دروس للرجال والنساء
من قصة موسى عليه السلام وابنتي شعيب
أحمد أحمد عبد الجواد
الشواشنة / الفيوم / مصر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد............
فإن زمان هذه القصة هو عصر حكم فرعون والأشخاص هم : موسى عليه السلام – ابنتا شعيب – شعيب والدهما.
وتبدأ القصة من خوف موسى على نفسه من بطش فرعون وجنوده فخرج إلى أرض الشام يرجو مدين حيث لا سلطان لفرعون عليها وهو فى حالة من الترقب والقلق بجكم الطبيعية البشرية داعياً ربه أن يهديه سواء السبيل أى الطريق السوى الوسط الموصل المقصود فى أمان وقد كان ، وحقق الله رجاءه وأجاب له دعاءه فماذا حدث؟
ورد موسى ماء مدين أي مكان يسقى الناس منه مواشيهم وهو عبارة عن بئر عليه زحام من الرعاة لكثرة الأغنام وشدة العطش لكن موسى رأى شيئاً استرعى انتباهه هناك ، إنهما ابنتان عليهما سمت الوقار والحشمة لا يخالطان الرجال ولا يكون منهما مزاحمة وأغنامهما لا تستطيع أن تشرب إلا آخر الاغنام ، فدار الحوار وسجل القرآن هذه القصة في سورة القصص وسوف نعرض القصة محاولين الوقوف على الدروس سائلين الله أن يحقق المقصود .
قال تعالى : "ولمّا ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهما امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقى حتى يُصدِر الرِعَاء وأبونا شيخ كبير * فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال ربِّ إنى لِمَا أنزلت إلى من خير فقير * فجاءته إحداهما تمشى على استحياءٍ قالت إنَّ أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقصَّ عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين * قالت إحداهما يأبت استئجره إنَّ خير من استئجرت القوى الأمين * قال إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتى هاتين على أن تأجرنى ثمانى حجج فإن اتممت عشراً فمن عندك وما أريد ان أَشُقَّ عليك ستجدنى إن شاء الله من الصالحين * قال ذلك بينى وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علىّ والله على ما نقول وكيل" القصص الآيات من 23-28.
أيها الاحباب فى الآيات دروس ودروس نسأل الله أن يفتح قلوبنا لاستلامها آمين... ومنها
أولاً: احتراز البنت المسلمة عن كل ما يسبب لها حرجاً أو يجعل الآخرين يؤذونها فهى لا تظهر عورة ولا تحتك بالرجال خشية سوء الظن أو امتداد الأيدى بالاذى إليها فهمنا هذا من قوله تعالى"تذودان" قال صاحب الاساس: تكفكفان غنمهما لكيلا ترد مع غنم أولئك الرعاء لِئَلا يؤذيا.
ثانياً: " قال ما خطبكما" أى ما شأنكما ؟ ما حكايتكما ؟ إنها المروءة من موسى والشهامة والنخوة التى تأبى أن ترى هيئة وحالة كهذه ولا تسأل لعل لأصحابها ظروفاً تستدعى النجدة والمساعدة ، أين هذه الهمة وتلك الرجولة من أولئك الذين يستغلون حاجات النساء للعبث بهن وإيقاعهن فى الفاحشة والبلاء. إن هذا السلوك من موسى عليه السلام درس للرجال فى النخوة والمروة والمبادرة والايجابية.
ثالثاً: الاختلاط مما تأباه الأنفس السوية وذوات الفطر السليمة النقية يفهم هذا من قول ابنتى شعيب ردَّا على سؤال موسى عليه السلام" قالتا لا نسقى حتى يصدر الرعاء" أى حتى يروى الرعاء أغنامهم عندئذ نرد بأغنامنا الماء، كم كان الاختلاط سبباً فى دمار بيوت وهتك أعراض لذا جُعلت خير صفوف النساء فى الصلاة آخرها وشرها أولها لأن آخرها أبعد من الرجال وأبعد عن الاختلاط وأوصاهن حين المشى ألا يحققن الطريق - أى لا يمشين فى وسطه- بل يختزن الجانب الايمن أو الايسر كل ذلك للبعد عن الاختلاط ، والواقع العملى يبطل دعاوى دعاة الاختلاط فقد زعموا أن الاختلاط يهدئ ثورة الجنس وشهوته فكان عكس ما زعموا وانتشر ما يعرف زوراً بالزواج العرفى وهو الزنا المحرم؛ فياليت قومى يعلمون.
