المعايير الأخلاقية والدولية
"فيما يخص ظاهرتي المقاومة والإرهاب وأعمال التخريب"
صالح خريسات
يتساءل الناس: ما الفرق بين الإرهاب و المقاومة؟! و الرأي عندي، إن الإرهاب هو :كل عمل يقصد به الترويع، و يقع على أرض مستقلة، مستقرة, رضي الشعب فيها. وأما المقاومة, فهي : كل عمل يقصد به استعادة الحق، أو دفع الظلم، و يقع في أرض غير مستقلة، و غير مستقرة، ولم يرض الشعب بالسلطة فيها .
قد أعلنت جميع شعوب العالم، و الشعوب الإسلامية معها ، أنها مع أنصار السلم، و الهدوء، وأن العنف، و الإرهاب، يمكن أن يعيق التقدم الاقتصادي، و الاجتماعي، ويحول دون الاستقرار السياسي، وحتى أنه قد يكون خطيراً على الأخلاقية، عندما يتعدى بعض الحدود. لكن هذا الإعلان، لا قيمة له، إذا علمنا أن هذه الشعوب، ممثلة بحكوماتها الرسمية، أو بفصائل إيديولوجياتها المختلفة، استخدمت العنف، وقبلت به وسيلة لتحقيق أهدافها السياسية، و أظهرت السخرية إزاء الأوهام الديمقراطية، و حقوق الشعب .
إن هذه الوقائع، تضعنا في السبيل، الذي يقودنا إلى إدراك المعتقدات الأخلاقية العالية، فهذه المعتقدات، لا تتوقف قط على التفكير، أو على التربية .فكما أن الإسلاميين، يزعمون بأنهم يستمدون أوامرهم من السماء، للقيام بأعمال العنف، و الإرهاب، فان الشعوب الأخرى، تعتبرها حالة حرب، يقبل الناس المساهمة فيها، وتترجم بأساطير معينة، ذات صلة بالمعتقدات الأخلاقية، كالواجب مثلاً، أو نصرة الشعوب الضعيفة، أو دفاعاً عن الإنسانية، و حقوق الإنسان .
وبالنتيجة، هي أعمال عنف مشابهة، لما تقوم به الأطراف الأخرى، باسم الدين .
فالمعايير الأخلاقية الشائعة، تنطوي على قدر كبير من عدم المصداقية، حين تحكم على العنف الذي تمارسه دولة قوية على نطاق واسع، بأنه مشروع، وتستنكر العنف الذي يقوم به فرد، أو بعض أفراد، في نطاق أضيق بكثير .
فالتدخلات العسكرية، و أعمال القمع، و الاضطهاد، و المخطط ، و المنظم، وشن الحروب العدوانية، على الدول الصغيرة، أو الدول الضعيفة، كل هذه نماذج صارخة، للإرهاب الذي تمارسه دولة قوية، على شعوب أضعف منها .
وإذا كان من الخطأ تبرير وقوع الجريمة، و القتل، و الترويع، فان السؤال الذي يدور في أذهان الناس، هو : ما الذي يستطيع الضعيف أن يفعله، في مواجهة عدو قوي، اغتصب حقوقه ؟! فانه لا يملك إلا أن يحارب حرباً غير نظامية، ترتكز على عمليات مفاجئة، غير متوقعة، يقوم بها أفراد مدربون على التضحية بأنفسهم، مثلما هم مدربون على حمل السلاح، ومهما بدا من قسوة هذه العمليات، وذهاب بعض الأبرياء، ضحايا لها ، فإن هذا أمر لا مفر منه، تفرضه عوامل الضعف، على أحد الطرفين، رغم أنفه، مع بقاء جذوة المقاومة و النضال، مشتعلة فيه .
وهكذا يلتمس الطرف الأضعف، أية نقطة رخوة لدى العدو ، وأي هدف غفل عن تحصينه، أو حراسته، لكي يوجه إليه، ضربة سريعة، و ينهك العدو بالمفاجآت المستمرة، التي تصيب أبعد أماكنه عن التوقع .
فهذا العمل ليس إرهاباً، ما دام يحدث في أرض المعركة، في حالة حرب معلنة، على أرض غير مستقلة، وغير مستقرة، ولم يرض الشعب عن السلطة فيها، لكن إذا وقعت خارج حدود هذه الدولة، في ارض مستقلة، و مستقرة، و الشعب راض عن السلطة فيها ، سمي هذا العمل، إرهاباً .
ومع هذا، فإن الأخلاق الشائعة، تحمل بشدة، على مثل هذه العمليات الصغيرة، و تهاجمها بكل قسوة و عنف، بينما تسكت عن الفظائع الكبيرة، و لا تصفها بالإرهاب، فالمعايير الأخلاقية، التي يصدر العالم على أساسها، حكمه، بأن هذا الفعل العنيف، مشروع، أو غير مشروع , أخلاقي، أو غير أخلاقي , إرهاب، أو مقاومة مشروعة , هي معايير مشوهة، و متحيزة، إلى حد بعيد .
وقد دلت التجارب السياسية، أن هذه المعايير، تفرضها القوة، و المصالح السياسية، أكثر مما تفرضها ، مبادئ العدالة الدولية .
