أمنيتي

م.نجدت الأصفري

[email protected]

الأمنية شيء في الخيال يحلم به شخص أن يتحقق ليكون سعيدا في حياته الحاضرة والمقبلة ، بعض الأماني مستحيل ، بينما بعضها الآخر لا يعدو كونه صعبا لعدم توفره ضمن الإمكانيات المتاحة .

لكل شخص أماني ، يرجو أن تتحقق سواء بمعجزة أو بمساعدة غير متوقعة ، على سبيل المثال ، شخص يحب أن يحضر ندوة في بلد بعيد ولا يملك نفقات السفر والإقامة ، وإذا في لحظة غير متوقعة يأتي أحد أصحابه قادما بسيارته من بلد مجاور قاصدا الندوة فيلتقي بلا موعد مسبق مع صديقه (الذي يحلم وتعوذه النفقات) فيدعوه لمرافقته ليحضرا الندوة معا ، هذه صدفة غير متوقعة تتيح للحالم تحقيق ما يريد  بدون تخطيطه وتنفيذه .

أمنيتي لا تخرج عن هذين السبيلين ، دعوني أطرحها وننتظرأيّ منها سيتحقق فجأة لأكون أحسن حظا وأكثر سعادة .

= أمنيتي في مصر ، أن تنتهي مأساة سكان المقابر ، وفقر الشعب الصابر ، ويتحسن مستوى المعيشة للجميع ، وأن يتاح لهذا الشعب العبقري أن يأخذ مكان الصدارة في حياة الأمة العربية والإسلامية عند تطبيق العدالة والمساواة بين جميع أفراد الشعب المصري ويعود علماؤهم من الهجرة القسرية التي وجدوها الفرصة الوحيدة لإيجاد عمل كريم يفتقدونه في وطنهم .

وأن تكون الديمقراطية الحقيقية مطبقة في سلطات ثلاث منفصلات لينتهي احتكار المركز والسلطة من قبل شخص لا يرى نفسه إلا فرعون القرن الواحد والعشرين والشعب الغلبان مجرد رقم ثانوي لايستحق أكثر من حياة العبيد يصدرهم خدما للدول النفطية يذلونهم ليمدونه بالقطع النادرزيادة في ملكه ، فكم يحلم أن يدوم في الحياة فوق كرسي السلطة وهو على أبواب التسعين؟   

= أمنيتي في المملكة العربية السعودية أن تكون الممثل الحقيقي لقيم الإسلام القيمة ، وأن تكون مركز اشعاع لأفكار الإسلام التي يتهافت عليها مفكري العالم الغربي لما وجدوه واكتشفوه من جوهر القيم وعظمة التطور ، بينما تنسلخ منها المملكة شبرا شبرا وذراعا ذراعا وهي موطن الإسلام ومهبط الوحي ، وذلك خوفا من الغرب أن يتهمها بالتخلف والتأخر والإرهاب  ، بسبب عدم تطبيق جوهر الدين على حقيقته والبعد عن تعاليمه خاصة في التعامل في مجال المرأة ، والجنس ، والتجارة ، وتوزيع الثروة ، والعدل بين العامل الأجنبي ورب العمل السعودي بما تفرزه القوانين العنصرية ضد الأجانب . ولا أبيح سرا أن أقول ان العائلة المالكة بمقدار عظمة والدهم وما كتبه التاريخ عن انجازاته التي أجلها وأعظمها توحيد الجزيرة وتأسيس المملكة ، بمقدار ما يبتعد أولاده وأحفاده عن سبيله ، حتى أن ما يكتب عنهم في وسائل الإعلام العالمية مدعاة للخجل الشديد ليصدق فيهم( كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا).

= أمنيتي في العراق الشهم ، أن يتآلف أهله ويكون العقل رائدهم في التمييز بين مصلحتهم ومصالح أعدائهم الذين يتظاهرون بمساعدتهم وهم في الحقيقة يحلمون أن يأتي اليوم الذي يجدونه عراقا خرابا يبابا ينعق البوم في كهوفه المهدمة ، عجبت لشعب كان يقود العالم نورا وعلما وحضارة وكان قبلة العلم والرقي كيف نسي صلاته بأهله فراح يتعاون مع جيرانه ( أعداءه) ضد أهله وأنسابه فيحقق غايات لئيمة لعدو يلبس لباس الخديعة .وبات الخونة يبذرون ثروات الشعب بلا رقيب ولا حسيب .

