بداهة رفض الظلم

د. حمزة رستناوي *

[email protected]

في حوار مع صديق لي في أحدى المنتديات* , أنكر عليّ قولي أن  "رفض الإنسان للظلم بداهة مشتركة بين البشر"

- و لا بأس من  التذكير بأن البداهة:

" هي ما يسلم بها عموم البشر العقلاء من دون الحاجة إلى برهان "

فهل رفض الظلم بداهة عند الإنسان؟

و معك حق فنحن نرى أن الظلم منتشر في العالم حاضرا و في الماضي و ليس من بصيص أمل في التخلص منه بشكل حاسم في المستقبل؟

و معك حق كون الكثير يبررون كثيرا ً أو قليلا ً من الظلم حفاظا على المصلحة العامة أو مصلحة الوطن أو مصلحة الدين أو تحت مسميات أخرى,  بل و كثيرا ً ما  يتقصدون ارهابنا بظلمهم

و هم سعداء بذلك؟!

فكيف يكون رفض الظلم بداهة؟!

و للتذكير هنا لا أستخدم البداهة بالمعنى المجازي - أي ما يقتنع به انسان اقتناعا تاما يصل لدرجة اليقين فيطلق عليه بداهة؟

فالحياة عند كثير من الناس هي مجرد دولارات و ريالات

و هذا في عرفهم بداهة الحياة؟

أعود للقضية الأصلية

هل رفض الظلم بداهة؟

الإجابة: نعم بقرينة ما يلي:

أولا ً: هل يحبذ أو يرغب أو يقبل عموم الناس العقلاء أن يمارس الظلم عليهم أو على أشخاص مقربين منهم؟

الإجابة بالتأكيد لا.

لماذا؟

لأنهم  بداهة يرفضون  الظلم؟

ثانيا ً :من غير المقبول- و غير المعتاد-  و على نحو واسع في الخطاب الديني و السياسي و الفلسفي عبر التاريخ البشري

أن يدعّي شخص أو مجموعة أنهم ظالمون و يمارسون الظلم لأن الظلم جيد و مفيد ؟

بل نجد العكس تماما

فمن يمارسون الظلم ينكرون ذلك علانية و يتسترون على ذالك, و يحاربون بل و قد يقتلون من يفضحهم؟

و كذلك من يمارس الظلم غالبا ما يبرره تحت حجج و أعذار؟

ترى لماذا التبرير و الاعتذار؟

ما الدافع للتبرير و الاعتذار؟ و في أحيان كثيرة لا أحد يطالبه بذلك؟ بل يلجأ و يلجئون لذلك تكفيرا و تجميلا لصورة أصابها اعتلال في نظر أنفسهم و نظر من حولهم؟

ثالثاً: من يبررون الظلم بناء على شعارات من قبيل

مصلحة الأمة – مصلحة الدين- المصلحة العامة- المصلحة الوطنية – قانون الطوارئ و الأحكام العرفية- الظروف الاستثنائية..الخ

هم يعترفون- قبل غيرهم -  بأنهم يخرقون قانونا – عرفا- بداهة..الخ

رابعاً: المجتمعات المستقرة و المتقدمة و التي يسوده أفرادها شعور بالرضى و السعادة

هي المجتمعات الأقل ظلما- على الأقل على الصعيد الداخلي؟

و المجتمعات المهددة و المتخلفة و البائسة و التي يسود أفرادها شعور بالاحباط و الكراهية

هي المجتمعات الأكثر ظلما و دكتاتورية؟

فالظلم و الاضطهاد سواء كان للأفراد أو الجماعات, هو بيئة مناسبة للحروب الأهلية و الفتن الطائفية و الإرهاب والفساد والجريمة و الحركات الانفصالية و المجازر الجماعية و التمييز العنصري..الخ

و مسيرة المجتمعات و حلمها هي أن تصبح أكثر عدلاً و أقل ظلماً؟

خامسا : لو لم يكن رفض الظلم بداهة لعاشت البشرية في حالة ركودية سكونية

و لولا هذه البداهة لم يحدثنا التاريخ عن ثورات و احتجاجات, و تطورات كبرى ذهب ثمنا – أو ضحية لها- الملايين و سيستمر ذلك؟

أليست الرسالات السماوية و الأرضية جاءت و بقوة لرفض الظلم؟

لماذا كان أوائل المؤمنين بالنبي الكريم العبيد و الموالي؟!

