العفة عن المال العام

أحمد أحمد عبد الجواد

الشواشنة / الفيوم / مصر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ...............

وبعد ...

فالمال العام أعظم خطراً من المال الخاص الذي يمتلكه أفراد أو هيئات محددة ، ذلك لأن المال العام ملك الأمة وهو ما اصطلح الناس على تسميته " مال الدولة " ، ويدخل فيه : الأرض التي لا يمتلكها الأشخاص ، والمرافق ، والمعاهد والمدارس ، والمستشفيات ، والجامعات غير الخاصة ، ....... ، وكل هذا مال عام يجب المحافظة عليه .

ومن هنا تأتي خطورة هذا المال ، فالسارق له سارق للأمة لا لفرد بعينه ، فإذا كان سارق فرد محدد مجرماً تقطع يده إن كان المسروق من حرز وبلغ ربع دينار فصاعداً ، فكيف بمن يسرق الأمة ويبدد ثرواتها أو ينهبها ؟ كيف تكون صورته في الدنيا وعقوبته في الآخرة ؟

الدليل على حرمة المال العام :-

مما يؤكد حرمة المال العام قصة الصحابي الجليل ابن اللتبية الذي أرسله الرسول لجمع الصدقة فجمعها ثم جاء فقال : هذا لكم وهذا أهدي إلي ، فغضب النبي من ذلك وخطب في الناس وكان مما قاله : " فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر يهدى له أم لا ؟ والذي نفسي بيده ، لا يأخذ أحد منه شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته ..... " ( وهو في صحيح البخاري ) .

ويؤكد حرمة هذا المال ما ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه شبه حاله مع مال الأمة بحال الوصي مع مال اليتيم ، وقد حدد القرآن منهج الوصي في التعامل مع مال اليتيم بقوله تعالى : " فمن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف " .

ووجه الدلالة من قول أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه هو أن مال اليتيم حرمته مصونة والعبث به جريمة ، قال تعالى : " إن الذين يأكلون اموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً "  .

 ويؤكد حرمة المال العام ما ورد في صحيح مسلم رضي الله عنه عن عدي بن عميرة الكندي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم – يقول  : " من استعملناه على عمل فكتمنا مخيطاً  فما فوقه كان غلولاً يأتي به يوم القيامة " .

إن سلب القليل من المال العام ولو كان مخيطاً أو ما في قيمته يفضح العبد يوم القيامة ويذهب بحسناته ، ودليل ذلك ما رواه البخاري عن أبى هريرة في قصة العبد الذي أهداه بنو الضباب لرسول الله واسمه " مدعم " ، وكان قد أخذ شملة من الغنائم يوم خيبر لم تدخل ضمن القسمة ، فلما مات من إصابة سهم ، قال بعض الصحابة : هنيئاً له الشهادة ، فقال النبي : بل والذي نفسي بيده إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناراً " فجاء رجل بشراك أو شراكين فقال : هذا شئ كنت أصبته ، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم - : " شراك أو شراكان من نار " .

الأ .. فليتق الله رؤساء المصالح العامة الذين يستخدمون سيارات العمل والوقود الخاص بها في قضاء مصالحهم الشخصية ، وليتق الله الذين يصممون مشاريع على الورق يستنزفون من خلالها أموال البلاد ، وليقتدوا بعد رسولنا وأصحابه بعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه – وقد كان مع أحد الولاة يسأله عن أحوال المسلمين ، فلما بدأ الوالي يسأل الأمير عن حال أولاده أطفأ عمر السراج الذي كان يضئ المكان ، فتعجب الوالي فقال أمير المؤمنين عمر : كنت أسألك عن أحوال المسلمين ، فلما سألتني عن أحوالي أطفأته لأن الزيت من أموال المسلمين .

وجاءته زكاة المسك فوضع يده على أنفه حتى لا يشتم رائحته ورعاً عن المال العام ، فقالوا يا أمير المؤمنين إنما هي رائحة فقال : وهل يستفاد منه إلا برائحته ؟!

وليتدبر كل مسئول في موقعه قوله تعالى : " ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون ، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء .

رزقنا الله العفة والتعفف عن المال العام وكل مال حرام.