أين العلماء والرواد ؟ أين الحكماء والعقلاء ؟ يا قوم أليس فيكم رجل رشيد ؟ هل من المعقول أن عراقا هو مركز التشيع الحقيقي وموطن حوزاته العلمية لا يجدون بين ظهرانيهم  مرشدا لدينهم فاستوردوا من أعدائهم (سيستاني) ينشر بينهم حقدا على أهلهم وأنسابهم ليصبحوا قلوبا مع الأعداء وآذانا صاغية لتعليماتهم ، ومن ناحية أخرى جزارون جلادون على أهلهم ومواطنيهم في مساكنهم ومعيشتهم ؟

أين فيكم سلالة العباسيين ؟ أين فيكم حكمة الرشيد ، وعلم المأمون ؟ وفقه الإمام الأعظم ينشرون العلم والفكر والرشاد ؟

أريد أن تعود بغداد منارة يقصدها رجالات الغرب لا غازين ومدمرين بل ليتزودوا من مناهل علمها وعلو شأنها في جميع العلوم الدينية والدنيوية .

= أمنيتي في سوريا أن تشرق شمس الحرية ويسطع نور الكرامة ويرتفع الظلم عن كاهل شعب طيب ودود ذاق في نصف القرن الماضي على يد عصابات دموية طائفية موتورة مالم يذقه على يد المستعمرين الغربيين ، مما يذكرنا بالحشاشين والعبيديين والقرامطة والمغول ، وأن تزول الفواجع التي زرعها المرجفون ، وتعود الجداول والخمائل تملأ الحارات وتعترش الجدران أغصان الياسمين ، وتصفوا القلوب ويزول الحقد والجفاء وتعود دمشق الفيحاء إلى عز الأمويين وازدهار المجتمع في التكافل الاجتماعي والروابط الأسرية ودفء العلاقات الأخوية بين مكونات شعب لم يكن يحس الفوارق التي عزف عليها المجرمون في تطبيقهم شريعة فاسدة ورثوها عن المستعمرين ( فرق تسد) ، كنت تطرق باب جار لك في ليل أو نهار فلا يخاف قدومك ولا يظن بك الظنون حتى جاءنا هذا الطاغوت فبث الرعب والخوف وتوجس الناس الخوف حتى من خيالهم وفقدوا الثقة بمن حولهم ، وأصبحنا شذر مذر.

كنا على شريعة القائد حاكم حمص الذي أخذ من أهلها ضريبة حمايتهم والدفاع عنهم  ضد الأعداء ، حتى إذا أحاط بدمشق جيش الرومان العرمرم مما لا يقدرحاكم حمص  على صدهم عن مدينته وأهلها ، جمع أهلها  ورد إليهم أموالهم ( لأني لا أظن أنني بقوتي الصغيرة هذه أستطيع أن أحميكم ، فلم تعد الإتفاقية التي أبرمتها معكم للدفاع عنكم وحمايتكم قائمة ، لذا أرد إليكم ما أخذته منكم )

 بلاد الشام التي حكمها الخليفة العادل فلم يبق فيها فقيرا يتسول ، بينما يتسول الناس كلهم اليوم في عهد الأسود المزيفة .أريد أن يسبح الجميع في محيط الخيرات تتدفق من سهولها وأنهارها وتلاحم شعبها ، فتعود الزراعة الحديثة ، والتجارة الرشيدة ،والصناعة المتطورة لتكون عماد وطن معطاء وخير دافق ، وتعود لبردى والعاصي وقويق ودجلة والفرات والخابور جداولهم تخترق جدران البيوت تحمل من جار لجاره ما يشتهيه .

نريد أن ينتهي عصر المخابرات التي لم تكن تذكر في ماضينا ، لكنها دمرت حياتنا وشتت جمعنا وفلت نسيج مجتمعنا وساعدت ضعاف النفوس أن يستأسدوا بيننا ويسيؤوا لجميع المواطنين حتى أصبح الأخ حذرا من أخيه والجار عدو جاره.

= أمنيتي في لبنان أن تزال الحواجز الأسمنتية من الشوارع التي ضيقتها على الناس فيلف السائر ويدور حذرا من رشاش يحمله مهووس ، أو قذيفة تنطلق من مرعوب ، نريد أن تعود لبنان سويسرا الشرق في بحرها وسحر شواطئه وجبالها وروعة طقسه ، وسهولها وكثرة خيراتها ، وتركيبة سكانها يتحدثون بطلاقة البلابل والحساسين في حرية السؤال وكمال المقال ، صفاء الذهن وبلاغة النثر، وعذوبة الزجل الذي برع به أهل البر والبحريتقابلون بين الصدر والعجز في براعة لا يماثلها إلا صفاء الشعر أيام فطاحل الشعراء وهم يتسابقون للمعلقات .