رابعاً: من تمام عفاف المرأة أن تمكث فى بيتها ولا تخرج إلا لضرورة تدعو إلى ذلك وأنا أعلم أن المرأة تخرج للصلاة وخرجت للجهاد وطلب العلم وكل هذه ضرورات معتبرة وتخرج للعمل إذا لم تجد العائل وتخرج لبض مجالات العمل فى وجود العائل حيث تكون هى فى هذا المجال أولى من الرجل كتعليم النساء وتطبيبهن وكل هذه ضرورات معتبرة وما عدا ذلك فالأصل عدم الخروج وإذا كان الخروج لابد منه فلابد من الحجاب والاحتشام والتصون والوقار أخذنا هذا الدرس من قول ابنتى شعيب " وأبونا شيخ كبير" وكأنى بهما يعتذران عن حروجهما بذكر السبب وهو كبر الوالد وعجزه عن القيام بهذه المهمة فيا له من أدب رفيع.
خامساً: قوله تعالى "فسقى لهما" دليل نُبل موسى عليه السلام وسعيه فى نيل المعروف وإغاثة الملهوف وسرعة تفاعله عليه السلام حيث جاء التعبير بالفاء المفيدة للتعقيب والترتيب معاً وهكذا ينبغى على الشاب المسلم الحر ألا يدع المسلمة تتعرض لما يكون سبباً فى إحراجها أو تعبها ومعاناتها مادام ذا قدرة على رفع ذلك عنها.
سادساً: الأدب الجم من موسى عليه السلام مع ربه عز وجل ولا غرو فما كان له أن يتأدب مع الخلق ويترك الأدب مع الخالق ويظهر أدبه فى دعائه "رب إنى لما أنزلت إلى من خير فقير" فهو لا يستغنى عن فضل ربه ولو كان قليلاً من الخير فهو فقير إليه. ثم هو سؤال بالحال وهو أبلغ من سؤال المقال.
سابعاً : الحياء كما يكون فى الفعل يكون فى القول والحركة : فجاءته إحداهما تمشى على استحياء" قال الإمام النسقى: وهذا دليل على كمال ايمانها وشرف عنصره لأنها كانت تدعوه إلى ضيافتها ولم تعلم أيجيبها؟أم لا فأتته مستحيية قد استترت بكم درعها، وقوله تعالى "على استحياء" صالح لأن يكون بياناً لحال مشيها وحال قولها فهى لا تمشى مشية المتبخترة المعجبة بالنفس بحيث يفتتن بها من يراها معاذ الله، بل هى تمشى مشية يزينها الوقار ويكسوها الحياء مهابة؛ كما أنها تتكلم بكلمات لا استطراد فيها كلمات على قدر المطلوب وهذا هو الحياء بعينه.
وحول قوله تعالى "على استحياء" قال الامام السعدى: وهذا دليل على كرم عنصرها وخلقها الحسن فإن الحياء من الاخلاق الفاضلة وخصوصاً فى النساء، ويدل على أن موسى عليه السلام لم يكن فيما فعله من السقى بمنزلة الأجير والخادم الذى لا يُستحى منه عادة وإنما هو عزيز النفس رأت من حسن خلقه ومكارم أخلاقه ما أوجب لها الحياء منه.
ثامناً: غض البصر من أخلاق المؤمنين الأطهار الشرفاء وسمة الرجال النبلاء ، كما هو نهج النساء المؤمنات ذلك لأن غض البصر مقصوده إغلاق الباب أمام الشهوة التى يستخدمها الشيطان فى نشر الرذيلة ومحاربة الفضيلة قالى تعالى:"قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذّلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون" أرأيت الربط بين الأمر بغض البصر وحفظ الفرج ألست معى فى أنه دليل على أن من أطلق بصره فى العورات لا يأمن هيجان الشهوة ووقوع الفرج فى الحرام؟ وكما أمر الله الرجال فقد أمر النساء فقال بعد هذه الآية" وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويخفضن فروجهن..... الآية" ، لقد سئل النبى عن نظر الفجأة فقال لسائله اصرف بصرك يعنى إذا وقع بصرك فجأة دون قصد فأصرفه بسرعة وحذر صلى الله عليه وسلم الإمام علياُ – رضى الله عنه- بقوله:" يا على لا تتبع النظرة النظرة فإنه لك الاولى وليست لك الثانية" أي لك الأولى التى لم تكن عن عمد فإذا أتبعتها بأخرى كانت عن عمد وعليك وزرها.
