الصفات السبع للكفاءة الوالدية

د. ماجد عرسان الكيلاني

[email protected]

 تبدأ مشكلات الأطفال- من الوالدين- و تسوء صورة الذات لديهم، وتضعف روابطهم بأسرهم إذا أساء- الوالدان- وظيفتهما التربوية، وفي المقابل تتحسن لدى الأطفال صورة ذواتهم، و تتوثق بالأسر روابطهم، ويسهل حل مشكلاتهم، إذا راعى الآباء و الأمهات الصفات السبع للكفاءة الأبوية، وهذه الصفات هي:

 الصفة الأولى:

تقبل اختلاف الطفل عن إخوانه و أخواته في الأفعال و الأقوال، وفي الصفات و الميول والاتجاهات، و التفكير والعادات، واعتباره حالة خاصة، وشخصية مستقلة لها تكوينها وتصوراتها، ولديه القدرات و الإرادة التي يحتاجها لمواجهة مشكلاته، و تلبية حاجاته.

 وفي العادة يكون للأولاد حاجات تختلف عن البنات، كما أن للبنات حاجات لاتهم الأولاد.وهم جميعا كذلك مختلفون في الأساليب و الطرق التي يتفاعلون من خلالها مع مواقف الحياة المختلفة.

 لذلك لا يجوز مقارنة الطفل بغيره من الأطفال، أو اعتبار الأساليب التي تنفع مع الطفل (أ) نافعة مع الطفل (ب).

وهذا يعني أن على الوالدين مسؤولية كبيرة في اكتشاف حاجات كل طفل وأساليب تلبيتها وفي توزيع حبهم ورعايتهم آخذين بعين الاعتبار الاختلافات القائمة بين أطفالهم. ولذلك يحتاج البنات إلى رعاية أكبر في حين يعتبر الأولاد أن هذه الدرجة من الرعاية دليل على عدم الثقة بهم،واعتداء على استقلال أشخاصهم، وعندما يفشل الوالدان في إدراك هذه الفروق الفردية، وما تتطلبه من وظائف تربوية، فإنهما يتسببان في فشل الأطفال أنفسهم وتشويه نموهم النفسي و الاجتماعي.

الصفة الثانية:

 تقبل أخطاء الأطفال وهم يحاولون الاستقلال في اتخاذ القرار و اعتبار هذه الأخطاء ظاهرة طبيعية في حياتهم، وخبرة ضرورية لنمو قدراتهم و نضجهم.

فعندما يقترف الطفل خطأ ما فلا داعي لإظهار الاستنكار والانزعاج،لأن ذلك يؤدي إلى رعب الطفل وانزعاجه واعتقاده بأن شيئاً شاذاً يوجد في تكوينه وشخصيته.ويمكن للوالدين أن يشعرا الطفل بما اقترفه بطرق هادئة تعتمد على القدوة والمحاكاة دون التأنيب واللوم.

وحين يرى الأطفال كيف يعتذر الوالدان عن أخطائهما فإنهم يتعلمون منهما. فالأطفال يولدون إلى هذا العالم وهم مزودون بقدر واف من محبة الوالدين واعتقاد الكمال بهما وأنهما-القدوة الحسنة- في كل شيء. لذلك حينما يقترفون الأخطاء ولا يتعرضون إلى اللوم و العقا فإن تقديرهم لذواتهم يزداد ،وتزيد ثقتهم بأنفسهم، ويحسنون الاستفادة من خبراتهم.  

الصفة الثالثة:

تقبل الطفل عندما يطلق الانفعالات و الغضب و الصراخ واعتبار هذه الحركات ظاهرة طبيعية تصاحب نموه وتساعد على نضج شخصيته.

ولا يعني ذلك أن يتغاضى الوالدان عن السلوك السلبي  وإنما معناه أن لا يقابل الوالدان هذا السلوك بمثله، ولكن يهيئان المواقف التي تجعل الأطفال يستيقنون عدم ملائمة ما اقترفوه وضرورة استبداله بالهدوء وضبط المشاعر،والتزام الوالدين هذا السلوك الرزين يقدم للأطفال (القدوة الحسنة), ويهيئ لانفعالاتهم أن تنمو نمواً حسناً، وينتهون إلى النضج النفسي والاجتماعي.