نريد أن ينتهي الخلاف القائم بين من يلتصق حبا بلبنان ،وبين من ابتعدوا  تحت إغراء  الأعداء ووقعوا تحت دسائسهم ليردوهم ، فقامت بينهم حروب ، واشتعلت الفتن وتناثرت الجثث وتلاقت روافد الدم لتصبح محيطا عميقا عمق الألم في صدور الجميع كيف استطاع الغريب أن يحرض القريب على القريب ، نريد أن تشعشع البهجة على الوجوه بسمات ، وتنطلق من الحناجر ضحكات ، وينسى الناس أن لهم منغصات وعداوات .

نريد أن نحمل قلوبنا إلى لبنان لتنبض سعيدة ، وتتمرغ أجسامنا على رماله وشواطئه سعيدة مسرورة ، ونسلتذ بدفء شمسه في سفوحه وجباله ونشعر دائما أننا في بلد أحببناه وبأرواحنا فديناه.

= أمنيتي في فلسطين الحبيبة أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ، أن يثبت أهلها الأشاوس أمام جحافل الطغيان وحشود الأوباش من شذاذ الآفاق الذين أتوا كالجراد من كل حدب وصوب تحت ذرائع كاذبة ومستندات مزيفة يدعون زورا وكذبا ملكية جوهرة العالم ومنارة التعايش السلمي بين سكانها من مختلف الأديان والمذاهب ومولد عيسى ومسرى محمد وملجأ موسى ومرابع ابراهيم الخليل تعايش لم يعرف له العالم مثيلا في التفاهم والتجاور والدفاع المشترك عن هذه الأرض الطاهرة أمام الحملات الصليبية التي لم يعرف العالم أشرس ولا أسوا منها وحشية ودموية ، فقد جاء في رسالة من قائد احدى حملاتها لبابا روما مفتخرا بأن خيول رجاله تغوص لركبها في دماء المسلمين الأنجاس ، إن وحدة الصف والكلمة وتوحيد الجهد لأهلنا في ساحة المعركة في فلسطين هو مقدمة النصر مهما طغى الظلم وارتفع الباطل وان أبطال المجاهدين يحرزون نصرا كل يوم على عدو غاشم رغم تفاوت العدة والعدد . مهما ارتفع الباطل فإنه إلى زوال ومهما تعالى الظلم فهو إلى الهاوية مهما تجبر وتكبر ، إنما هو امتحان ليرى الأحفاد عظمة الدفاع عن الأرض والعرض وصون المقدسات ، إن ثوار فلسطين نادر أمثالهم ، وقليل في العالم من يحمل شمائلهم ، ولن يخذل النصرسواعدا توحدت لطلبه وعزيمة حرصت عليه. إن شجرة الزيتون المباركة تشكو إلى ربها ظلم من اقتلعها وحرم الخلق من خيرها وثمارها وقد بارك الله فيها وجعل في زيتها شفاء ليرينا ما تقدمه الشجرة من خير وكيف  يمنعه المجرمون عن البشرية .إن عصابات الغدر مهما ظهر للبعض قوتهم وجبروتهم لكن خوفهم أكبر وضعفهم أشد ألا ترون كيف يبنون حولهم الحواجز ويقيمون السواتر والجدران  ، ويرفعون الدريئات يحمون بها أنفسهم رغم معرفتهم بقلة عدد المجاهدين وضعف امكاناتهم لكننا نعرف أنهم لا يقاتلون إلا من وراء جدر وحصون .

= أمنيتي في ليبيا أن تعود لطرابلس الغرب قيادتها للثوار العرب شيبهم وشبانهم كما فعل البطل عمر المختار ، الشايب الثائر ، والمقاتل المغوار على كل معتد على ذرات رمال طاهرة لا تقبل أن يطأها بسطار مستعمر ، نريد أن يتمتع أهلنا في ليبيا بخيرات بلدهم تقذفها لهم من صحرائها وبطنها ذهبا أسودا بكرم عجيب وخير كثير ومن جوفها مياه عذبة مذهلة في عذوبتها وغذارتها ، نريد أن يتمتع الشعب الحبيب في ليبيا العريقة  بحرية وكرامة وصدارة ليقود هذا الشعب الصبور العالم المهتز بالكوارث والنكبات إلى جادة الرشاد ، فلا يزال الشعب الليبي يمثل خير خلف لعمر المختار وأمثاله.

