بناء الأوطان وهدمها
بين المنهجية والانفعالية !
عبدالله القحطاني
· الكلام عن بناء الأوطان سهل جداً ، على كل إنسان .. لأنه لا يكلّف صاحبه شيئاً ، سوى تحريك لسانه ! وكلما كان اللسان أكثر رشاقة ، كان أكثر تفنّناً ، في الحديث عن البناء ، بأنواعه المختلفة ، وبسائر المصطلحات المتداولة في ميدانه ، من إصلاح وترشيد وتسديد .. ونحو ذلك ! لكن الفعل المحقّق لهذا الكلام ، صعب جداً ، على أكثر الناس ! لذا ، يكثر كلام الناس في هذا المجال ، ويقلّ فعلهم ، وينعدم عند الكثيرين .. بل ، ربّما كان أكثر الناس كلاماً ، حول البناء .. أقلّهم فعلاً ، على أرض الواقع !
· والكلام عن هدم الأوطان ، صعب جداً.. بل هو منكر، لدى عقلاء البشر جميعاً! لذا ، يندر أن يرى المرء عاقلاً واحداً ، يذكر أن لديه رغبة حقيقية ، في هدم وطنه ! أمّا فعل الهدم ، نفسه ، فكثير جداً.. وعلى سائر الصعد ، وفي شتّى المجالات: السياسية ، والاقتصادية ، والثقافية ، والعلمية ، والأمنية ، والخلقية ..!
· صعوبة البناء وسهولة الهدم لا تحتاجان ، إلى شرح وتفصيل ! فهما من مسلّمات الفكر الإنساني السليم ، سواء أكان صاحبه عالماً أم جاهلاً ، وسواء أتعلّق البناء والهدم ، بمسائل اجتماعية ، أم اقتصادية ، أم ثقافية ، أم خلقية .. عامّة أو خاصّة ، فردية أو جماعية ! لكن المقصود ، هنا ، هو الحديث عن المنهجية والانفعالية ـ أو الاعتباطية ـ في البناء والهدم !
· على سبيل المثال :
ـ المخلص لوطنه ، العاقل ، الحريص ، حقاً ، على البناء .. ينظر في واقع وطنه ومجتمعه ، وما فيهما من عناصر القوّة والضعف .. وما يحتاج إلى بناء ، أو إعادة بناء ، أو ترميم ، أو إصلاح .. وما يحتاجه كل منهما ، في كل مجال ! أمّا المخلص غيرالعاقل، فيعتسف الأمور اعتسافاً ، ويحرص على تحقيق رؤيته الخاصّة ، في الإصلاح ، بأسرع وقت ، دون النظر إلى الواقع ومقتضياته ، وما يحتاجه الإصلاح ، من وسائل وأساليب ، وأزمنة ، وطاقات بشرية وعلمية ، وغيرها .. فيفسد ، في ارتجاله ، من حيث يريد الإصلاح ، ويهدم أكثر ممّا يبني !
ـ العاقل المخلص لنفسه وأسرته ، على حساب الوطن .. يحرص على تحقيق أكبر قدر من المصالح ، لنفسه ولأسرته ، على حساب الوطن .. ولو أدّى ذلك إلى إضعاف الوطن: اقتصادياً ، أو سياسياً ، أو أمنياً ..! لكن ، بأساليب لطيفة ، لايستطيع معرفة نتائجها ، إلاّ ذو العقل المتمرّس الحصيف ! أمّا الأحمق الأناني ، فتدفعه حماقته ، إلى فعل كل شيء يرى فيه مصلحة ، له ولأسرته ، بأقصى سرعة .. ولو أدّى ذلك إلى خراب ظاهر، أو تدمير واضح ، للوطن والمجتمع : اقتصادياً ، واجتماعياً ، وخلقياً .. !
ـ يندر أن يخلو مجتمع ما ، من العناصر الأربعة المذكورة : العاقل المخلص ، والأحمق المخلص ، والعاقل الأناني ، والأحمق الأناني! وكلما كثر عدد فريق من هؤلاء، ازداد تأثيره في المجتمع ! وكلما ارتفعت مكانة واحد من هؤلاء ، في مواقع صنع القرار، ازداد تأثيره في الدولة والمجتمع ، بناء أو هدماً ، إصلاحاً أو إفساداً !