وتزاد المسألة تعقيداً، حين يقف العالم حائراً ، في تحديد معنى الإرهاب، فهو يعكس وجهات نظر متعددة، إزاء قضايا الشعوب، و مشكلات التحرر، و علاقات القوة في العالم المعاصر، وربما كان يعبر في نهاية المطاف، عن موقف أساسي، من قضية الإنسان، و أياً كانت التسميات، ووجهات النظر، فهذا لا يعفينا، من أن نفكر بإمعان، في كيفية اختيار أساليب معالجة هذه الظاهرة .
فالإرهاب مرفوض، سواء مارسته الدولة، أو الأفراد، أو العصابات، وكل من يحاول، أن يجد تبريراً للإرهاب، إنما هو يشجع على مزيد من الإرهاب، مهما أدان من قتل الأبرياء، وترويع الآمنين، وهو بذلك يصبح شريكاً أصيلاً في الجريمة.
وأي خلاف بين الناس، لا يبرر القتل، و الترويع، بل إن القتل ، و الترويع هنا، جريمة، والخلاف في الرأي، و كراهية أي تصرف من التصرفات، لا ينبغي أن يسلم إلى الصدام، و النزاع ،و إثارة الفتن، و التعدي على الحرمات . و الناس بطبيعتهم يختلفون، وقد يكون الاختلاف وسيلة لعمل جليل، يكون في مصلحة الناس، وإن كان على حساب فئة صغيرة، لا ترى غير نفسها . ولا شك أن القوانين الوضعية، تتخذ مقداراً من الاحتياطات، ضد العنف، و التربية موجهة لغرض تهدئة ميول الناس إلى العنف، بمقدار بالغ، بحيث أننا، مدفوعون بصورة غريزية، للاعتقاد أن أي فعل من أفعال العنف، هو مظهر من مظاهر الرجوع إلى البربرية، و عصور التخلف .
لكن هذا لا يكفي، و لن يخفف من وقع هذه الحقيقة، قول البعض، انك لا تستطيع التحكم في مشاعر شبان صغار، رأوا شعبهم شريدا،ً مطروداً، ورأوا أهلهم، يقتلون أمام أعينهم، بأيدي الأعداء. ذلك لأن العمليات الإرهابية، التي نشير إليها، لم تكن رد فعل عفوياً، أو ارتجالياً، وإنما كانت عمليات مخططة بدقة، فلماذا لم يضع أحدنا نتائج العملية في حسبانه ؟! .
إن المنفذين المباشرين للعمليات الإرهابية، قد يكونون بالفعل ضحايا ظروفهم القاسية، ولكن هل من المعقول، أن يكون الذين يخططون لهم، غير واعين بأنهم يقدمون لأعدائنا، بمثل هذه العمليات، دعاية مجانية، لم يكن أحداً منهم يحلم بها، ويلحقون بقضايا الأمة، و سمعتها الدولية، ضرراً يستحيل إصلاحه ؟
لماذا لا يتساءل هؤلاء، كيف أن الآخرين، يمارسون إرهاباً أشمل، و أفظع، و أوسع نطاقاً، و يستفيدون من إرهابهم ؟!
لقد كانت حجة جميع الإرهابيين، أنهم يسعون إلى لفت أنظار العالم، و المجتمع الدولي، لقضيتهم، ولكنهم في الواقع، أعلنوا الحرب على العالم، ولم تعد هنالك حاجة، إلى تأييدهم من أحد ، ومعناه أن عليهم أن يكفوا عن المطالبة بالحق، و العدل، ما دامت القوة، أصبحت عقيدتهم الوحيدة، و معناه أيضاً، أن يقفوا و حدهم، بقوتهم المحدودة، أمام قوة العالم، متحدين إياهم، على ساحة العنف، و العنف المضاد، لا لإثبات أية قضية، بل لمجرد الانتقام، و المعاملة بالمثل . إنه موقف، متسق مع نفسه، ليس فيه تناقض، و لكنه موقف يائس، بل هو أقرب إلى أن يكون موقفاً ،انتحارياً، لا يلجأ إليه، إلا من استغنى كلية عن العالم، و قرر أن يقف منه، موقف العداء الساخر، و نهاية هذا الموقف، معروفة مقدماً، و هي وقوف العالم ضد صاحبه، و تحالفهم من أجل القضاء عليه، و عدم إلحاق الأذى و الضرر، بمسيرة المجتمع الدولي، الناهض بحقوق الإنسان، و مساندة الشعوب المقهورة ،على الأقل، هذا ما هو معلن دولياً .
هذا هو الإطار العام للإرهاب، فهو مرفوض في كل القوانين الوضعية، وأشكال التربية، و الأخلاقيات العامة، الموجودة في كل المجتمعات البشرية، و لدى أصحاب الديانات السماوية، و الأرضية، بلا استثناء، و جميعها يقول : .. لا تقتل ! , لكن هذا لا يكفي، لمواجهة مشكلة يزعم أصحابها، أنهم مأمورون بها من السماء، وهو ما يعرف بالتطرف الديني، و تكفير النظام ،و تكفير الناس .