= أمنيتي في تونس الخضراء ، موطن العلم وحاضنة أقدم جامعة في العالم (الزيتونة) بما يعنيه الأسم من دلالة البيئة علما وثقافة وزراعة وفقها وتجارة ، حباها الله مناخا خلابا ومناظر بديعة خضراء اشتقت تونس اسمها منها ، لكن الشعب التونسي رقيق المشاعر عالي الإحساس سقط كجواد في ميدان تحت سطوة رئيس من تربية أجهزة المخابرات المركزية الأمريكية كما جاء في تعريفه من قبل الإذاعة البريطانية  يوم انقلابه على وليّ نعمته السابق الحبيب بورقيبة فعزله ليجلس مكانه ويبدأ في تعذيب المواطنين بأساليب عفت عنها وحوش الغابات فقلص الحريات وتدخل في الأمور الشخصية من العبادات والعقائد وابتكر فيهم مالم يخطر على بال المستعمرين فلا حجاب لإمرأة ولاصلاة لرجل في غير مسجد حيه وكل ذلك بغية السيطرة على أنفاس المواطنين للتحكم فيهم ، مع هذا فالأمل أن يتخلص أهلنا من مسببات ما هم فيه ويعود لهم زاهر ماضيهم بنكهة الحاضر في القرن الواحد و العشرين وما أغلق باب النجاة على شخص مهما طال الزمان.

= أمنيتي في الجزائربلاد الأوراس وأبطال سهولها وجبالها عربها وقبائلها الذين قدموا مليون شهيد حتى ركعت فرنسا التي كانت قد دوخت العالم باساطيلها وجيوشها ، كلما ذكرت الجزائر تعتريك نشوة من العز أنك أمام شعب لا يبالي بالتضحيات ولا يخيفه الطواغيت ولا يردعه عن الهدف النبيل عقبات ولا تصده الحواجز والحدود ، شعب بطل بكل المقاييس ، صغيرهم كبير وكبيرهم عظيم وحدود طموحهم بلاد الإسلام عامة .  الحلم أن يأتينا عبد القادر جزائري آخر وكم من عبد القادر ولدت حرائر الجزائر ولا تزال بلاد فيها كنوز تنقطع عندها الأرواح الطموحة وتتمناها كبار الشركات ، بينما لا تزال حكومات الجزائر تمنح حق استغلالها لعصابات ومافيات الدول الصناعية كفرنسا لتاخذها خاما وتعيدها مطحونة معلبة لاستخدامها حول العالم سمادا للزراعة أوموادا صناعية لجدران المباني الحديثة بأضعاف سعر شرائها . أحلم أن تسترد الجزائر مكانتها لتغطي ارضها بالزيزفون والزيتون والزراعة التي تنهض بشعب يتآمر عليه الشرق والغرب ليمزق لحمته ويبعثر كيانه ويقسم أرضه ، فأين العاقلون من بني جلدتي في الجزائر يقودون ولا يقادون ويخططون ولا يساقون ويعملون لصالح شعبهم ويتصدون لحملات التمزيق والتفريق فإن الوحدة قوة والتمزيق هوة وفناء.الجزائر صحن الإسلام ودياره وكل ما يمس الإسلام في دار تجد له في الجزائر صدى وتجاوب.

= أمنيتي في المغرب العربي ـ أين أنت من طارق بن زياد أسد العبور وفاتح الثغور وإن صحت رواية خطبته في جنوده عندما عبر بهم شمالا في مضيق حمل أسمه إلى ماشاء الله  ذلك يكفيه فخرا عندما أحرق السفن وقال كلمته العصماء البحر من ورائكم والعدو أمامكم وليس لكم إلا الصبر و النصر ، ولا يزال نسور المغرب على العهد ألا تجدهم يساندون أهلهم في الشرق أو الغرب لكل نازلة ومصيبة ، ، المغرب هي البلد الوحيد ذو نافذتان احداهما على البحر الأبيض وثانيتهما على المحيط الأطلسي ، بلد يحيط به الخير من كل جانب ويلبسهم الفخر والرجولة في كل حين ، حبذا لو رافق ذلك نظام شعبي شغّل البشر وحرك الشخصية يرفعها لمقامها التي عرفت به على العصور ، فتحت صدرها لمن لاذ بها من أهل الأندلس لما رحلهم طغيان الأعداء في أشرس هجمة وحشية عرفتها البشرية فكانت محاكم التفتيش يحرقون البشر على عقائدهم ، ويبقرون البطون ويدمرون المدن والقرى ، هنا وقف المغرب يضم المنكوبين ويواسي المهجرين ويتقاسم المغربي مع إخوانه اللاجئين حلو العيش وشظفه ، من المغرب عرف العالم الطموح ، فساقوا المراكب غربا في بحر الظلمات حتى وصلت أقدامهم للعالم الجديد قبل أمريكو وماجلان وحملوا معهم لغة لا يزال مفرداتها في كلمات الهنود الحمر وفي آثار المكسيك . متى ينعم المغرب بخيرات بلاده بدل أن يتسابق للهجرة تاركا وراءه أعظم البلاد وأحلاها وأكثرها خيرا ووفاء.

= أمنيتي في السودان عندما يقال( والأذن تعشق قبل العين أحيانا)تعني السودان خزان الغلال والغذاء للعالم العربي والإسلامي كله ، أرض خصبة ومياه وفيرة فيها تتجمع الروافد لتؤسس نهرا من أطول وأغذر الأنهار في العالم ، قال عنه هيرودوت اليوناني قبل الميلاد : مصر والسودان هبة النيل طميه سماد وماءه حياة وأحياؤه المائية غذاء وفير ، شعب وفيّ مخلص ، ما أن تلتقي أحدا من أهله إلا يفرض عليك حبه لعفويته بلا تصنع ، ورقته بلا رتوش ، وطيبه ببراءة ، الكرم فيه أصيل والمسامحة بلا حقد ولا خبث شيء ملفت للنظر ، فلا يحمل حقدا ولا يضمر سوءا ، كان ملجأ لذوي الحاجات ، وموئلا للضعفاء ، أحب أن اراه فوق الأزمات التي يرتبها الحاقدون ، ويرسمها الخبثاء همهم أن يتقسم السودان ، كلما رقعها المخلصون أتسع الخرق على الراتق ، وفتحت مصاريع الأزمات في الجنوب والغرب ، مئات بل ألوف البعثات التبشيرية تصول وتجول وتنفس سمومها في شرايين البلاد فمن جيش الرب إلى جيش قرنق ، ومن الجنجويد إلى دارفور ، همّ الأعداء أن يفتحوا في جسم السد السوداني خزوقا لينهار وتتقطع منه الأوصال ، فلا تكاد تشرق شمس كل صباح حتى يفتحوا فيه باب نكد ويخلقوا له أزمة جديدة ، ولا يرفع يدهم عن العبث به إلا وقفة الأبطال بنخوة وشهامة فتعود للسودان عظمة التاريخ الذي كان مسرحا خالدا له منذ الخليقة ، كم أحلم أن يصفو الجو في أرض السودان الخيرة فيتفق الأخوة ، وتتصافى القلوب ليرفع السودانيون هاماتهم ويحققوا أحلامهم ويعيدوا سيرة أسلافهم في الخير والسعادة والرفاه ، كم هو قوي ذلك السودان إن استطاع أن يوحد شعبه ويفتح خزائن خيره على جميع أفراده فلا يبقى فقير ، ولا معدم في عالم العروبة والإسلام بفضل ما تدر أرضه المعطاءة خاصة بعدما تفجرت الخيرات غزيرة من النفط والغاز عصب الصناعة وشريان الحياة اليوم وأملي أن يكون أهل السودان نموذجا يحتذى في الحب والرضا بينما العالم يتخبط في جشع أعمى وحقد دفين يريد القلة من سكان العالم أن يملكوا كل شيء في يدهم وليس لغيرهم ، إنها آفة حب الذات ولو دمر السودان وأهله.

= أمنيتي في الصومال أن تغفر لنا هجرنا لها وابتعادنا عنها ، فقير من المال بينما هو غني بالإيمان والكرامة ، ألم تجدوهم ركعوا العالم بشجاعتهم ، فوضعوا لنفسهم خطا في الحياة والحكم أثار عليهم أحقاد المستعمرين مما شعروه بأنهم سيتمردون على أسياد العالم المستعمرين في الخطوط التي رسمتهما الدول البرجوازية حمراء وسوداء ولا يحل لأحد أن يقترب منها وإلا اعتبر مارقا يريد أن يخرج على نظم الطاعة ، فما أن جاء نظام المحاكم الإسلامية وارتضاه الشعب الصومالي وارتاح به في الأمن والأمان إلا

وسارعت الدولة العظى تحرض عليها أمبراطورية الشمس (اثيوبيا) الجائعة فإذا بجيشها المتوحش والمعدم ينخرط في مستنقع ليدافع عن ضلال أسياده ، حتى غرق أو كاد وهاهو يستغيث للخلاص.

