مؤتمر نحو مشروع نهضوي إسلامي

د.محمد سالم سعد الله

[email protected]

عميد كلية اللغات / جامعة المدينة العالمية

ماليزيا

ما زال الاشتغال على قضية النهضة الإسلامية المعاصرة بمعطياتها وإمكانياتها ومكاسبها ومزالقها واختلاف التوجهات وتنوع الخطابات فيها هاجساً يؤرق العلماء والمفكرين والدعاة الإسلاميين، وما زالت قضايا الإصلاح والأصالة والمعاصرة والتراث والدين والماضي والحاضر والمستقبل والتطرف والاعتدال والأسلمة ... إلخ، توصف على أنها إشارات للتنبيه أو التحفيز في طريق المحظور والممنوع أو المباح والمسموح به في الخطاب الإسلامي المعاصر!.

وقد دأبت المنتديات والملتقيات والمؤسسات الإسلامية طرح هذا الموضوع ـ وبشكل دائم ـ للنقاش انطلاقا من أهمية المكنون المعرفي الذي يحمله، وغدت البحوث والدراسات تترى في هذا المجال، مناقشة ومحللة قضايا مهمة في مشاريع النهضة الإسلامية من حيث مناهج روادها في الطرح، وخصوصية الخطاب الدعوي، وحضور المعاناة الإنسانية ومعالجاتها إسلامياً، وتدخل مسألة أسلمة الجوانب المختلفة من الحياة علميا ومعيشيا شاغلاً يحفز العاملين في هذا الميدان نظراً للإشكاليات المتعددة التي تبدأ مع التهم الموجهة للخطاب الإسلامي بالتطرف والظلامية !!، مروراً بدعوات الوسطية والاعتدال المعاصرة، وليس انتهاء بالتوقعات التي ينبغي أن يتصف بها هذا الخطاب لمعالجة تحديات الحاضر والتوجه نحو آفاق المستقبل.

وانطلاقا من ذلك حمل المنتدى العالمي للوسطية أمانة مناقشة هذه المسائل كلها عبر إقامة مجموعة من النشاطات العلمية كان من أهمها عقد المؤتمرات السنوية التي أدرجت محاور عدة لبسط النقاش حول هذه القضية، ومعرفة آراء الأطياف المتنوعة في الساحة الإسلامية المعاصرة.

وينهض المؤتمر الدولي الرابع (نحو مشروع نهضوي إسلامي) بهذا الدور الذي عقد في عَمَّان في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني/ 2008، وأسهم فيه جمع مبارك من الأساتذة والمفكرين والدعاة والباحثين في ميدان الدعوة والفكر الإسلامي والدراسات القرآنية، وحوى المؤتمر دراسات مهمة جداً تتعلق بآليات التعامل مع مشاريع النهضة الإسلامية ومناقشة مكاسبها على صعيد ما تحقق من نتائج، والحديث عن أسباب مزالقها على صعيد الممارسة في الواقع، من خلال رؤى اتسمت بالتنوع والحرفية والمعاصرة والنظر إلى المشكلات بعقلانية معاصرة، وليس عبر عيون الماضي.

افتُتِح المؤتمر بتلاوة آي من الذكر الحكيم، وبعدها ألقى بعض المسؤولين كلمات ترحيبية وهم كل من أ.مروان فاعوري من الأردن الأمين العام للمنتدى العالمي للوسطية، والمفكر أ.د.محمد المسفر من قطر، والإمام الصادق المهدي من السودان رئيس حزب الأمة القومي، و د.محمد الحمداوي من المغرب رئيس حركة التوحيد والإصلاح، و أ.د.أحمد كمال أبو المجد من مصر/ جامعة القاهرة.

وقُدِمت الأبحاث ضمن محاور وجلسات عدة، كان المحور الأول منها لمناقشة مفاهيم المشروع النهضوي: (الديمقراطية، المواطنة، الدولة المدنية، العولمة، العلمانية، النهضة، الإصلاح، الأصالة، المعاصرة، الحداثة، التراث، المرجعية، العقل والنقل)، وكان الأساتذة المسهمون فيها على الترتيب: (د.يوسف كودة/ السودان، و د.محمد علي الهرفي/ السعودية، د.عبد الله ولد أباه/ موريتانيا، و د.محمد سالم سعد الله/ العراق، و أ.زكي ميلاد/ السعودية، والشيخ الفاضل د.أحمد الكبيسي/ العراق، و د.عبد السلام العبادي/ الأردن، و د.أنس الشفقة/ النمسا، و د.مالك الشعار/ لبنان، و د.الأخضر الشريط/ الجزائر).