وهذا عنترة العبسى الشاعر الجاهلى الفارس المشهور يرى غض طرفه عن جارته من المروة والنبل وشيم الكرام فيقول:
وأغض طرفى إن بدت لى جارتى حتى يوارى جارتى مأواها.
وقلت في هذا المجال:
أغض الطرف إذ إنى بغض الطرف مأمور
وغض الطرف لى عِز ولى فى ظلمتى نور
وأشعر بعده أنى على الشيطان منصور
ألا اصنع يا فتى صنعى ففيه الخير موقور
ولعل سائلاً يسأل وأين هذا الدرس فى قصتنا وقد أطلت فيه؟ والجواب : أن الإمام النسفى فى تفسيره ذكر أنها لما جاءته تدعوه إلى أبيها ليجزيه أجراً على سقايته واحسانه إليهما تبعها موسى عليه السلام فألزقت الريح ثوبها بجسدها فوصفته فقال لها امشى خلفى وانعتى لى الطريق. وذكر ابن كثير فى البداية والنهاية أن ابنة شعيب حين قالت لأبيها يا أبت استئجره إن خير من استئجرت القوى الأمين ، قال لها: وما أعلمك بهذا؟ فقالت إنه رفع صخرة لا يطيق رفعها إلا عشرة وأنه لما جئت معه تقدمت أمامه فقال كونى من ورائى فإذا اختلف الطريق فاقذفى لى بحصاة أعلم بها كيف الطريق؛ وقد نقل ابن كثير هذه الرواية عن عمر وابن عباس وشريح القاضى وأبو مالك وقتادة ومحمد بن اسحاق.
تاسعاً : حسن اختيار الأب زوج ابنته وحسن اختيار البنت من يكون زوجاً لها. وجواز أن يعرض الرجل ابنته على الصالحين من عباد الله تعالى ، وذلك ظاهر فى قول شعيب:" إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتى هاتين" ، وذلك حين علم من ابنته - التى جاءته – حياءه وأمانته وقوته وهذا أغـلى ما ينشده الأب العاقل من الشخص الذى يريده زوجاً لابنته ، وحين أبدى موسى موافقته كانت البنت أكثر سعادة وفرحاً بهذا الزواج النبيل ؛ وعلى مثل هذه الأخلاق من العفة والحياء والقوة والمروءة تُبنى الأسر المسلمة.
ولم يجد شعيب- ذلك الرجل الصالح- حرجاً فى أن يعرض ابنته على موسى بل انه سن للناس من بعده سنة حسنة طبقها السلف الصالح كأمير المؤمنين عمر وسعيد بن المسيب وغيرهما كثير.
ففى ظل الإيمان والحب فى الله عز وجل وفى ظلال الصفات الصالحة يسقط التكلف والكلفة والحرج.
عاشراً: التيسير فى المهور والرضا باليسير ، فلقد كان مهر ابنة شعيب أجرة موسى على عمله فى رعى غنم والدها.
إن البركة والصلاح وحسن العشرة أمور ملازمة للحب والتيسير والرضا باليسير وهذا رسول الله يقول للصحابى الفقير: التمس ولو خاتماً من حديد؛ إن تعقيد المهور كان ولا يزال سبباً فى احجام الشباب عن الزواج وكثرة العوانس وانتشار الرذيلة والفساد السرى المسمى زوراً بالزواج العرفى فليفقه الآباء هذا الأمر وليتركوا التشديد فمن يسر يسر الله له ومن شدّد شدّد الله عليه.
حادى عشر: الوفاء وحسن القضاء صفة الكرام والنبلاء:-
ظهر هذا الدرس فى حسن عشرة موسى ووفائه لصهره شعيب فإن المهر كان أجرة ثمانى سنوات، وأما أن يجعلها موسى عشر سنوات فهذا شيء من عنده هو لا يجبره شعيب عليه، فكم قضى موسى عند شعيب؟؟
نقل الحافظ ابن كثير عن الإمام البخارى أن سعيد بن جبير قد سأله يهودى من أهل الحيرة :أى الأجلين قضى موسى؟ فقال سعيد لا أدرى حتى أقدم على حبر العرب فأسأله فقدمت على ابن عباس فسألته فقال: قضى أكثرهما وأطيبهما إن رسول الله إذا قال فعل، وقد روى عن ابن عباس مروفوعاً للنبى – صلى الله عليه وسلم- فقد روى ابن جرير عن ابن عباس ان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال: سألت جبريل: أىَّ الأجلين قضى موسى؟ قال أتمهما وأكملهما.
نفعنا الله بقصص القرآن الكريم اللهم آمين.