أشبال الإسلام الصوماليين أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من النصر المؤزر ، بعد أن تمرغت الحبشة وأسيادها في وحل الصومال الأبي ، في غياب وقوف الشقيق العربي المسلم لنصرة أخوانه النشامى من فحول الصومال العظيم حتى ولو في بيانات لا تسمن ولا تغني من جوع ولا ترفع ضيما ولا حرجا.

حتى أن قراصنة البحر الأحمر والبحر العربي والمحيط الهندي دوخوا العالم كله على قلة عددهم وعددهم فكان حصيلة السفن التي استولوا عليها في عامنا هذا فاق السبعين سفينة كانت أكبرها ناقلة النفط السعودية  العملاقة (سيروس ستار) تحت أيديهم ولم يحسبوا حسابا لدول صغيرة أو كبيرة فقد استولوا في بداية شهرنا هذا على سفينة يظللها العلم الأكراني تحمل شحنة دبابات روسية  لإحدى الدول الافريقية.

= أمنيتي في الكويت بلد نبت لحمي وعظمي من خيره ونعمه ، كذلك الكثيرون من العرب والمسلمين الذين وجدوا لهم ملجأ في رحاب الكويت الخيرة ، فيها النشامى والكرام ما يفخر به كل من عايشهم وتعامل معهم ، لكن بالمقابل ، لا يمكن لعين الصديق أن تتجاهل تلك النعرة الفوقية التي تمارسها تلك القلة ناكرة الجميل لجهد أخوانهم الذين بنوا لهم حضارة وتطورا قصرت خبرات الكويتيين عنها ، فكل كويتي يقطن فللا من أجمل وأحلى ما توصلت إليه فنون العمارة الحديثة قامت كلها من ألفها ليائها على أكتاف ( الأجانب ) ولم يساهم فيها كويتي واحد ولو بمسمار ، مع هذا فقد غمط واضع القوانين الكويتية التي تنظم الحياة بين الكويتيين واخوانهم (الأجانب) من العرب والمسلمين  حقوق الذين بذلوا علمهم وجهدهم لرفاه وتطور الكويت وأهلها  لكنهم لم يلقوا من بعض الحمقى إلا نظرة الإحتقار والدونية كونهم ((أجانب )) ،فقد جنحت القوانين كثيرا في تهميش حقوقهم وتقزيم شخصياتهم تحت دعوى الجنسية التي ترفع الكويتي وتحط غيره ، حتى رأينا كيف أن بعض الذين ظلمهم وآلمهم ما عاشوه ولمسوه من تمييز وظلم كيف وقفوا عاجزين عن الدفاع عن الكويت عندما كانت الكويت في شدة أزمتها بحاجة ماسة لزنود سكانها بغض النظر عن كونهم مواطنين أو أجانب .

ولا زلت أذكر من محاسن أميرها المرحوم الشيخ جابر الأحمد الجابربعد عودته للكويت بعد الأزمة حينما سجد لله على صعيد أرضها تعبيرا عن حبه لها ولأهلها  أن ذكّر أهلها بحسن معاملة المقيمين حتى نكسبهم أخوة بدل جعلهم أعداء لنا ، كذلك ذكرهم بموقف الدول التي ساعدتهم في محنتهم وخشيته إن لم نحافظ على حقوق المقيمين وحسن معاملتهم أن نخسر تضامنهم . ولي وطيد أمل أن يدرس عقلاء الأمة كلها ما وقعنا به من أزمات ونتعمق بدراستها وتحليل أسبابها وطرق التبصر في عواقب ظلم الآخرين ، ان كسب صديق شيء صعب يحتاج إلى تضحية ، بينما خسارته سهلة وسريعة . ليس المال كل شيء في الحياة فالدول الفقيرة تجد لديها من السرور والسعادة ما لاتجد مثله لدى الأغنياء .

= أمنيتي في دول الخليج عامة  ، لقد من الله عليهم بخير وفير ونعم كثيرة ، رقة في الشعور ، وكرما في الوفادة ، وصدقا في الحديث هذا ما توارثه أهل الخليج عن أجدادهم ، وعجبي كيف تبدلت هذه الصفات الحميدة وكادت أن تختفي تحت اغراء المال وكنزه فأصبحوا عبيدا للمال يظنون انه سر السعادة والهناء بينما أكد الواقع أن الفقراء أكثر سعادة من الأغنياء الذين ابتلتهم أموالهم بعصي الداء وسوء الجسد المعتل من القلق والخوف والطمع .الجشع داء ليس له نهاية إلا الوقوع في شراك الظلم المقيت الذي يعود على أهله بوخيم العواقب والنهاية . أريد من أهلي في دول الخليج أن يتأنوا في طفرتهم للتوسع العمراني والترفيهي ويفكروا أن المال الذي لا يحيط به ذراع يحرسه وجسد يحميه ويكون قلبه عليه فعاقبته أن يغري به الأوغاد ويترصده الطامعون ويخطفه الحاقدون ، من الذي سيردع الجار الطامع أن يغمض عين الحسد عما في حوزتكم ويقواوم أغراء ضعفكم ، فإذا أضفنا عداوة العمالة التي ترهقها أوضاعها المعيشية لديكم نتيجة قوانين جائرة وظلم مجحف مما يولد حقدا رأينا كيف يثور ويتفجر بركانا ضد الدولة المضيفة لدى أول عارض من أزمة عنيفة كتلك التي حصلت في الكويت فإذا بمجمل العمالة إلا ما رحم ربي  وقفت إلى جانب المحتل ، ليس لقناعتها بعدالة فعله بل تنفيسا عن حقدها ضد ظالمها الذي استغل فقرها وضعفها وحاجتها فأوسعها ظلما واستعبادا. أني ناصح لأهلي في دول الخليج بلا استثناء أمام الله أن الظلم ظلمات وأن الظالم والمظلوم سيذهبان إلى ربهما ، فما موقف الظالم تجاه المظلوم أمام العادل الجبار يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ؟

نعم المال وسيلة ولكنه ليس غاية فإذا استغل بحكمة حاز مالكه على نعيم الدنيا وسعادة القلب وحسن المآل في الآخرة ، كم من وارث بذر مالا ورثه فأنفقه في غير طريق مشروع ولم يكسب به إلا التعاسة وسوء العاقبة لأن المورث لم يحصن ماله بالتقوى وينصح وارثه في حسن استغلال المال في الطريق الصحيح .

= أمنيتي لليمن  أهل العرب وموطن جذورهم ، مستودع العلم وموطن الحضارة ، نوابغ العلماء من أهل اليمن ، جنات عدن ضرب الله بها مثلا لتفردها في حسن الصنعة وبهي الجمال ، ما كان اليمن يوما إلا حمال المآسي عن أمة العرب والإسلام كلها ، بارك رسول الله في اليمن بسهولها وجبالها وأودع فيهم بديع صنع البناء على رؤوس الجبال وترك التاريخ خلفه لنا ذخرا من آل سبأ ومهارتهم في السدود يوم كان العالم يغط عميقا في ظلام التأخر والتخلف ، إن أشاوس اليمن هم القوة العاملة في المملكة العربية السعودية ، يعملون بلا ملل ولا كلل ، في كل حقل ومجال ، حتى أن حرب الكويت فرضت على المملكة اخراج اليمنيين العاملين لديها لخلاف بين حكومة البلدين ( اليمن والمملكة ) ففرغت ساحة العمل من القوى التي كانت تحمل شؤونها وتعرض سوق العمل يومها إلى أزمة خانقة كبيرة لم يسده إلا رجوع اليمنيين إلى أخوانهم السعوديين عملا وتضحية . كذلك تملأ كواكب اليمنيين ساحة الولايات المتحدة في جميع ولاياتها فتجدهم في أخطر المناطق وأقسى الظروف لا يخافون ولا يترددون .

لليمنيين أسلوب في التعامل مع أهلهم اليمنيين الذين يأتون إليهم جددا من اليمن سواء للسعودية أو أمريكا ، فيتبنون القادم الجديد وينزلونه في ( رباط) يدار من أغنيائهم وكبارهم  ثم يأخذونه يدربونه فيعمل لديهم ويؤمنون له التدريب والخبرة واللغة ورأس المال ، حتى إذا استوفى ما يحتاج اشترى له مضيفه مكانا جديدا وسلمه إليه مقابل أجوره عن فترة عمله التي عملها عنده منذ قدومه .اسلوب يشعرك وأنت تسمعه عن عمق الأخوة والصدق والتفاني في خدمة أخيه اليمني ، ولا يقتصر ذلك على مساعدتهم لأهل اليمن فقط بل يمدون يد العون لكل عربي ومسلم رأوا أنه بحاجة للمساعدة .