أخي الكريم

تستطيع المجادلة في كون رفض الظلم بداهة؟

و إليك حجة في ذلك: مادمت أيها الرستناوي تدافع عن قضية " بداهة رفض الظلم" و تسعى لإقناعي بها فهي ليست بداهة؟

و لو كانت بداهة لم تحتج لهذه المرافعة؟!

فأنت – أيها الرستناوي- تناقض نفسك؟!

أقول:يستطيع أحدهم المجادلة في كون الجزء أكبر من الكل؟

و لاثبات ذلك نقيس حجم عجلة السيارة, و حجم السيارة

و نثبت بالقياس أن العجلة أصغر من السيارة

و من يجادل في كون العجلة أكبر من السيارة – ما لم يكن مريضا نفسيا - نعرف بداهة أن هناك مصلحة ما لديه – يبطنها- في جداله؟

قد تكون مصلحة مادية أو معنوية في اغاظة الخصم ,فهذه بحد ذاتها مصلحة نفسية؟

طبعا – ليس المقصود شخصك الكريم.

و من يرفض كون " رفض الظلم بداهة" هو يتحوّى مصالح معينة

مصالح ليست ايجابية و لا يشاركه بها عموم الناس

لذلك يسعى لتجميلها و تبريرها و إخفائها..الخ

و هنا نصل إلى خلاصة مفادها:

إن إدراك البشر للبداهة قد يشكو و يتعرض للاعتلال و المرض؟

و من يرفض بداهة" كون رفض الظلم بداهة" هو إنسان معتل البداهة؟

سواء علم أو أقر بذلك أم لا, فهذا لا يغير في الحكم شيئا

البشر يشكون و يعترّضون لمرض اعتلال البداهة؟

و كل إنسان منا تعرّض و اختبر هذا المرض و لو للحظة في حياته؟

كيف نشخص مرض اعتلال البداهة؟

بطريقة معيارية بدهية ؟!

هذا هو السؤال المثمر و المفيد؟

لنتحاور حوله, و ليس حول كون "رفض الظلم بداهة أم لا؟"

أخيرا: هل تسليم البشر ببداهة "رفض الظلم" سيؤدي أوتوماتيكيا لنبذ الظلم و سيادة العدالة؟

بالتأكيد لا ؟

فبداهة رفض الظلم ؟تحتاج لقوة؟

تحتاج لرادع يردع من تسول لهم أنفسهم الاعتداء على بداهة رفض الظلم في  حق أنفسهم و حق الآخرين و حق  مجتمعاتهم؟

فدفع الناس بعضم البعض أيضا بداهة؟

أليس كذلك؟

و إحدى قوى الردع هو الرأس مال الرمزي الذي نملكه في مواجهة الظلم و مروجي مصالح الظلم.

عموم المظلومين عبر التاريخ يقرون بامتلاكهم هذا الرأسمال الرمزي؟

و لكن قليلون استطاعوا إدارة و تسويق و الترويج  لهذا الرأسمال الرمزي بطريقة جيدة و فاعلة؟

هناك إمكانية غير مسبوقة في التاريخ- في عصر الثورة المعلوماتية-  لإدارة و تسويق و الترويج لهذا الرأسمال الرمزي؟

ربما تطوير مهاراتنا في التسويق

يفوق بأهميته تجهيز حملة عسكرية مؤللة

غالبا ما تكون نتيجتها استبدال ظلم بظلم جديد

*للاطلاع على الحوار يمكن فتح الرابط: http://www.kefranbel.com/vb/showthread.php?t=9183

              

    * شاعر وكاتب سوري