أخلاق محمد صلى الله عليه وسلم
أخلاق محمد صلى الله عليه وسلم
أ.د. حلمي محمد القاعود
يتصور بعض العملاء الجبناء من المتمردين الطائفيين أن القرآن الكريم ، حين تحدث عن أخلاق المسيح عليه السلام لم يتكلم عن أخلاق محمد - صلى الله عليه وسلم . وهذا غير صحيح لسبب بسيط ، هو أن محمداً - صلى الله عليه وسلم – كان خلقه القرآن ، وما أكثر الآيات التي تناولت أخلاقه وسيرته السلوكية والدعوية والإنسانية ، وقدّمته نموذجاً تقتدي به البشرية في سعيها إلى السعادة في الدنيا والنعيم في الآخرة .
وإذا كان العملاء الجبناء في التمرد الطائفي قد بدا لهم أن يهينوا نبي الإسلام - صلى الله عليه وسلم - ويصفوه بأقذع الصفات وأفحشها ، فإن الرّد عليهم بمنهج العلم هو أقصر الطرق لكشفهم وفضحهم على الملأ ، لأنهم تخلوا عن المحبة التي جاء بها المسيح عليه السلام ، وأحلّوا مكانها الخسّة والوضاعة والخيانة والغدر ، وراحوا يكذبون على الله ورسوله ، ويقدمون أنفسهم امتداداً للوحشية الصليبية الاستعمارية ، ويسيئون إلى الإسلام ، وإلى الأغلبية الساحقة التي احتضنتهم وتسامحت معهم إلى أبعد مدى ممكن ، لدرجة وضعت السلطة في سياق " الدولة الرخوة " التي تغمض عينيها عن جرائم يقترفونها في الداخل والخارج ، دون أن تحاسبهم أو تهز آذانهم بكلمة عتاب .
لقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة الخاتمة ، وهى دين آبائه وأجداده من لدن آدم ونوح حتى إبراهيم وموسى وعيسى ، وهى رسالة الإسلام ، أو الحنيفية ، وقد أعلن الأنبياء والرسل السابقون ، ومعهم المسيح بن مريم ، إسلامهم . فإبراهيم " مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ " ( آل عمران : 67 ) .
وإبراهيم وإسماعيل يقولان : " رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ " ( البقرة : 128 ) .، ووصى إبراهيم بنيه ويعقوب : " وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " ( البقرة : 132 ) .، ويوسف يقول عن نفسه " تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ " ( يوسف : 101 ) ، وقال قوم موسى لفرعون : " وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ " ( الأعراف : 126 ) . وقال موسى لقومه : " وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ " ( يونس : 84 ) . حتى فرعون نفسه حين أدركه الغرق أعلن إسلامه : " حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ " ( يونس : 90 ) ، وأوحى الله إلى الحواريين أن يؤمنوا به وبرسوله عيسى " وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُواْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ " ( المائدة : 111 ) ..
الإسلام هو الدين الخالص ، الذي بدأ بآدم عليه السلام ، وانتهى بمحمد - صلى الله عليه وسلم -جوهره التوحيد ، وغايته سعادة البشرية ، وقد اكتملت رسالته في حجة الوداع عام 13هـ ، وهو ما جعل الإيمان بالرسل والأنبياء السابقين شرطاً من شروط الدخول في عقيدته ، وإذا كان ما جاء به موسى ويسمى اليهودية ، وما جاء به عيسى ويُسمى النصرانية ، فهو من باب الاصطلاح ولا مشاحة في المصطلح ، كما يقول المناطقة . اليهودية تعبير عن رسالة موسى ، والنصرانية تعبير عن رسالة المسيح ، وإن كانت اليهودية والنصرانية مقترنتان بالتحريف ، وفقاً لما جاء في القرآن الكريم " وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ " ( البقرة : 135 ) . والتحريف هو الشرك .
وخلاصة القول إن رسالة الإسلام منذ البدء والختام ، هي كرم الأخلاق ، وكانت لدى النصرانية متعلقة بالروح وتطهير النفس ، على النحو الذي أوضحناه سلفاً ، وقد امتدت في الإسلام على يد محمد - صلى الله عليه وسلم – ليكون القدوة الحسنة " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا " ( الأحزاب : 21 ) .، والرءوف الرحيم بالمؤمنين " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رءوف رَّحِيمٌ " ( التوبة : 128 ) ، ثم كان وصفه الأشهر : " وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ " ( القلم : 4 ) . ثم كان التوجيه الإلهي : " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ " ( النحل : 125 ) ... وقال الرسول صلى الله عليه وسلم " إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق " و " الدين حسن الخلق " .. وقالت عائشة رضي الله عنها " كان خلقه القرآن " .
وتنطلق أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم ، والمسلمون من التوحيد " اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ " ( النحل : 36 ) ، " فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ " ( البقرة : 22 ) ، فهي أخلاق مرتبطة بالإيمان ، لا تحتمل النفاق ولا الرياء . ثم إنها تعتمد على النية والتوكل على الله والحب له الذي يدفع إلى السمع والطاعة والتوبة والندم على الخطأ والاستغفار للذنب ، دون حاجة إلى وسيط "وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ " ( آل عمران : 135 ) .
ومشكلة بعض العملاء الجبناء من المتمردين الطائفيين أن إقذاعهم في حق محمد - صلى الله عليه وسلم - يأتي تعبيراً عن نفس خبيثة ، لم تفقه رسالة المسيح عليه السلام ، ولا رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم . وخضعت لمشيئة أعداء المسيح ممن يحملون الصليب ظلماً وزوراً ، ويكذبون على الله وعلى أنفسهم من أجل أغراضهم الدنيوية الحقيرة الزائلة .
وتمنيت لو قرأ هؤلاء العملاء الجبناء : قصيدة نهج البردة لأحمد شوقي ، وما جاء فيها عن محمد والمسيح . إنه تصوير حي لطبيعة الرسالة المشتركة التي اكتملت في الإسلام ، وساكتفى ببعض الأبيات :
إِن قُلتَ في الأَمرِ لا أَو قُلتَ فيهِ أَخـوكَ عـيـسـى دَعا مَيتاً فَقامَ لَهُ وَالـجَـهلُ مَوتٌ فَإِن أوتيتَ مُعجِزَةً قـالـوا غَزَوتَ وَرُسلُ اللَهِ ما بُعِثوا جَـهـلٌ وَتَـضليلُ أَحلامٍ وَسَفسَطَةٌ | نَعَمفَـخـيـرَةُ الـلَهِ في لا مِنكَ أَو وَأَنـتَ أَحـيَـيتَ أَجيالاً مِنَ الرمم فَاِبعَث مِنَ الجَهلِ أَو فَاِبعَث مِنَ الرَجَمِ لِـقَـتـلِ نَـفسٍ وَلاجاؤوا لِسَفكِ دَمِ فَـتَـحـتَ بِالسَيفِ بَعدَ الفَتحِ بِالقَلَمِ | نَعَمِ
آية كريمة :
قال تعالى : "إنا كفيناك المستهزئين . الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون " . صدق الله العظيم .