد ساعتين.. لمّا
وصل أخبروها بوصوله.. رأته فإذا هو الحاكم العسكري الصهيوني لرام الله الذي
أذن لها بهذه الزيارة..!! فلنا أن نتخيّل حال هذه المرأة حين رأت ولدها
الضابط الصهيوني الكبير...!!
هذه القصة من مجموعة قصص رواها تدمي القلب وتجرح الحس العربي والمسلم..
وها نحن نمر بذكرى النكبة الثانية في الخامس من حزيران 1967م. بعد مرور اثنين وأربعين عاما منها ... ولكنهم يريدون أن يهونوا من شأنها فيسمونها النكسة، وفي الحقيقة هي نكبة أكبر من الأولى .. ضاعت بها أضعاف ما ضاع عام ثمانية وأربعين وعلى رأسها بقية القدس والمسجد الأقصى المبارك وشرّد بسببها مئات الألوف في ملاجئ جديدة، ولم يتعلم العرب المهزومون ثانية من الدرس الأول فقد فتحوا أيضا أبواب الخروج لأهل فلسطين لتفريغ الأرض ثانية وتفتح لهم مخيمات جديدة.. لتكون معاناة جديدة أقسى من الأولى...
مما يطرح سؤالا طبيعيا.. لماذا فتح العرب حدودهم للخروج الثاني؟؟
ذكر الأستاذ محمد حسنين هيكل ملاحظة حول عدد أيام حرب حزيران وهو أن الحرب انتهت في خمسة أيام ولكن رجال الدين اليهود أرادوا أن تسمى ستة أيام لمعنى ديني وهو أن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استراح اليوم السابع - سبحانه عمّا يقولون - ، فهذا يعني مدى العمق الديني في كل حساباتهم...
وكثير من العرب في المقابل يتعاملون مع الإسلام على أنه العدو الأوحد وحسبنا الله ونعم الوكيل