زيارة إلى ماليزيا

غزوان مصري

[email protected]

قمت قبل أيام بزيارة إلى ماليزيا والمشاركة بمؤتمر إقتصادي ومعرض للمنتجات الماليزية في كولالنبور وقمنا بزيارة إلى أحدى المدن الحديثة في ماليزيا وأصابني غبطة وأمل في أن يصل العالم الإسلامي يوما ما إلى ما وصلت إليه ماليزيا .

أشارككم هذه المقالة عن مدينة بوتراجايا ،

بوتراجايا.. تتربع على عرش الجمال في آسيا

مدينة ماليزية تنام فوق 8 بحيرات وآلاف الكيلومترات من الغابات

بوتراجايا: مشعل الهرسان

إذا تجولت في ماليزيا لا بد أن تبهرك مدينة «بوتراجايا» التي يقول عنها الماليزيون إنها «مدينة في حديقة»، فهي مدينة ساحرة تسند ذراعيها بين ثماني بحيرات وآلاف الكيلومترات من الغابات، وقد صممتها الحكومة الماليزية لتكون العاصمة الإدارية لها.

فمنذ عام 1996، شرعت الدولة لتكون هذه المدينة نموذجا في كل شيء، حتى أصبحت المدينة النموذج في آسيا وربما في العالم، فأهلت القسم الأكبر من هذه الأرض العذراء، منشئة ثمانية جسور في غاية الروعة فوق البحيرات لربط المناطق، ومهدت التلال والجبال لتبني عليها قصر السلطان ومنزل رئيس الوزراء ومقر رئاسة الوزراء، ومباني الوزراء ومنازلهم، ومسجدا ضخما في غاية الجمال يتوسط إحدى البحيرات الضخمة، ومعابد صينية وهندية تصميمها رائع، إضافة إلى آلاف المنازل على شكل فلل أفقية شبيهة بفلل الريف البريطاني، حيث لا مكان للبناء العمودي مثل كوالالمبور التي ستصبح رسميا العاصمة التجارية.

وفي صراع مع الوقت وعلى مدى 12 عاما فقط، كرس الماليزيون طاقاتهم في تنفيذ مشروعهم المعماري النموذجي ليصنعوا من هذه المدينة «مدينة المستقبل»، كما اصطلح على تسميتها، حيث تضم مدينة تقنية مصغرة يغلب على تصاميم مبانيها الطابع التقني، وكأنها تقول للزائر «هنا عالم التقنية»، تشمل كليات ومعاهد متخصصة في التقنية، وحين تتجول في شوارعها وميادينها ترى كل شيء مختلفا من الطرق الدائرية مرورا بجسورها إلى أعمدة إنارة الشوارع التي صممت على شكل ثعابين. وتمثل المقاطعة الفيدرالية بوتراجايا أول مدينة ذكية بماليزيا وتضم العديد من المرافق وتنتشر بها الأشجار المورقة والحدائق النباتية وتضفي عليها الأشكال المائية جمالا إضافيا. وعند تجولك في بوتراجايا سترى أبرز الأماكن المهمة فيها، وهو مجمع «بيردانا بوترا» (مكتب رئيس الوزراء)، الذي يقع في المنطقة الأولى ويطل على بحيرة بوتراجايا ومسجد «بوترا» و«داتاران بوترا»، ويحوي المجمع مكتب رئيس الوزراء، ومكتبي نائب رئيس الوزراء والسكرتير الأول للحكومة، وتظهر في تصميمه عناصر العمارة الإسلامية المغولية، وهو نسخة مكررة من مسجد «زاهير» في «ألور سيتار وكيدا» وتحيط به أربع قباب اصغر حجما.

ويفتح هذا المجمع للزوار كل أسبوع من الاثنين إلى الجمعة من 8 صباحا حتى 12.30 مساء، ومن الساعة الثانية بعد الظهر حتى 4.30 مساء، والسبت 8 صباحا حتى 12.30 ظهرا، ويغلق أيام الأحد والإجازات الرسمية.

