راحيل التي قاتلت مع الجنود الصهاينة في غزة

محاولة لتحليل الأسطورة

طارق حميدة

tariq_hamida@hotmail.com

أورد تقرير على موقع إسلام أون لاين، روايـة يتداولها الكثير من الجنـود الإسرائيليين العائدين من قطاع غــزة بـعد حرب إسرائيلية على القطاع أن "امـرأةٌ جميــلة طـويلة القـامة تـرتدي زيا فلسطينيا.. ظهرت لنا فجـأة وقالت: إياكم أن تدخلوا هذا البيت.. إنـه مليءٌ بالألغام.. فكـرنا قليلا ثـم قررنا الامتثـال لها.. وما هي إلا لحظات وانفجـر البيت وانهـار.. اختفت المـرأة الجميـلة.. ثم ظهرت مرتين مجددا لتُحذرنا.. فأمسكنا بها وسألناها عن قصتـها، وما الذي يجعـل امرأة فلسطينيـة تُحذر جنـودا جاءوا ليقتلوا شعبـها.. فأجابت: "لأنني أحبـكم.. أنا أمكـم راحيـل".

وبحسب التقرير، فإن رواية "راحيل" المزعومة في غزة سردها جندي إسرائيلي، رفض ذكر اسمه، لوسائل إعلام إسرائيلية، قائلا إنها جرت في للمرة الأولى خلال محاولة اقتحام بيت في شمال غزة، ثم اختفت المرأة وواصلنا التقدم.. اقتربنا من مسجد فوصلت إلينا معلومات بأنه يحتوي على أسلحة ومتفجرات.. وفجأة ظهرت لنا المرأة من جديد، وقالت: أحذركم من دخول هذا المسجد أيضا، فهو ملغوم.. تراجعنا على الفور، وهذه المرة من دون تردد، وبالفعل، انفجر المسجد وانهار بعد دقائق.

ويواصل الجندي روايته: "تكرر الأمر للمرة الثالثة في اليوم نفسه، لكن هذه المرة أمسكنا بها وسألناها عن قصتها، وما الذي يجعل امرأة فلسطينية تحذر الجنود اليهود الذين يهاجمون شعبها وتنقذهم من الموت المحقق، فأجابت: لأنني أحبكم ولا أريد لكم سوى الخير، وسألناها: ومن أنت؟، فأجابت: أنا أمكم راحيل، واختفت من جديد".

و"راحيل" هي زوجة النبي يعقوب وأم النبي يوسف عليـه السلام، ويعتبرها اليهود واحدة من الأمهات الأربع لليهودية، كونها امرأة باركها الله سبحانه وتعالى وقد رزقها الله بيوسف وشقيقه بنيامين بعد أكثر من 20 سنة من زواجها، كما في المصادر الدينية اليهودية.

ويتابع التقرير أن هذه الرواية لم تقتصر على ألسنة الجنود، الذين صدّق بعضهم تفاصيلها وسخـر قسمٌ آخـر منها، بل امتدت لتصل إلى عدد من رجال الدين اليهود، وتبناها الحاخام الأكبر، مردخاي إلياهو، الزعيم الروحي لليهود المتدينين الأشكيناز، وأكبر رجل دين للتيار القومي في الحركة الصهيونية، الذي يتبعه غالبية المستوطنين.

تحليل عناصر الأسطورة

1)    الخوف الشديد الذي كان يعانيه الجنود الصهاينة، كان يدفعهم إلى التفكير بالارتماء في أحضان أمهاتهم، هرباً من الأخطار والويلات التي كانوا يواجهونها، أو يخشون مواجهتها في قطاع غزة، وقد تحدثت شهادات للمجاهدين عن تكرر صراخ جنود الاحتلال خلال المعركة مستغيثين بأمهاتهم: إيما.. إيما.

وبما أن هذا الشعور كان جماعياً؛ فقد بحث العقل الجمعي عن أم تشمل كل الجنود، وبالتالي كان التوجه إلى أم الإسرائيليين: راحيل.

2)    والنصائح التي قدمتها أمهم جميعها تحذيرية، وهي تعكس من جهة السلوك الحذر الخائف الذي كان يعتري الجنود، وأن كل شيء في غزة كان يشكل عنصر خوف وقلق لهؤلاء الجنود، وبالتالي فإن الإحجام كان هو السلوك الأغلب للجنود، بل كانت تعليمات القيادة تأمر به وتعززه، وقد تحدثت مصادر المقاومة الفلسطينية عن تلغيم عدد من البيوت وتفجيرها في الجنود الصهاينة إلى الحد الذي جعل مجرد التفكير في دخول بيت فلسطيني كابوسا ومصدر رعب شديد، أكدته هذه الشائعة الأسطورة، ومن جهة أخرى فإن المساجد لها خصوصية في تشكيل الخوف لدى الصهاينة كون أغلب المجاهدين تخرّجوا منها، وبالتالي تصوروها ملغمة لأنها بالنسبة إليهم تخرج القنابل البشرية. 

3)    وحيث قد عاد هؤلاء الجنود سالمين فإن الأسطورة تتحدث في المرات الثلاث عن نجاتهم بالإحجام، وكأنها رسالة تبرر جبنهم عن المواجهة أمام أنفسهم ومجتمعهم، وكذلك فهي تظهر أن شاغلهم الأهم خلال المعركة وقبلها وبعدها كان هو العودة إلى أمهاتهم سالمين، لا أن يحققوا أي انتصار أو إنجازات عسكرية أخرى، وكون هذه الشائعة لا تنحصر في الجنود بل تتعداهم إلى المجتمع الحاضن فإنها تشير إلى أن المجتمع يشاركهم في أن السلامة والعودة هي الهدف الأساس.

4)    لماذا تخيلوا أمهم فتاة جميلة؟ لأن نهاية القصة بعودنهم سالمين هي نهاية سعيدة ولو كانت غير ذلك لربما كانت في غاية القبح، وهي ترتدي زياً فلسطينياً للتمويه، ولأنه لا يتوقع رؤية نساء بالأزياء اليهودية في القطاع،  وكونها طويلة ليروها جيداً، وإمساكها في المرة الثالثة بعدما اطمأنوا لها، ولأنهم – كجيش جبان- لا يتجرأون إلا على الضعفاء من النساء والأطفال دون الشباب المقاوم، ولماذا تكررت النصيحة ثلاث مرات؟ ذلك ليتعزز أن القصة حقيقية، والعدد ثلاثة فيه معنى التمام والكمال وحصول المقصود، ولماذا تحذرهم أمهم وتعزز فيهم الإحجام ولا تدلهم على موقع يقتحمونه؟ لأن أمهاتهم ودولتهم وغالب المجتمع يفكرون بهذه الطريقة، والقيمة العليا هي للسلامة لا للتضحية.

5)    واللجوء إلى راحيل أيضاً، كرمز ديني، وتسببها في نجاة الجنود بهذه الطريقة الأسطورية، يشير إلى شعور الجنود الصهاينة بأن نجاتهم في المعركة وعودتهم سالمين منها، كان معجزة، فقد كان الموت يتربص بهم خلف كل جدار وتحت كل سقف.