شهوة السلطة بين أهل السياسة وأهل الدين

شهوة السلطة بين أهل السياسة وأهل الدين

حازم الحريري

صحفي سوري مقيم في السويد

[email protected]

السلطة وحب الظهور والتشبث بالكرسي والاستماتة دونه علل أهل السياسة والحكم , ومن يستعرض صفحات التاريخ في قديمه وحديثه تنبئه سطوره المضرجة بالدماء والأشلاء عن مدى استفحال هذه الشهوة وتوغلها في النفس البشرية على امتداد الدهور والعصور..

يصر الحاكم على البقاء في كرسيه حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة, لكن غريزة التسلط والهيمنة تلح عليه فيوصي بكرسيه لولده من بعده !!

وهكذا تتواصل الغريزة في تضخمها وتوسعها لتطال الأحفاد وأحفاد الأحفاد في شخص المؤسس أو الأسرة الحاكمة حتى عرفنا في عهود ماضية ولاحقة الملك العضود والنظام الملكي الذي بات سمة التاريخ في مرحلة طويلة من مراحله ..

ومع شراهة هذه الغريزة وتمددها في ضمير ووجدان كل صاحب سلطة تتحول من شهوة إلى مرض تدمير الآخرين والقضاء على كل من تسول له نفسه مشاركته هذه اللذة أو حتى مجرد أن يتطاول برأسه إلى كرسي السلطان … 

ولست بحاجة إلى سوق الأدلة والشواهد التاريخية على مقالتي تلك ,فكتب التاريخ تطفح بالمؤامرات والدسائس السياسة والاغتيالات ودحرجة الرؤوس وقتل المخالفين والمعارضين والزج بهم في غياهب السجون لمجرد أنهم تجرؤوا على اقتحام هذه المنطقة المحرمة …

غير بعيد عن أصحاب الكراسي والسلاطين يقف أرباب الدين وسدنة الوحي الإلهي تعتري بعضهم آفة السلطة والنفوذ ممثلة بحب الظهور والتصدر في المجالس والانفراد بالحديث واحتكار الحقيقة ,متكئين في ذلك على وهم امتلاك الحقيقة المطلقة ورمي المخالف دائما بالضلال والخروج على الطريق القويم الذي يرسمونه في مخيلتهم …

كلا الصنفين يعبران عن حالة من الطغيان الفكري والاستبداد السياسي الذي يحول الحياة برمتها على اختلافها وتنوعها إلى مجرد متعة يلهو بها المستبدون ويسيرونها وفق رغباتهم وأمزجتهم …

لكن في رأي الشخصي أن شهوة السلطة عند بعض المنتسبين للعمل للدين هي أشد قسوة وخطورة من شهوة رجال الحكم وساسةالدنيا , ذلك أن منطلق الفئة الثانية محكوم بالصراع من أجل البقاء وباسم الكرسي وجبروته وتوغله , أما الفئة الأولى فتسلطهم وممارساتهم الاستبدادية التي نراها ونلمسها في كل مناشط حياتنا نابعة من كونهم الموقعين عن رب العالمين وهنا يقف القلم حائرا عن توصيف هذه الحالة التي تلبس لبوس الدين وتتكلم باسم الرب !!

من المفيد القول في هذا السياق أن نصوص الشريعة بمجموعها تزهد في اعتلاء المناصب وتسيد المنابر , وترى أن الزهد الحقيقي في الابتعاد عن الأضواء والشهرة وهو ما مارسه أهل القرون الأولى من سلف هذه الأمة حتى قرأنا في كتب السلف عن من كان يفر من مناصب الإمارة والافتاء والقضاء فراره من المجذوم ..

فهل يعي بعض من تصيبهم هذه الشهوة ممن يشتغلون في حقل الدعوة إلى الله أنهم بممارساتهم تلك يسيئون للإسلام وأهله ويجعلون الصورة أكثر قتامة مماهي عليه حقا بإمسكاهم بعصا الدين الغليظة التي يقسمون فيها الناس ويصنفونهم وفق رؤية ضيقة أو مذهب فقهي أو فكري محدد , مع أن ديننا الحنيف يتسم برحابة قل نظيرها في سائر الأديان والمذاهب الأخرى , فلماذا يأبى البعض إلا تضييق الواسع وتحجيره ؟؟!!