تبت يدا أولمرت

إيمان رمزي بدران

[email protected]

عضو رابطة أدباء بيت المقدس

لعلنا نتذكر حين بدأت الشرذمة الحاكمة في "إسرائيل" عدوانها على قطاع غزة وكيف خرجت التصريحات من هنا وهناك معلنة أنا ستغير الوضع والمعادلات في غزة ساعتها كان المستمع إلى أولمرت وليفني يظن أنهما سحقا المقاومة بضربة "معلم" وبدون أي تبعات أو خسائر !

مضت أيام العدوان وبدأت ملامح الخيبة الكبرى التي حققتها تلك الشرذمة !

فمنذ اللحظة الأولى ظهر جليا ذلك الغباء الذي يلف حكومة "إسرائيل" حين قامت بضرب مراكز الشرطة ظنا منها أن المقاومة تختبئ فيها ! ثم الأسخف من ذلك ما قاله "أفي ديختر" أيامها من أن أهل غزة سعيدون بما يجري ! وأن إسرائيل فعلت ذلك لمساعدة أهل غزة على التخلص من حكم "حماس" وكأنه هو الوصي على سكان غزة !

لكن ضمت الأيام الثلاثة والعشرون يوما بعد يوم لتتكشف رويدا رويدا تلك الخيبات المتتابعة المتلاحقة وتلك الأماني الزائفة التي منى بها المستوى السياسي والعسكري الصهيوني نفسه !

فلم يكن عمليا مطلوب من المقاومة في غزة حتى تعد منتصرة أكثر من الحفاظ على بنيتها العسكرية والتنظيمية والسياسية وتكبيد العدو خسائر تجبره على التقهقر

فعسكريا لم تخسر المقاومة بالضربات الجوية شيئا يعتد به ! بل بالعكس كانت طريقة للتأقلم مع مزيد من القوة النارية التي كانت المقاومة معتادة عليها سابقا!

وتنظيميا لم تفقد حماس سيطرتها ولا فصائل المقاومة الأخرى بل بقي وضعها التنظيمي مستقر فيما يبدو فلم تستطع "إسرائيل " اغتيال أي من قياداتها العسكرية الكبرى وإنما طالت رجلين الأول من القيادة السياسية والدينية وهو الدكتور نزار ريان وهذا صحيح أنه أثر معنويا لقربه من الجناح العسكري ولكنه لم يكن في ذلك الوقت يشغل دورا عسكريا بدليل مبيته في منزله ، والآخر هو من القيادات الأمنية في الوضع الداخلي وتوقيت اغتياله كان في الوقت الضائع بالنسبة لإسرائيل نظرا لأن الحكومة في غزة كانت قد أعدت خطة الطوارئ وامتصت الصدمة واستطاعت عمل ما يضمن عدم تأثر الأمن الداخلي بأي طارئ حتى ولو كان اغتيال قيادي بحجم سعيد صيام !

وسياسيا ظلت مواقف المقاومة ثابتة لم تتزحزح ! فمطالبها بوقف العدوان والانسحاب ورفع الحصار هي هي منذ البداية وحتى النهاية ! بينما أضطر اولمرت وزمرته للتضليل بشأن أهداف العدوان فتارة هو القضاء على حماس وتارة وقف الصواريخ وتارة وقف التهريب وأخيرا مجرد إضعافها !

ومن المثير للسخرية حقا تلك النتيجة الغريبة التي تحاكي لهجة الأطفال حين يقول أخيرا لقد حققنا أهدافنا وضربنا حماس ضربة قاسية هي لم تحس بها حتى الآن وولكنها ستدركها فيما بعد !

ولعلني رأيت فها محاولة يائسة لتجنب "فينوغراد" جديدة خاصة في بداية الخطاب فقد بدا كم يسمع درسا أمام معلمه وهو يقول الجيش فعل كل ما لديه الجبهة الداخلية متماسكة  حققنا أهدافنا!

ولعل هناك أمران جعلاني أتأكد أن هذا الخطاب هو خطاب الهزيمة الثانية والخيبة الأكبر :

أولهما قول أولمرت أن إسرائيل استخدمت القوة الكاملة لضرب غزة ظنا منه أن هذا الكلام لصالحه ولكننا فيما يبدو أمام زمرة غاية في الغباء؛ فإن كانت هذه في قوة إسرائي الكاملة فهذا يين أنها لن تعيش طويلا وأنها أضعف من أن تواجه حركة مقاومة قليلة العدة والعتاد بالقياس لدولة مثلها ! وإن كان كاذبا فهذا يدل على جبن ورعب أصاب الجيش الصهيوني فلم يتمكن من استخدام القوة الكاملة فاضطر للكذب ليواري عجز جنوده !

وثانيهما ديبلوماسية الضمانات الدولية ، فمنذ متى إسرائيل تطلب ضمان أمنها من أحد !خاصة من الأوروبيين ولماذا تحتاج "اسرائيل" اتفاقية لمنع السلاح عن غزة ومنذ متى كان هذا السلاح مسموحا به .. ؟

ولعلي هنا أضيف إلى خيبة أولمرت أمور مهمة أولها أن المقاومة وحماس كسبت الكثير من هذه الحرب رغم الدمار والشهداء :

أولا داخليا أضعف العدوان حلفاء إسرائي وأخرسهم وجعلهم منبوذين وبالمقابل قويت شعبية حماس وتجذرت أكثر من السابق

ثانيا: أصبحت إدارة حماس لغزة أمرا ثابتا لا أحد يتكلم فيه بالعكس أصبحت رقما في معادلة الأمن في المنطقة بيدها تتحكم بمفاتيحه

ثالثا اكتسبت حماس شرعية على المستويين الرسمي والشعبي العربي والعالمي ولعل أكبر مكسب موقف تركيا الجديد وحضور ممثل حماس للمرة الأولى قمة عربية ناطقا باسم الشعب الفلسطيني

رابعا: ضاعف هذا العدوان شعبية حماس في الضفة الغربية وربما يمهد لتغيير جذري فيها لصالح المقاومة وضد حلفاء إسرائي خاصة بعد أن تميزت المواقف بشكل جلي ولم تعد الأكاذيب والضلالات الإعلامية تنطلي على أحد !

ولعلي أقول ختاما إن هذه المعركة كانت نصرا تاريخيا لحماس والمقاومة ومعادلة جديدة لصالحها ، أما أولمرت ... فتبت يداه بما كسب!