هامش القول، وهامش الفعل
هامش القول، وهامش الفعل..
لدى الساسة المقيّدين، ولدى الساسة المرتبطين!
ماجد زاهد الشيباني
· ليس ثمّة سياسي ، بل ليس ثمّة إنسان ، غير مقيّد بقيود شتّى ، يفرضها الواقع ، بما فيه من قوى ومصالح ، وعلاقات وتناقضات ، ومفارقات وموافقات ! ولو أتيح لكل امرئ ، أن يفعل مايشاء .. لتغيّر وجه العالم ، كل يوم ، بل كل دقيقة ، مرّات عدّة ! فهذا من بدهيات الفكر الإنساني البسيط !
· قيود الواقع ، تَفرض على السياسي ، قيوداً في التفكير ، فيما ينبغي ، ومالا ينبغي ، وفيما يمكن ، وما لا يمكن ، وفيما هو مجدٍ ، وما ليس مجدياً !
· القيود المفروصة على السياسي ، تختلف عن القيود المفروضة على المرتبط بأنواع محدّدة ، من العلاقات مع الآخرين ! وهو ـ المرتبط ـ خاضع ، كذلك ، للقيود الآخرى ، المفروضة على غيره من الساسة ، بشكل عامّ !
· الحديث ، هنا ، منصبّ على النوع الأخير من الساسة ، وهو النوع المرتبط !
· الارتباطات قد تكون سلبية أو إيجابية..وقد تكون ثمّة ارتباطات سلبية ، في مكان ما ، وأخرى إيجابية ، في مكان آخر! كما أنها قد تكون شخصية أو عامّة ! وقد تُفرض ، كذلك ، عليه ، قيود شخصية ، في ناحية ما ، وقيود وطنية ، في ناحية أخرى !
· السياسي الخاضع لهيمنة جهة ما ، أو نفوذ جهة ما .. داخلية ، أو خارجية .. يظلّ هامش الفعل ، لديه ، محدوداً ، بالحدود التي تفرضها ارتباطاته بالآخرين .. سواء أكانت هذه الارتباطات ، متعلقة بكرسي سلطة ، أم بمساعدة مالية ، أم بخضوع شخصي ، لابتزاز من نوع ما ، سياسي ، أو خلقي .. أو نحو ذلك !
· نماذج :
1) السياسي الذي رهن قراره ، لدولة مثل أمريكا .. يصعب عليه جداً ، أن يتصرف تصرفاً مخالفاً لإرادتها ، على المستوى السياسي ، أو الاقتصادي ، أو الأمني ، أو نحو ذلك ! وبناء عليه ، يصعب أن يصدّق عاقل ، سياسياً صاحبَ قرار مرتهَن لأمريكا ، في دولته العربية ، على سبيل المثال .. إذا صرّح بأنه سيرسل قوّة عسكرية ، لمقاتلة الصهاينة في فلسطين ، دفاعاً عن غزّة ، أو عن الضفّة الغربية ، أو عن أيّة منطقة في فلسطين ، تخضع للتدمير الصهيوني .. أو أنه سيسعى إلى تشكيل حلف قويّ ، يحارب به إسرائيل !
2) السياسي صانع القرار، الذي يتلقّى معونات ضخمة ، نقدية ، أو عينية ، كالقمح أو الطحين ، أو نحو ذلك ، من أمريكا .. له شخصياً ، أو لدولته .. يصعب عليه أن يفكّر في أيّة معارضة جادّة ، ذات تأثير ، لما تقوم به إسرائيل ، من اعتداءات على فلسطين وشعبها .. أو على أيّة دولة عربية أخرى ! أمّا إذا كانت في بلاده قواعد أمريكية ، تشلّ أيّ تحرك عسكري ، يقوم به دون موافقتها .. فمن باب أولى ألاّ يفكّر في اتّخاذ سلوك عملي جادّ ، ضدّ إسرائيل ، الابن المدلّل لأمريكا ! وكل ما يمكن أن يقدّمه صاحب القرار هذا ، بعد أخذ الإذن من أمريكا .. هو نوع من المساعدة الإنسانية ، لجهة عربية ما ، قد تعتدي عليها إسرائيل !
* هوامش الأقوال والتصريحات ، واسعة ، لدى أصحاب القرارات ، المرتبطين بأمريكا ، مادامت هذه الأقوال والتصريحات ، لا تقدّم شيئاً ، ولا تؤخّر شيئاً ، على أرض الواقع ، إنّما تطلق لإرضاء الشعوب ، وكسب ودّها ، وتلبية تطلّعاتها ، والتنفيس عن آلامها النفسية !
* هوامش الأقوال والتصريحات ، قد تكون فردية ، من سياسي ما ، صاحب قرار.. وقد تكون من مجموعة من الساسة ، مرتبطين بمعاهدات ، أو تحالفات إقليمية .. أو نحو ذلك !
* الشعوب التي تطالب حكّامها ، الخاضعين للقرار الأمريكي .. بفعلٍ ما ، غيرِ التصريحات والبيانات .. لنصرة القضية الفلسطينية ، أو غيرها .. تنقسم إلى فئات عدّة :
ـ بعضها يدرك قوّة الارتباط بأمريكا ، وعجز قيادته عن فعل شيء يخالفها .. لكنه يسعى إلى إحراجها ، لعلّها تسعى إلى التخلّص من الأغلال الأمريكية ، التي تكبّلها عن نصرة إخوانها ! وفي هذا الإحراج الشعبي ، دعم حقيقي لها ، أمام الضغوظ الأمريكية .. لو أرادت الإفادة منه !
ـ بعضها يحسن الظنّ بقيادته ، متصوّراً أنها ـ كما تدّعي لنفسها ـ ذات سيادة ، وقرار مستقلّ ! فيطالبها بممارسة سيادتها ، وصناعة قرارت فاعلة مجدية ، لنصرة إخوانها !
* كثيراً ماتتنافس القيادات المكبّلة العاجزة ، في إطلاق البيانات والتصريحات ! وكل منها يصدر بياناً أقوى من بيانات الآخرين ، أو تصريحاً يتضمّن بلاغة تفوق بلاغات نظرائه ! وكل هذا لا بأس فيه ، من وجهة نظر الساسة الأمريكان ، مادام لايقترب من حدود الفعل .. إلاّ ما كان فعلاً إنسانياً ، مرخّصاً به أمريكياً !