الصفة الرابعة:

هي قبول الطفل وهو يطلب المزيد من الحاجات ويكرر الطلبات إلى الدرجة التي تثير الوالدين وتدفعهم إلى تأنيب الطفل، وتلقينه فضائل الإيثار والقناعة بدل التمادي في مطالبه وإطلاق العنان لأنانيته، دون أن يدرك الوالدين خطورة ما يفعلونه، وأنهم يعيقون النمو الاجتماعي عند أطفالهم،ويحدون من قدراتهم المستقبلية على الجرأة والشجاعة والأدبية، والمسؤولية الاجتماعية.

والواقع أن الأطفال حين يتمادون في طلباتهم فإنهم يكونون مدفوعين بقلة خبراتهم، وعدم معرفتهم بالحد الذي تنتهي عنده مطالبهم، لذلك يحتاج الوالدان أن يتقنوا تعليم الأطفال كيف يقفون في مطالبهم عند السلوك السليم ومراعاة التدرج في هذا التعليم طبقاً لتدرج نمو شخصيات الأطفال حتى يبلغوا درجة النضج الذي يمكنهم من الوقوف عند المطالب السليمة. وحين يمنع الوالدان طفلهم من الحصول على ما يطلبه يجب أن يناقشاه ويشرحا له سبب المنع بأساليب منطقية مبرهنة، وأن يجيباه عن جميع الأسئلة التي يسألها الطفل في هذا الشأن.

الصفة الخامسة:

قبول الأطفال الذين يقولون كلمة(لا)، شريطة أن لا تنال هذه الكلمة من مكانة الوالدين وقوامهما الأسري.

فالأطفال يحتاجون من آن لآخر إلى قول كلمة (لا) لأي من الوالدين بأسلوب يمنحهم قسطاً من قوة الشخصية، ونضج الانفعال وحسن التصرف. ولكن كثير من الوالدين إذا واجههم الأطفال أو الأبناء الكبار بقول (لا) قابلوه بالغضب الشديد، واعتبروه تهديداً لمكانتهم الأسرية، وجرأة على منزلتهم الاجتماعية، ناسين أن تدريب الأطفال على قول كلمة (لا) حيث يجب أن تقال، تجعلهم في الواقع أكثر تعاوناً وأمتن أخلاقاً، وأكثر ثقة بأنفسهم، وأكثر إحساسا بمسؤوليتهم، وهذه صفات يجب على الوالدين تنميتها في أشخاص الأولاد والبنات. وعلى الوالدين أن يدركوا تمام الإدراك

أن هناك فرقاً واسعاً بين الإذعان لرغبات الأطفال وتدليلهم، وبين إعطائهم الحرية ليختلفوا مع الآخرين في أسرهم أو خارجها بشكل يتدرج مع تدرج أعمارهم ونضج أشخاصهم.إن رفض الوالدين إعطاء الأولاد والبنات هذه الحرية في التعبير سوف يؤدي إلى كبت مشاعرهم واضطراب إرادتهم، ويحول دون نضجهم العقلي والاجتماعي والكلامي والانفعالي، ويتسبب في فقدانهم الحوا فزو الاستسلام لليأس، ويفقدهم القدرة على التفكير ويشوه صور ذواتهم لديهم،ويجعلهم ضحية للآخرين الذين يشكلون تفكيرهم ومشاعرهم،ويتلاعبون بانفعالاتهم ويسلبونهم القدرة على تصريف شؤونهم وأعمالهم.

لذلك كله يحتاج الوالدين أن يدركوا الفرق بين التعامل الجماعي وبين استغلال مشاعر الجماعة وانفعالاتها، فالتعاون هو تكامل الإرادات القائم على تحليل الواقع واستخلاص الحلول المدعومة بالعقل،وأما استغلال المشاعر فهو ثمرة التلاعب بالعواطف وإثارة الانفعال بعيداً عن العقل والتفكير الجاد.

لذلك يجب أن يحذر الوالدان كل الحذر من تنشئة أطفالهما على التخويف والإذعان الذي يسلب الإرادات ويصادر الحريات، ويدفع الأطفال إلى مقاطعة الوالدين وإخفاء مشكلاتهم عنهم لأن من شأن هذه القطيعة أن تستمر مع الأولاد والبنات خلال مراحل العمر كله ليعاملوا بها شيخوخة الوالدين وليورثوها إلى الأبناء والذراري.

