أكتوبر.. العبور والاعتبار
محمد فتحي محمد فوزي
إذا عُدنا بذاكرتنا إلى التاريخ؛ فنذكر أن مصر حمت العالم العربى، والإسلامى ،من هجمات الصليبيين الغادرة؛ بانتصارها فى موقعة حطين ، ثم من ويلات التتار ؛بالانتصار عليه فى موقعة عين جالوت، وهى التى انتصرت على العدوان الثلاثى الغاشم، المكون من إنجلترا وفرنسا والصهيونية عام 1956 ، وتصدت للعدوان الصهيونى ؛بالإتحاد مع الشقيقة سوريا فى 5يونيه عام 1967. ثم رد صاع الهزيمة صاعين، فى حرب أكتوبر المجيدة ؛بإتحاد الدول العربية الشقيقة ،وتضامن الدول الإسلامية.
وتمضى الأيام، وتتعاقب الأعوام، ومازال نصر أكتوبر العظيم، يطالعنا بأفراحه وبهجته؛ فقد كانت حرب العاشر من رمضان، عبوراً من النكسة إلى النصر.. عبورا من الأحزان إلى السرور.. عبوراً من الظلام إلى النور.. عبوراً من غرب السويس إلى شرقها.
بادئة ً بالحرب النفسية التى شنتها القيادة على ضفاف القناة ؛بصدور الأوامر للجنود بالإسترخاء، وعقد الإحتفالات الصاخبة، ومصاصة القصب؛ للتمويه على إستطلاع العدو؛ بأنه لا توجد إستعدادات للحرب ومن ثمّ يطمئنون لذلك ولا يعملون لها.
بينما كانت التجهيزات خلف الخطوط ،تجرى على قدم ٍ وساق للحرب والقتال، والتلاحم مع العدو.
وفجأة، وفى الساعة الثانية ظهرا، إنطلقت أسراب المقاتلات المصرية المنخفضة، تشق عباب السماء ،منفذة ً مهامها القتالية فى عمق سيناء،والتى شملت مركز قيادة العدو ،والمطارات ،والقواعد الجوية الرئيسية،ومواقع الصواريخ المضادة للطائرات، ومدفعيات العدو البعيدة المدى، وغيرها من مواقع استراتيجية،وقد نجحت الضربة الجوية فى تحقيق أهدافها بنسبة90% ،نتج عنها، تدمير مركز القيادة الرئيسى لقوات العدو، وشل إمكاناته ، مطمئنة ً لجنودها فى ذهابها ،وإيابها إلى قواعدها سالمة.
ثم إنطلاق المدفعية الهاون ،والصواريخ أرض، أرض، وكأنها زلازل على الأعداء مبددة لأحلامهم.
فكانت الحرب ،التى اجتازت موانع لا يعلم قسوتها إلا الله ؛ فعبرت قناة السويس بالقوارب المطاطية، والكبارى السريعة، إلى الضفة الأخرى، رغم ما بالمياه من مواسير للنابالم الحارق ،ومياه جارفة، وطيران شارد ،ومع هذا، إنتصرت إرادة المقاتل المصرى؛ بوصوله إلى البر الغربى بأمان.
ومالبث أن وصل ؛ليتعامل مع المانع الثانى ،وهو الساتر الترابى العملاق، الذى لم يكن سهلا ،مع مايعانيه الجنود البواسل، من تعب ومشقة، فى صراعهم مع المياه العاتية، ومعاناتهم من المجهول القادم ؛ فا ستطاع سلاح المهندسين فتح الثغرات؛ فاقتحموها بجدارة، يشهد لها العدو قبل الصديق. وينطلق المقاتلون، إلى المانع الثالث، وهو صحراء سيناء الشاسعة الجدباء بما بها من حشرات وثعابين سامة، ومياه راكدة مسممة، ؛ ليوغلوا فيها حتى مجابهة العدو؛ فكانت حرب الدبابات، وصراع المُشاه، وصيحات التكبير المدوية، والتهليل بنصر الله، وكأن لسان حالهم يقول" قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم" وأيضا " ألا إن نصر الله قريب".
ويأتى المانع الرابع،وهو خط "بارليف" المنيع، الذى كان من المتصور ،ألا تدمره سوى القنابل النووية، ولكن المصريين، صنعوا من أجسادهم، قنابل بشرية؛ لتحطيم هذا الحصن، ومن ثمََّ، فقد تحطمت الموانع الأربعة فى هذه الحرب : المائية، والترابية، والصحراوية
وخط" بارليف" الحصين ؛والتى بها تحطمت أسطورة الجندى الصهيونى الذى لا يُقهر ، وارتفعت الأعلام المصرية الخفاقة ،هنا ، وهناك، وصدق الله العظيم إذ قال:" وإن جندنا لهم الغالبون" وصدق رسوله الأمين حينما قال إذا فتح الله عيكم مصر.... فا تخذوا من أهلها جندا كثيفا فإنهم خير أجناد الأرض.
فإن مصر كنانة الله فى أرضه ،تؤخذ منها السهام؛ لرمى الأعداء بعد أن يفيض الكيل، ويتعذر النصر عليهم ،بعد اللجوء إلى الله، ثم الإستعانة بمصر :" وما النصر إلا من عند الله".
وهكذا كان نصر أكتوبر عبرة ً لمن لا يَعتبر " فاعتبروا يا أ ُولى الألباب" ، ودرسا ً لمن القى السمع وهو شهيد ؛ فأخذ معهد الدراسات الاستراتيجية والعسكرية بلندن، وسائر الأكاديميات العسكرية فى العالم، التمهيد القتالى بالمقاتلات الجوية، و التكتيك الإستراتيجى لحرب أكتوبر ،وعبور الموانع، والمناورات الصحراوية ،والحروب النفسية دروسا جديرة بتدريسها فى الكليات العسكرية.
وأصبحت مصر ينظر إليها بعين الاعتبار، لأنها سادت أراضيها، وجادت على مواطنيها بالنصر، وما أُ ُخذ بالقوة، لا يسترد بغير القوة: فتحية ً إلى شهدائنا الأبرار" ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون" وإلى قادتنا الأحرار، وإلى شعبنا المغوار، و"ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين".