أخلاق المسيح عليه السلام

أخلاق المسيح عليه السلام

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

يشترط الإسلام على المسلم أن يؤمن بالرسل السابقين ، والكتب المنزلة عليهم ، وإلا كان غير مكتمل الإيمان ؛ فالمسلم يؤمن باليهودية والنصرانية وبالتوراة والإنجيل وموسى وعيسى عليهما السلام ، مثلما يؤمن بآدم ونوح ويونس وإبراهيم وغيرهم من الرسل والأنبياء السابقين ؛عليهم السلام .. ومن ثم ، فإن من يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ويترك الإيمان بعيسى بن مريم يكون إسلامه غير صحيح . وقد حظي المسيح وأمه في القرآن الكريم بمكانة رفيعة . فقد تكلم في المهد ، وأمه صديقة ، فُضلت على نساء العالمين بعد أن اصطفاها الخالق سبحانه . قال تعالى : " وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ "  ( مريم :16- 35 ) .

وقال تعالى  : " وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ  " ( آل عمران : 42 – 43 ) .

هناك آيات كثيرة تتحدث عن المسيح وأمه ، وعن الرسالة التي جاء بها وكذبها بنو إسرائيل . وقد تعرّض الإنجيل المتداول لوصف هذه الرسالة ، وطبيعتها . وجاء فيه على لسان المسيح [قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل. ومن قتل يكون مستوجب الحكم. وأما أنا فأقول لكم إن كل من يغضب على أخيه باطلا يكون مستوجب الحكم. ومن قال لأخيه "رقا " يكون مستوجب المجمع. ومن قال يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم. فان قدمت قربانك إلى المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شيئا عليك فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب أولا اصطلح مع أخيك. وحينئذ تعال وقدم قربانك. كن مراضيا لخصمك سريعا ما دمت معه في الطريق. لئلا يسلمك الخصم إلى القاضي ويسلمك القاضي إلى الشرطي فتلقى في السجن. الحق أقول لك لا تخرج من هناك حتى توفي الفلس الأخير ] ( إنجيل متى ، الإصحاح الخامس : 21 – 26 )

وفى سياق التعاليم والأخلاق المسيحية ، يقول :

[  سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن. وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر. بل من لطمك على خدك الأيمن فحوّل له الآخر أيضا. ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضا. ومن سخرك ميلا واحدا فاذهب معه اثنين. من سألك فأعطه. ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده ]

[سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم. وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم. لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات. فانه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين. لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم فأي أجر لكم. أليس العشارون أيضا يفعلون ذلك. وان سلمتم على إخوتكم فقط فأي فضل تصنعون. أليس العشارون أيضا يفعلون هكذا. فكونوا انتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل ] ( إنجيل متى ، الإصحاح الخامس ، عدد 38 – 48 ) .

هذه هي أخلاق التسامح والتراحم والعفو والمصالحة التي بشّر بها المسيح عليه السلام ، وهى أخلاق أكدها الإسلام وألحّ عليها ، ولكن المتمردين من الذين يدعون اتباع تعاليم المسيح ، في عصرنا خالفوا هذه الأخلاق ودخلوا في مناطق الشرّ المحرّمة ، وجعلوا من التعصّب والقسوة والعنف وازدراء الآخر منهجاً ، وطريقاً ،  ومن يتأمل الصرف ( غير ) الصحي الذي يطلقه المتعصّبون العملاء ، في مواقعهم الإليكترونية ، ورسائلهم البريدية ، ولغتهم السافلة المنحطة البذيئة ، يعجب لإصرارهم على الانتماء إلى المسيح وتعاليمه .. ومن كان يصدق أن الرهبان المسالمين في " أبو فانا " يحملون السلاح ويحاربون عرب قصر هور من أجل مئات الأفدنة التي تملكها الدولة ؟ ثم يقتلون فلاحاً مسلماً بائساً ، ويزعمون أنه كان عبيطاً ومجنوناً ؟ ثم يبتزون السلطة داخلياً وخارجياً حتى تُسلّم لهم ما يريدون ، وتمنح القانون إجازة طويلة من خلال اتفاق الإذعان ذي البنود الستة ؟ ( المصري اليوم ، البديل ، 13/9/2008م ) .

إن المتمردين الطائفيين أتقنوا الكذب إلى حدّ لا يقره دين ولا خلق ولا تشريع ، وأخذوا ينشرون أكاذيبهم في الداخل والخارج ، عن الاضطهاد والقتل والأسلمة ، وهم الذين يضطهدون الأغلبية ، ويفرضون عليها شروطهم استقواء بأعداء المسيح في واشنطن وعواصم الغرب الأخرى !