كذلك أثبتت الدراسات الجادة الرصينة أن المجتمعات التي تتكون من أسر يتعرض فيها الأبناء والبنات إلى قسوة الآباء والأمهات، فإنهم يبحثون في خارج أسرهم عمن يمارس عليهم دور الكفاءة الوالدية، ويمنحهم الحب الغامر ، وقد يخطئون الهدف ويضلون الطريق وتتفرق بهم السبل، فمنهم – وهؤلاء قلة ممن يتبصر ويعقل- من ينتهي إلى مرشد ناصح يضعهم على طريق الاستقامة والتقوى ومنهم – وهؤلاء الكثرة المذهولة- من يقع في قبضة الشلل والجماعات السرية التي تعرضهم للمهالك في ميادين التطرف أو التهور أو الجريمة،أو المغامرات الخطيرة، ومنهم من ينتهي في أوكار الفاحشة والانحلال والرذيلة، ومنهم .... ومنهم ...

وجميع هؤلاء وأولئك تستقر أشواك هذه الخبرات في منطقة اللاوعي من ضمائرهم وتحيل حياتهم معيشة ضنكا،وتعشش جراثيم هذا الفساد في ضمائرهم لتوجه علاقاتهم فيما بعد مع أزواجهم وأبنائهم وبناتهم وتشكل وقائع أعمارهم داخل أسرهم وخارجها.

 الصفة السادسة:

هي قبول الطفل حين يبدأ بطرح أسئلته الجريئة والبريئة عن قضايا النشأة والحياة والمصير وما يتفرع عنها من أسئلة تتعلق بالله والخلق والموت وما بعد الموت إلى ما هنالك. ولا شك أن ثقافة الوالدين ودرجة إحاطتها بهذه الموضوعات، ومدى قدراتهما على تقديم الإجابات الحكيمة أو عدمها سوف يكون لها أكبر الأثر في السلوك الديني والاجتماعي والعقائدي للأطفال، والطريقة التي يمارسون بها التدين وتطبيقاته الدينية والاجتماعية والكونية,

الصفة السابعة:

تتصل اتصالاً مباشراً بما سبقتها من صفات وهي القدرة على توجيه الطفل لبلورة – مثل أعلى-

يستمد منه أهدافه العامة والخاصة، ويملأ عليه حياته ويستمد طاقاته لتحقيقه،ليحدد منزلته ومصيره.

ولا شك أن ثقافة الوالدين ودرجة إحاطتها بالقضايا المعاصرة ورسوخها في الأصالة ستكون أهم العوامل التي تساعد على نضج الطفل وترجمة – مثله الأعلى- إلى وقائع وأحداث في حياته وشبكة علاقاته ابتدءا من دائرة الأسرة حتى الدائرة الإنسانية الكبرى.

وغياب المثل الأعلى أو نموذج الإنسان الصالح من حياة الأسرة سوف يفتح الباب أمام –مثل السوء-ليملأ الفراغ الحاصل، وتنتهي بالأطفال إلى السطحية والضياع ثم الانسحاب من تيار الحياة إلى غثاء السيل المتدفق ليتحولوا إلى أرقام بين القطعان البشرية اللاهثة وراء شهواتها ولا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا ولا تؤمن بعقيدة سليمة.

 والخلاصة التي ينتهي إليها هذا البحث الموجز عن- الكفاءة الوالدية- هي أن الوالدين يمثلان – القدوة الحسنة الأولى – في حياة الطفل، فإن صلحت هذه القدوة وضعته على الدرجة الأولى من سلم الحياة وأمدته بالدفعة الأولى من أسباب الصلاح والفلاح، وإذا فشل الوالدان في ذلك فإنهما يسيران الطفل في طرق موحلة لا يدري أين تنزلق به مزوداً بالكمية الأولى من وقود الفساد والإفساد.

 ومن هنا نفهم الحكمة من قوله تعالى:( فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين) البقرة 24.

وقوله صلى الله عليه وسلم:( ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه).

ملاحظة: - للمزيد حول الموضوع راجع كتاب (ثقافة الأسرة المعاصرة) – للمؤلف.