وعلى مقربة من مجمع «بيردانا بوترا» تقع عيناك على تحفة معمارية هو مسجد «بوترا» الذي يطل على بحيرة بوتراجايا، ويعتبر أهم المعالم المميزة في المدينة، حيث تتسم العمارة الإسلامية للمسجد، والتي تعد نموذجا للدراسة بأسلوب فني يجمع بين التصميمات التقليدية والمهارة الحرفية، وقد وضع نموذج المسجد على غرار العمارة الإسلامية الفارسية إبان فترة «السافافيد».

وفي منتصف المدينة، يبرز أحد المعالم الفريدة، وهو «داتاران بوترا» الذي يبلغ قطره 300 متر، تحيط به الأشجار ومزين بالرسوم المحلية والمياه والأضواء، ويتكون إطاره الخارجي من 11 نجمة ترمز إلى الإحدى عشرة ولاية التي كانت تمثل البلاد عند حصولها على استقلالها، وإلى الداخل توجد 13 نجمة تمثل الثلاث عشرة ولاية التي تمثل ماليزيا الآن. وتستطيع أن تطلع على حياة رئيس الوزراء عن قرب، عندما تقصد مجمع سيري بيردانا (مقر رئيس الوزراء)، الذي يجمع بين كونه مقر الإقامة الرسمي لرئيس الوزراء ومكانا لإقامة مراسم الاستقبال والمآدب الرسمية، ويفتح للجمهور جميع أيام الأسبوع ما عدا الاثنين، حيث يمكن التجول داخله بصحبة مرشد ويتم التحدث بلغة «بهاسا» ماليزيا. وتتوفر كذلك جولات سياحية بلغات أخرى بصحبة مترجم.

وفي قلب بوتراجايا تجد العديد من المسطحات المائية الصغيرة في منظر طبيعي، تعد «بحيرة بوتراجايا» السمة البارزة فيه، وقد تم تصميم هذه البحيرة التي تمتد على مساحة 650 هكتارا لتكون بمثابة نظام ترفيهي ومتنفس للمدينة.

ويربط بين المنطقة الحكومية في شمال المدينة ومنطقة التنمية المختلطة في الجنوب، وبين «داتاران بوترا» و«بوليفارد»، كوبري بوتراجايا الذي يمتد على مسافة 435 مترا، وهو يشبه إلى حد كبير من الناحية المعمارية كوبري «خالو» في مدينة «أصفهان» بإيران.

ويمكن للزائر الاستمتاع بالتجول في البحيرة عن طريق استئجار قوارب لا تعمل بمحركات مثل زوارق التجديف، بالقرب من نادي بوترا للقوارب الذي افتتح في عام 2001 وهو يسع لـ 250 شخصا في وقت واحد أثناء المناسبات والحفلات، ويقع هذا النادي على مقربة من مركز شرطة المسطحات المائية في بوتراجايا.

كما توجد في بوتراجايا، الحدائق النباتية (تامان بوتاني) وتفتح يوميا من 9 صباحا وحتى 7 مساء، كما يفتح المعرض التفاعلي من الثلاثاء حتى الأحد من كل أسبوع من 10 صباحا وحتى 6.30 مساء. ومن خلال جولتك الأولى في أرجاء هذه المدينة (التي تبعد عن العاصمة كوالالمبور ما يقارب 20 كيلو مترا)، سوف تفكر في قضاء ما بقي من عمرك فيها بين بحيراتها وحدائقها وورودها، لتنضم إلى 30 ألف ماليزي هم عدد سكانها، في ظل سعي الحكومة إلى زيادة عددهم لبلوغ 100 أو 150 ألفا بعد انجاز كل البنى التحتية في شكل منظم وسليم.

وعند خروجك من ماليزيا، تنطبع في ذاكرتك المقومات الطبيعية والعمرانية التي يتمتع بها هذا البلد الساحر، تألقه في نظافته وخدماته وطيبة شعبه، وريادته في تجربته السياسية التعددية، وتقدمه في دورته الاقتصادية والتنموية، إلى جانب التسامح والتوافق والتصالح الذي يعم أطياف شعبه المتنوع في ثقافاته وجذوره.