إن أدنى مقارنة بين حال الإسلام في أوروبا وأمريكا ، وحال النصارى في بلاد المسلمين ، تؤكد أن الأخيرين يعيشون الامتياز والأفضلية والحرية التي لا تتاح للأغلبية المنكوبة التعيسة .

انظر ما يحدث للمسلمين في العواصم الأوروبية وأمريكا ، وهم بنّاءون منتجون مخلصون ، يعملون بمنتهى الجدّية والصرامة للإضافة إلى البلاد التي يعيشون فيها ، ويتقبلون قوانينها وتشريعاتها ولو خالفت دينهم وعقيدتهم .. إنهم محاصرون ، متهمون دائماً ، ممنوعون من التعبير عن شعائرهم وعباداتهم إلا بشروط التعصّب أو العسف الذي تمارسه الأغلبية الصليبية التي لا تمت لأخلاق المسيح ولا تعاليمه بصلة .

مثلاً فإن مؤتمرات المتعصبين العنصريين في ألمانيا ضد الإسلام لا تتوقف ، لمحاصرتهم والتضييق عليهم والضغط لإغلاق مساجدهم ، أو تفريغها من الأنشطة الثقافية والتربوية والاجتماعية ، وفى مدينة " كولون " يضغطون الآن لعد إقامة مسجد فيها .

وفى إيطاليا فإن الحملة لا تتوقف ضد المسلمين ، ويطارد العنصريون المتعصبون خيام المسلمين التي تنصب لأداء صلاة التراويح ، حتى صلاة الجمعة التي تقام في بعض الجراجات المستأجرة يتم مطاردتها ومنعها .

وروسيا تشن حملة ضد المساجد ، لأنهم يعدونها أماكن تدريب للحرب في أفغانستان والشيشان .... والسؤال كيف يتدرب المسلم على القتال في المسجد ؟ وهل المسجد يصلح أصلاً للتدريب العسكري ؟

وسبقت الإشارة إلى المرشح للانتخابات النيابية في اليونان الذي كان شعاره أعطني صوتك أغلق مسجداً ..

أما الحجاب ، فقد صار مسمار جحا لإفرازات التعصب الصليبي الشرير ، الذي لا يمت إلى المسيح عليه السلام ، ولا تعاليمه بصلة .. وما يجرى في فرنسا وألمانيا وهولندا والنمسا .. أمثلة قريبة وواضحة ..

ثم تأمل هذا الحدث الذي قام به مسلح أمريكى لطرد مائة مسلم بعد خلاف على الصلاة والإفطار ! حيث قام العملاق جاى بى إس سويفت إندكو ، وهو مسلح بطرد مائة عامل مسلم في مدينة جريلى الأمريكية احتجوا على قرار أصدرته الشركة التي يعملون بها وحددت فيه موعداً ثابتاً للصلاة في شهر رمضان ، وكانت الشركة التي يعملون بها قد سمحت لعمالها باستراحة مدتها 30 دقيقة يومياً عند الثامنة مساء طوال رمضان .

ولكن العمال احتجوا على هذا الموعد الثابت لأن غروب الشمس يتغير يومياً ، وبدلاً من حلّ المسألة بالتفاوض والتسامح قام المسلح العملاق بحسمها تحت تهديد السلاح وطرد العمال بلا رحمة ! ( القدس العربي 12/9/2008م ) .

ترى لو أن حادثة مشابهة وقعت في مصر ، ماذا كان سيفعل المتمردون الطائفيون ؟ وماذا  كانوا سيقولون ؟ وبم كانوا سيُهدّدون ؟

إن عميلاً خائناً  من الكنيسة الأرثوذكسية قام بنشر رواية بذيئة تُسمى " تيس عزا زيل في مكة " نال فيها من عرض الرسول ومن عرض والدته ، وسبه سبابا مقذعاً ، رداً على كاتب رواية " عزا زيل " وعلى ما ورد في القرآن الكريم عن تحريف الإنجيل ، وعبادة الثالوث والقول بألوهية عيسى .. فهل هذه أخلاق المسيح ؟

يبدو أن قدر المسلمين هو الدفاع عن محمد صلى الله عليه وسلم والمسيح عليه السلام ، بعد أن تناسى الخونة والعملاء والمرتزقة أخلاق الاثنين .