وتناول المحور الثاني مناقشة واقع العالم الإسلامي من حيث المعوقات الداخلية والخارجية، وكان الأساتذة المشاركون فيها على الترتيب: (أ.أبو زيد الإدريسي/ المغرب، و أ.الخضر عبد الباقي/ نيجيريا، و د.محمد عبدو/ المغرب، و د.محمد الحمداوي/ المغرب، و د.عبد المجيد النجار/ تونس).

وعالج المحور الثالث مرتكزات مشروع النهضة من حيث: (مرجعيات مشروع النهضة الإسلامي، وتأصيل العلاقة مع الذات، ومع الآخر) وكان الأساتذة المشاركون فيها على الترتيب: (د.محمد راتب النابلسي/ سوريا، و د.محمد صهيب الشامي/ سوريا، و د.ناديا مصطفى/ مصر، و د.محمد البشاري/ فرنسا، والشيخ محمد علي تسخيري/ إيران).

وناقش المحور الرابع محددات المشروع الحضاري من حيث: (بناء التصورات السليمة وترتيب الأولويات، والحديث عن الوسائل العملية التطبيقية لمشروع النهضة، وبناء منهجية للبحث العلمي في هذا الإطار) وكان الأساتذة المشاركون فيها على الترتيب: (د.سعد الدين العثماني/ المغرب، و د.جاسم سلطان/ قطر، و د.إبراهيم الجار الله/ السعودية، ود.عبد الإله ميقاتي/ لبنان، و د.عزمي طه السيد/ الأردن).

أما المحور الخامس فقد تناول معالم مشروع النهضة من حيث: (دور المرأة في هذا المشروع، ومشروع الإصلاح الإعلامي، ومشروع الإصلاح السياسي والإداري، ومشروع الإصلاح الاقتصادي، ودور الشباب في هذا المشروع) وكان الأساتذة المشاركون فيها على الترتيب: (د.سهير عبد العزيز/ مصر، و د.نوال الفاعوري/ الأردن، و د.طارق سويدان/ الكويت، و د.نبيل الحماد/ السعودية، و د.محمد الأحمري/ السعودية، و د.عمرو الشبكي/ مصر، و د.أحمد النجار/ مصر، و د.عمرو خالد/ مصر).

واختتم المؤتمر بمحور التجارب النهضوية في العالم الإسلامي المعاصر، وتناول هذا المحور: (تجربة تركيا، وتجربة السودان، وتجربة ماليزيا، وتجربة المملكة الأردنية الهاشمية، وتقديم رؤية المنتدى لمشروع النهضة الإسلامي، ثم تناول رؤية مالك بن نبي حول فكرة الوحدة الإسلامية، ومناقشة مقترح رؤية إسلامية لمشروع النهضة) وكان الأساتذة المشاركون فيها على الترتيب: (د.بكر كارليغا/ تريكا، و د.سعاد يلدرم/ تركيا، و د.جابر عوض/ مصر، و د.أحمد هايل/ الأردن، والإمام الصادق المهدي/ السودان، و د.عمار الطالبي/ الجزائر، و د.مراد هوفمان/ ألمانيا). 

وبعد مناقشات وحوارات وطرح رأي وسماع رأي آخر، اختتم المؤتمر بمجموعة من التوصيات كان من أهمها:

السعي لإصدار معجم للمصطلحات، وثنائياتها، وفك التضارب والتناقض بينهما ضمن فهم إسلامي مستنير وبناء فكري سليم، والاستناد إلى المرجعية الإسلامية في مناقشة القضايا المطروحة بما ينسجم مع الهوية الإسلامية، وتمّ تأكيد مسألة أن أي مشروع نهضوي يجب أن تشارك فيه شرائح الأمة واتجاهاتها كآفة، وأكد المؤتمر أيضا ضرورة صياغة مشروع نهضوي إسلامي للأمة، يقوم على خطة إستراتيجية  للإعلام الإسلامي، لصناعة تأثير حقيقي على الرأي العام العالمي الذي من أبجدياته العمل على بناء العقل الإستراتيجي لأبناء الأمة في المجال التربوي والإعلامي والسياسي حتى يعكس قيم الأمة، ودعم المؤسسات الفنية لتقديم إنتاج فني يؤسس المفاهيم النهضوية، وإنتاج أفلام ومسلسلات تخدم قضية النهضة.

كما أوصى المؤتمر بضرورة تقديم الإسلام تقديماً صحيحاً بعيداً عن المغالطات والغلو والتشدد والتطرف مما يؤدي إلى الإفراط والتفريط، وإيصال هذا الدين بمبادئه المشرقة إلى أبنائنا وشعوبنا ليكونوا حاملي رسالته للعالم، وذلك بأن يكون للعلماء دور في التعريف الصحيح للإسلام.