لعلي لا أبيح سرا أن أذكر أن أكبر جالية عربية في الولايات المتحدة هي الجالية اليمنية ، ولها منتديات وجمعيات وتجمعات تلتصق ببعضها وتجدهم أسرابا في أفراحهم ومآسيهم ليظهروا تكاتفا وتلاحما قل  نظيره بين الجاليات الأخرى

اليمن يبذل جهدا في تحديث بلده ورفع شأنه ، لكنه يخلط بين الصديق الحقيقي والصاحب المنافق ، كم أتمنى على الشعب اليمني الودود والمتحمس ، والذي تجده درعا عند كل عاصفة تهدر على أي قطر عربي وأسلامي في مشارق الأرض ومغاربها فكان في عين العاصفة ليقوم بما يمليه عليه الواجب في الأخوة والمحبة .

علماء اليمن أعلام  ومخازن علم الدين ورجاله الأقحاح ، متواضعين في المظهر ، أعلاما ومنابر في الجوهر.

في حوزة اليمن مفتاح البحر الأحمر أملي أن يوليه الشعب اليمني اهتمامه ورعاية شأنه ليسلم من غدر الأعداء وتخطيطهم .

= أمنيتي في موريتانيا ذلك البلد البعيد في موقعه القريب من القلب في فصاحة أهله ونبوغهم في لغة الضاد حتى لتشعر بصغرك أمام تعابيرهم الجميلة وفصاحة تراكيبهم في قواعدها واعرابها ، في بيئة صحراوية قاسية لا يزال أهلنا هناك يصارعون قسوتها بصبر شديد وعزيمة عالية ، يضرب لنا أهل شنقيط مثلا أعلى في الرقي والحضارة القائمة على ديمقراطية أخاذة في تطبيقها والتزامهم بها ، أنهم عشائر يجمعها القرابة والنسب والمحبة والإخاء ، لا تزال الأبل وقوافلها تذكر بأيام خالية تمخر عباب الصحراء في طقس شديد وظروف قاتلة لا يصبر عليها إلا الرجال الأشداء .

المحيط الذي يجاورهم من الغرب يقذف لهم الخير الكثير وآخر نعمه النفط ، أرجو أن يكون قدومه خيرا ويدرأ عنهم حسد و حقد وطغيان الدول الحاسدة الحاقدة .  

= أمنيتي في الختام للشعوب المظلومة أن تتحرك لانتزاع حقوقها ، ورد المظالم لأصحابها ، ولا يظن بشر أن يأتي من خارج الحدود ( مشفق) ليقوّم الحال ويصحح المقال ويجمع الخير ويطرد الشر نيابة عنكم ((فما حك جلدك مثل ظفرك )) فمن اتكل على غيره ضاع حقه وسلبه( لص من سارق) ، الله الله في العمل والفداء ، لا يشعر المرء بالفرق بين الحرية والكرامة والعبودية والخنوع إلا إذا تخلص من الطاغية الظالم واسترد حقه بزنده .

= وأمنيتي للحكام العرب أن يتقوا غضبة الشعوب ، أنها أشد من البركان وأعنف من العواصف ، إن قدحت شرارة الثورة على الظلم والظالم ، كانت جهنم الدنيا، سيخسر فيها الحكام كل ما يملكوه وظنوا أنه سيمنع عنهم غدر الزمان وانفجار الأركان وتدافع السكان فيختلط الحابل بالنابل وتهتز الأرض وتتزلزل بما عليها وتنتشر النيران في كل زاوية ويستدير الطاغية فلا يجد من كان له قرين يزين له سوء عمله ويغريه بحمايته ، أين موسوليني ، أين هتلر ، أين شاوشيسكو ، أين ستالين ، أين لينين ، أين تشومبي آكل الأكباد .... ؟ أن غضبة الشعوب تنسحب على ظالمها حتى ولو بعد وفاته فتحاكمه كما حاكمت ستالين بعد قرابة ثلاثة عقود من وفاته وحملت جيفته من مزار كان الناس يحجون إليها خوفا من أزلامه ورميت في مزبلة التاريخ ، وكم من صاحب نصب وصنم سيحاكمون حتى ولو بعد موتهم وترمى جثثهم لآكلات اللحوم المتوحشة .

في نهاية هذا العام العصيب ، وفي إشراقة صبح عيد التضحية والفداء أقدم لكل حبيب (((أمنيتي ))) المتواضعة ألخصها برغبتي قبل وفاتي أن أرى شعبي على أمتداد الأرض وأرتفاع الجبال تعلو البسمة وجوههم المشرقة ، وتطفح من أساريرهم السعادة ويضحكون ملء ثغورهم بلا غصة في حلقهم ولا خوف في صدرهم ، يمثلون سكان المدينة الفاضلة التي عشقها وتخيلها أفلاطون وأبو العلاء وخلدوها في أشعارهم وكتبهم القيمة  ، وليس ذلك على الله بعزيز ......

وكل عام وأنتم بخير