القضية الفلسطينية

وما تمثله للسوريين

فيصل الشيخ محمد

تظل القضية الفلسطينية تعيش في وجدان السوريين رغم الجرح الدامي الذي ينزف من جسدهم منذ أكثر من خمس وأربعين سنة، هي عمر النظام الذي تسلق جدران الحكم في سورية في ليل بهيم.. وأحال سورية الحرة والكرامة والعزة وقلب العروبة النابض، إلى سجن كبير، حدوده تمتد بامتداد حدود الوطن، منكفئاً داخله المواطن السوري هائم ليله ونهاره، لينتزع رغيف عيشه وقوت أبنائه والعودة إلى البيت بعد شقاء يوم مديد، من فم حوت يمتلك كل شيء (الهواء والكلأ والماء، وأحياناً الحياة)...

نعم فالقضية الفلسطينية تعيش في ضمير كل سوري مهما تلونت أهواؤه وانتماءاته.. إسلامياً أو ليبرالياً أو يسارياً أو قومياً أو علمانيا..فكل تلك الأطياف تلتقي عند القضية الفلسطينية، ولا خلاف بينها في أن القضية الفلسطينية هي الهم الأكبر بالنسبة لهم، فهي تعلو على الجراح والمعاناة، لاعتقادها أن هذه القضية هي عقدة العقد سلماً وحرباً.. سعادة وشقاء.. رخاءً وضنكاً.. تقدماً وتخلفاً.

فالنظام الذي تسوّر جدران الحكم فجر الثامن من آذار عام 1963 تبنى هذه القضية، ووضع لها شعاراً لم يحد عنه – رغم كل التلونات والصراعات بين يمينه ويساره وقومييه وقطرييه – (لا صوت يعلو على صوت المعركة).. مستظلاً بقانون الطوارئ والأحكام العرفية. وعاش الشعب السوري رهيناً لهذه المقولة يدفع الثمن من أمنه وكرامته ورغيف خبزه ومستقبل أبنائه وقوتهم.

وكان هذا النظام – على الدوام – يفبرك الشعارات التي تستهوي الشارع العربي والغوغاء.. ويجعلهم يتعاطفون معه على غير بينة أو هدىً، وقد سخر لنجاح ذلك كل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية التي يحتكرها دون عباد الله في سورية، لخدمة تنظيراته ودعاويه ليغطي بها ما يرتكبه بحق الشعب السوري من آثام.. أقلها التخويف والترويع والتجويع ومنع السفر والنفي والاختفاء والسجن والاعتقال والمحاكم العسكرية والميدانية والاستثنائية والقوانين الظالمة الجائرة.. وحتى الموت أحياناً.. والشواهد كثيرة يعرفها القاصي والداني.

ومع ثقل الفاتورة التي يدفعها المواطن السوري.. فإنه يريد لقضية فلسطين أن تُنصف ويوجد لها حلاً عادلاً ونهاية سعيدة، دون تفريط بالثوابت، التي دونها الأرواح ترخص والدماء تسهل والعذابات والمرارات والجراح تحتمل.

لاءات نتنياهو التي أطلقها في خطابه الأخير، تؤكد بان الصهاينة بكل ألوانهم المتطرفة والمعتدلة والصقور والحمائم واليسار واليمين لا يريدون حلاً للقضية الفلسطينية، أو إبرام أي اتفاق سلام مع العرب.. من هنا فإن على النظام السوري الذي يقود معسكر الصمود والتصدي والممانعة - كما يعتقد الكثيرون ويظنون - أن يبادر إلى سلوك أسلوب جديد في التعامل مع القضية الفلسطينية، وأن لا يجعل منها ورقة توت لطحن المواطن السوري وقهره وإذلاله وإفقاره وتجويعه وتخوينه.. وآن للنظام أن يبرم اتفاق سلام مع المواطن السوري، وقد أخفق في إبرام سلام مع العدو الصهيوني، بعد محاولات متواصلة ومتعثرة منذ العام 1991 وحتى الأمس القريب، ولا يزال يمد يده لهذا العدو صباح مساء، يستجدي سلاماً وبأي ثمن، لقاء اطمئنانه في امتلاك صولجان الحكم وبقاء السلطة بيده، في الوقت الذي يأبى أن يمدها إلى المواطن السوري ولو على استحياء.

وإذا ما أراد النظام السوري أن يجسّد شعاراته حقيقة في مواجهة الأطماع الصهيونية التي تستهدف سورية، التي أكدتها أدبيات مؤسسي الصهيونية والقائمين عليها منذ أكثر من قرن مضى، فعليه الإعداد الصادق لمواجهة أي عدوان محتمل، تتحمل تبعيته الجماهير السورية بكل أطيافها وانتماءاتها، وقد أخفق جيشه العقائدي ذو اللون الواحد من كل المواجهات مع العدو الصهيوني، وهذه هضبة الجولان ترعى فيها قطعان الصهاينة منذ اثنين وأربعين سنة، وتتمرّغ في مراعيها الخضراء، وتعبُّ من معين مائها المتدفق دون السوريين الجائعين والعطشى....

الإعداد لمواجهة أي عدوان صهيوني محتمل على سورية لا يكون إلا إذا قام النظام بخطوة شجاعة وعقد صلحاً وسلاماً مع السوريين، الذين هم من عليهم تقع مسؤولية الذود عن الوطن والدفاع عن حياضه، وهم من سيدفعون ثمن تلك المواجهة وتداعياتها.. وهذا لا يكون إلا إذا كانت قاماتهم منصوبة وجباههم مرفوعة وبطونهم ممتلئة وصفوفهم مرصوصة وكلمتهم متوحدة، ومفتاح كل هذه المفردات يمتلكها النظام الذي يمسك بصولجان الحكم، وعليه تقع مسؤولية فتح أبوابها، وليس ذلك بمطلب مستحيل إذا توفرت عند النظام الشجاعة والإرادة وتحكيم العقل والضمير ومصلحة الوطن، وتفعيل الشعارات التي يطلقها منذ ولوجه أبواب القصر الجمهوري عبر دبابة ضالة أدارت ظهرها للعدو الصهيوني قبل ست وأربعين سنة، فيوقف العمل بقانون الطوارئ والأحكام العرفية، ويلغي كل القوانين الظالمة والجائرة التي سُنّتْ في عهد أصحاب نظرية (العنف الثوري) في سبعينيات القرن الماضي وثمانيناته، الذين كانوا يجيدون كسر ظهر المواطن السوري، وإدارة الظهر للعدو الصهيوني، ورفع سقف الحرية للمواطن السوري، والفصل بين السلطات، وإعادة التعددية الحزبية، وإطلاق حرية الصحافة، والإصلاح المتدرج، والتداول السلمي للسلطة، كما هي الحال في كل بلدان العالم، بما فيه الدول الحليفة والصديقة للنظام، مثال: (إيران وتركيا).

وإذا ما أقدم النظام على مثل هذه الخطوة الشجاعة، فإنه لن يجد أمامه من ينافسه في الاستحواذ على الحكم أو الوصول إلى سدته عبر شرعية صناديق الاقتراع وصوت الناخب السوري، وهو يدّعي أن قاعدته الشعبية تمثل في سورية الملايين، وسيجد التأييد والقبول بالنتائج من كل الأطياف التي تخالفه وتعارضه طواعية وبكل روح رياضية، وتقول له: مبارك فوزكم ونحن معكم بكل طاقاتنا وإمكانياتنا وتجاربنا!!