التائبون والتائبات

التائبون والتائبات

د. كمال رشيد رحمه الله

هذا الحشد من التائبين والتائبات من الفنانين والممثلين والراقصين من الرجال والنساء أصحاب الشهرة والتاريخ الطويل أو القصير ، وقد بلغوا حد التوبة والإقلاع والاستنكار لكل ما مردوا عليه من حياة اللهو والصخب والمجون ومجافاة الأخلاق وارتكاب الرذيلة في درجات متفاوتة قد تصل إلى حد الابتذال الجسدي والفعلي ، وافسدوا أجيالا تحت مظلة الفن بأنواعه .

هؤلاء جميعا ، وقد استيقظت ضمائرهم ، وعافت نفوسهم حياة العفن تلك ، وأدركوا أن في العمر فسحة للتوبة والاستغفار والإقلاع ، يستحقون الشكر والثناء والتقدير لان الاستيقاظ بعد غلبة النوم ، والشفاء بعد غلبة المرض ، والنهوض بعد طول القعود والاستحمام بعد تراكم الأدران ، يستحق منا هذا ، كما استحق من الله الرضا والقبول ، إذ ليس العيب في العيب ولكن في الإصرار عليه وامتهانه واعتباره من مستلزمات الحياة .

وكان يكفي من أولئك أن يبدؤوا البداية الصحيحة ، وان يعيشوا الحياة بطولها وعرضها ولكن بالطهر والحلال والترفع عن الدنايا.

ولكن ما بال هؤلاء وأولئك ما أن يعلن واحدهم توبته وعودته إلى رحاب الله الواسعة، واستظلاله بظله الكريم حتى تسلط عليه الأضواء ، حتى يصبح داعية يقول ويفتي بهذه المسألة أو تلك ، وكأنه أصبح بين عشية وضحاها عالماً وفقيها ، يحلل ويحرم ويصدر الفتاوى والأحكام مع انه حديث عهد بالدين وأحكامه .

وقد يعلم أولئك أن الخوض بمسائل العقيدة والتشريع والأحكام والإفتاء به هو من شان أهل العلم والاختصاص ، ممن قضوا سنوات في الدرس والبحث ، وما نالوها إلا من بعد أن نالت منهم وأخذت منهم سنوات التعب والجلد لبحث أو امتحان أو مساءلة .

الفقه والفتوى والدعوة ليست من شان كل مسلم ، حتى أولئك الذين التزموا بالدين عبادة وسلوكا ، فكيف بمن غابوا عن المدارسة والممارسة عشرات السنين كانوا فيها غارقين في عالم مختلف تماماً.

أيها التائب ، أيتها التائبة مع التهنئة والمباركة والتقدير والإعجاب بالتغلب على مألوف جزء من عمرك ، حسبك أن تحدث الناس في الفضائيات والندوات والكتب عن تجربتك الإيمانية ، عن قصة إيمانك عما كان سببا في هدايتك ، يمكنك أن تتحدث عن مشاعرك الجديدة وقد اهتديت ، وقد وضعت رجلك في السبيل الصحيح .

وسيكون كلامك مؤثرا ونافعاً للمستمعين ، وستكون أو تكونين قدوة ، بعد تجربتك الصادقة ، وليس مطلوبا منك أن تصبح عالما في الدين ، تفتي وتقضي وتشرع وتحلل وتحرم ، لان هذه مسائل شائكة لا يقدر عليها ، ولا يجوز أن يلج فيها إلا أهل الاختصاص أهل الذكر " فاسألوا أهل الذكر " .

انك بهذا إنما تعرف قدرك فلا تحمل نفسك فوق طاقتها، ولا تلحق الضرر بالذين يسمعونك، ويأخذونها منك سائغة.

مطلوب منك الاستقامة والصلاح وبداية حياة إيمانية جديدة ، ولك المغفرة من الله وهو الغفار الرحيم ، وليس لك أن تتجاوز لتصنع من نفسك عالما بأمور الدين ، ورحم الله من عرف قدره ولزم حده " ولا تقف ما ليس لك به علم " وهنيئا لك توبتك وعودتك للفطرة السليمة والحياة الكريمة .